طاقة و بيئة

المدن الذكية… بديلاً لمدن الملح

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مدن بحاجة اليها : النظام الايكولوجي للمدن الذكية

ان اسلوب التخطيط الاستراتيجي واصول البناء والادارة ,احترامنا للقانون ومدى امتثالنا للتشريعات اضافة لاطار حكمنا لمدننا اليوم , سوف يحدد ثمرة مجهوداتنا الموجهة لتحقيق غد يتمتع بالتنمية المستدامة الابتكارية والمتناغمة , حيث ان المدن المخطط لها بدقة , تسمح لكافة السكان بأن يتمتعوا بفرص العيش في حياة آمنة وصحية ومنتجة كما ان المدن الجيدة التصميم توفر للمجتمع فرصا محورية لتعزيز الاندماج الاجتماعي والقدرة على الصمود وتحقيق الرخاء والرفاهية .
يقف العالم اليوم عند مفترق طرق , وخلال العقود القليلة القادمة سوف يتضاعف عدد السكان الحضريين ليصلوا الى ال75% من سكان العالم , وما نستطيع الاشارة اليه ان 60% من البيئة المطلوبة لاحتواء تلك النسبة الجديدة من السكان الحضريين لم تبنى ولم تشيد حتى وقتنا الحاضر .
ان المدن هي القوى المحركة والعالمية لمختلف النشاطات , ومن خلال الادارة الجيدة تستطيع ان توفر فرص للعمل والامل والنمو , بينما تقوم بتحقيق الاستدامة , فمع تحديد نسبة ال60% من المساحة التي لا زالت بحاجة الى البناء قبل العام 2030 , تمثل المدن فرصة لا تضاهى لتشكيل نموذج وفترة حضرية جديدة , حيث يتسنى للاشخاص ايجاد الحرية والمطامح والرفاهية والرخاء والخدمات لبناء المدينة ايالتجمعات الحضرية والتي نحتاجها , سوف يحصل النموذج الحضري الجديد الخاص بناء على الارشاد المطلوب من خلال مجموعة من المبادئ ذات الصلة ثم يليها المحركات الخاصة بالتغيير .
ان الوعي المتزايد بمخاطر تغير المناخ والنماذج الغير المستدامة للانتاج والاستهلاك والتنمية يوفر افقا جديدة للمدينة المتجددة والاقتصاد الدائري , يتعدى ذلك المفاهيم المتعلقة باعادة الاستخدام واعادة التدوير ليشمل استفادة واعادة حيوية للانظمة البيئية الداعمة للحياة الحضرية , فانها تسمح بعلاقة مختلفة ما بين المناطق الحضرية والريفية وتوفر افقا جديدة للزراعة الحضرية وشبه الحضرية واسسا للمدينة البيئية والقادرة حقا على الصمود , حيث ان الوصول الى فهم ووعي جديد باهمية تصميم المرافق العامة ودعم الاحساس بالهوية حيث تضع الاماكن العامة في صدارة التنمية الحضرية باعتبارها وسيلة لتخضير المدينة وتعزيز الاحساس بالامان وتوفير الفرص للتفاعل الاجتماعي المعزز واشكال شتى للتعبير عن الرأي.
فقد توفر الثورة الرقمية والاندماجية فرصا جديدة لكفاءة واستجابة الخدمات الحضرية فانها تزود سكان المدينة بوسائل وطرق جديدة للمشاركة مع السلطات العامة في الخروج بالقرارات والتي تؤثر على مستوى جودة حياتهم وسبل معيشتهم , كما انها تساعد على تجنب اخطاء الماضي على سبيل المثال والاستشراف الافضل للمستقبل القادم . حيث ان الفشل في تناول الاحتياجات والاولويات المراعية للجنسين والاعمار المختلفة في التخطيط والتصميم الحضري يقلل من توفر الفرص للنماذج الاقتصادية التعاونية والمبتكرة وايضا العقود الاجتماعية التي تعزز التضامن والتماسك الاجتماعي .
وفي ظل ذلك تكمن الفرصة الهامة في تغيير النموذج , من النهج المركزي للانتاج حيث يكون المواطنون مجرد مستخدمين للخدمة المتوفرة الى نماذج تشاركية وتعاونية للانتاج والتي تمكن الاشخاص والمجتمعات من ان يصبحوا مشاركين وفاعلين حقيقيين في مجالات مختلفة .
ان حملة تمكين المدن الذكية من القدرة على الصمود ومساعدتها على التطور نالت استحسانا كبيرا , ولطالما تناولت المسائل المتعلقة بالحوكمة المحلية والمخاطر الحضرية على نحو متصل , حيث يعتبر هذا الدليل من ضمن المخرجات الرئيسية لهذه الحقيقة ,حيث خضع للتصميم ويخضع دائما للتعديلات بشكل اساسي لاجل قيادات الحكومات المحلية وصانعي السياسات والمتمثلين من كل رؤساء البلديات والمحافظين والمسؤولين النافذين على المدن والاقاليم والمقاطعات , بحيث تسعى لدعم السياسة العامة وصناعة القرار بغية السماح بتنفيذ الانشطة الرامية للوصول الى الهدف الاساسي وهو التمكين والقدرة على الصمود .
يتم تعريف المدن الذكية بانها مدينة تعمل باسلوب طموح ونوعي يغطي مجالات الاقتصاد والسكان والحوكمة وفاعلية التحرك والبيئة والمعيشة ويعتمد ذلك الابتكار على خليط ذكي من الدعم والمشاركة الفاعلة من المواطنين المستقلين الواعين والقادرين على اتخاذ القرارات .
حيث ان المدن التي نحتاجها تتصف بالادماج الاجتماعي الصادق والمشاركة الصحيحة وهي تتمحور حول الاشخاص وتتصف بالاخلاق والعدالة , كما انها تقضي على كافة الاشكال المادية والمكانية للفصل والتمييز وحتى الاقصاء , انها مدينة تقدر حياة السكان وامكاناتهم لا سيما الفقراء وغيرهم من المجموعات المحرومة , كما انها تعتنق التنوع الثقافي وتضمن الاختلافات العقائدية واللغوية وتشجع على الادماج الاجتماعي والانساني للسكان الاصليين والوافدين, وعلاوة على ذلك تشجع كافة الشرائح والمجموعات والفئات العمرية من السكان على المشاركة في الحياة الثقافية والتشاركية واحترام القيم .
تتسم المدن التي نحتاجها بالتسامح وتحتضن كافة الرعاية والسكان بغض النظر عن الفروقات في العمر والعرق والعقيدة او النوع , كما تقوم بتوفير مجالات تعاونية تتصف بالادماج الاجتماعي وتوجيهها العملية الديمقراطية لصناعة القرار , وتعزز القيم والرؤية المشتركة لاجل مجتمع حضري متوازن .
ان المدينة التي نحتاجها تتسم بالتكلفة الميسورة وسهولة الوصول اليها ومراعاة الانصاف والعدالة , حيث توزع الموارد بشكل متساو وتتوفر الفرص للجميع بشكل متوازن , اذ تخضع كل من الموارد والاراضي والبنية التحتية ومرافق الاسكان ووسائل النقل والخدمات الاساسية للتخطيط والتشغيل مع مراعاة خاصة للتحسين من فرص الوصول اليها لكل الشرائح في المجتمع مع تصميم الخدمات العامة بمشاركة من المجتمعات المحلية وتشتمل عن وعي على احتياجات وكرامة وسلامة المجتمع من المرأة وكبار السن والاطفال والرجال وذوي الاحتياجات والحالات الخاصة والاطراف المهمشة , بحيث تدرك المدينة والتي نحتاجها ان السكان يشتركوا في ملكية الاماكن العامة والتي تم تصميمها بمشاركتهم مع الوعي بادراج كل الاحتياجات العامة والمجتمعية.
ان المدينة التي نحتاجها تصف بالفاعلية الاقتصادية والشمولية اذ تعزز التنمية الاقتصادية المحلية بدءا من اصغر الرواد للمشاريع وصولا الى اكبر الشركات , فتقوم بالتالي بعملية تبسيط للخدمات الخاصة بالتراخيص وغيرها من الخدمات الادارية الاخرى , كذلك تحقق تكافؤ الفرص خصوصا للمشاريع المتوسطة والصغيرة والبالغة في الصغر وتدعم التنمية الاقتصادية المحلية من خلال مهام التعاقد والشراء الخاصة بها .
كما تدرك المدينة التي نحتاجها ان الصحة شرطا اساسيا للانتجاية , وتيسر الرخاء الشامل وتدعم الحق في العمل اللائق . ان المدينة التي نحتاجها تتميز بالادارة الجماعية والحكم الديمقراطي , حيث يقوم على النهج التشاركي , فانها تعزز الشراكات الفعالة والمشاركة النشطة لكل اعضاء وشركاء المجتمع في القطاعين العام والخاص , والمجتمع المدني ,كما انها تدافع عن الديمقراطية المحلية من خلال التشجيع على المشاركة والمساءلة والشفافية,بحيث تغرس المدينة التي نحتاجها الاحساس بالمجتمع المحلي ويتمتع سكانها بالمعرفة ووسائل التعبير عن آرائهم بشأن القضايا , فتجعل المدينة التي نحتاجها الخدمة مسألة اختيار , وتقوم باشراك المهنيين المناسبين وتطبيق الممارسات الاخلاقية الملائمة من اجل تنفيذ سياساتها وخططها , فلا يمكن لاي مدينة ذكية العمل الا باعداد اطار تشريعي مناسب ويتطلب ذلك الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ويجب توفر تشريعات معينة ولا تختلف هذه التشريعات عن التشريعات السبرانية , كما هو معروف بمبادرات الحكومة الالكترونية .
حيث ان بنيتها المنطقية والمنظمة والنهائية تصبح مهمة جدا لعمليات التطبيقات الذكية وحماية المواطن ومشاركته , حيث ان قوانين الحكومة او السياسات الضرورية والهامة لعمليات المدينة الذكية هي مشمولة كذلك بما يلي :
1-حماية الخصوصية والمحافظة على المعلومات الشخصية
2-التعرف على التوقيع الرقمي واستخدامه
3-الاعمال الالكترونية
4-ايداع الملفات الالكترونية في قطاع العام
5-مراقبة ومنع الجرائم السبرانية
6-ادارة معلومات المواطن في القطاع العام
7- ادارة الشراكة بين القطاع العام والخاص لمشاريع الخدمات الالكترونية
8-ادارة المعرفة
ان احدى المميزات الرئيسية لمنظومة معينة هي الطبيعة الدورية لحياتها فمن الضروري ان تدل المكونات والعناصر التي تميز العملية التشغيلية , والحياة داخل المدينة وتحديد درجتها من مدى استدامة الاحياء ومهامهم فيها ومدى فاعلية التطبيق بالاعتماد على الذات من حيث الاكتفاء وليس على الدعم الخارجي .
فقد تشرع التحديات والمخاطر المتعلقة بالايكولوجيا الحضرية والقدرة على الصمود الى ان تتخطى في نطاقها الحدود الوطنية والاقليمية والمناطق الحضرية الكبرى , لان الوحدات البيئية ذات النطاق الواسع لا تتلاءم مع الوحدات الادارية للحوكمة , وهذا الامر يتطلب تدخلات منسقة على مستويات الحكم المتعددة , ومن عمق الوحدات الادارية المتاخمة , وشتى الجهات الفاعلة , بما فيها الجهات الفاعلة الغير الحكومية , من قبيل قطاع الاعمال والافراد ولكن يوجد عدد من المسائل , والتي تمنع هذا التنسيق فغالبا ما لا تتوفر الاطر والآليات الادارية الملائمة للتعاون مما يصعب تحقيق تدخل متماسك على صعيد السياسات , ويبقى احتمالا لنشوب نزاع او وجود ثغرات في مجالات التغطية والمسؤولية .
وغالبا ما تفتقر السلطات المحلية والمجتمعات المحلية الى سلطة اتخاذ القرارات والى الموارد اللازمة , للتصدي للتحديات التي تنفرد بها ويمكن ان تكون معتمدة على توجيه حكومي او وطني ,والفروق كبيرة بين المدن المتباينة الحجم والعمر ومستوى الدخل تجعل من الصعب صوغ سياسات وطنية .
وفي المدن السريعة النمو لا توجد دائما اطر وآليات للحوكمة مما يؤدي الى انخفاض القدرة على التخطيط الطويل الاجل والقدرة على تطوير بنية تحتية مادية وخضراء ومناسبة . ما يثير القلق بشكل خاص محدودية مساهمات النساء والفقراء والشباب والمسنين وذوي الاختلاف والتشوه الجسدي او العقلي , والمهاجرين واقليات الشعوب الاصلية وغيرهم ,وهي الفئات التي تكون عادة اكثر عرضة للضغوطات والصدمات البيئية . لكن غالبا ما تمتلك ايضا متطورات ثاقبة بشأن بناء القدرة على الصمود ويحتمل ايضا ان يؤدي استبعاد الجهات الفاعلة في القطاع الخاص من عملية وضع السياسات تحقق في التصدي للشواغل والمخاطر وترتيب اولوياتها بفعالية وقد تزيد فعليا من التفاوت والظلم البيئي وبدون آليات تتيح المشاركة الشاملة على نطاق واسع , لا سيما من قبل النساء والفئات المهمشة الاخرى , حيث سيجاهدوا واضعوا السياسات من اجل كسب التأييد ويخاطرون بالاخفاق بالتنفيذ .
ان المدينة اتي تحتاجها تعزز من التنمية الاقليمية المترابطة بحيث تنسق السياسات والاجراءات المتعلقة بالقضايا المختلفة مثل الاقتصاد والنقل والاسكان والتنوع البيولوجي والطاقة والمياه والنفايات وذلك ضمن اطار اقليمي مترابط , كما تعرف بشكل واضح الادوار والمسؤوليات فيما بين كافة الاطراف المعنية مع احترام مبدأ التبعية وذلك مع تخصيص الموارد على نحو استراتيجي وانصافي , وتركيزه حول جدول اعمال مشترك .
حيث ينبغي علىى الاجندة الحضرية الجديدة ان تشجع على قيام التنمية الاقليمية المترابطة لتجنب الزحف العمراني وللحفاظ على الموارد الطبيعية كما يتعين عليها التوجيه بالحد من الحاجة الى نقل السلع والاشخاص وذلك من خلال توفير التجمعات الملائمة للسكان والصناعات والخدمات والمؤسسات التعليمية .
بالاضافة يجب ان توصي بقيام تعاون فيما بين السلطات المحلية لتحقيق الحد المناسب من الاقتصادات التكتلية والاستخدام الامثل للموارد ومنع المناقشة الغير الصحية ما بين السلطات المحلية وغيرها من الوكالات العامة الاخرى , حيث تمثل المدينة التي نحتاجها حافزا للتخطيط من اجل الاستدامة في شتى نطاقات الاختصاص بالمنطقة التي تتواجد بها ايضا , وتسعي بفاعلية لتنسيق السياسات وتنفيذها والقيام بالاستثمارات واتخاذ الاجراءات التي تحافظ على الاستقلال المحلي بينما تقوم ببناء وتعزيز التعاون الاقليمي , وتسعى ايضا بفاعلية من اجل تحقيق التنسيق والتعاون ما بين القطاعات وتعزيز الروابط ذات الفائدة المتبادلة والسليمة بيئيا ما بين المناطق الريفية والحضرية .
ان المدينة التي نحتاجها تكون متجددة وقادرة على الصمود والاستمرار في تقييم المخاطر وبناء قدرات الاطراف المعنية المحلية والافراد والمجتمعات من اجل الاعداد لاستيعاب الصدمات الحادة والضغوطات المزمنة الطبيعية والبشرية والتعافي والتعلم منها . بحيث تقوم هذه المدينة بالعمل لتجنب او الحيلولة دون وقوع هذه الاحداث كلما كان ممكنا وحماية المجموعات السكانية الضعيفة قبل هذه الاحداث واثنائها وبعدها تدرك المدينة التي نحتاجها انها تتمتع بنفس القدر من الصمود مثل معظم سكانها من المجموعات الضعيفة والمهمشة , وتكافح لضمان البقاء الطويل المدى لهؤلاء السكان واستدامتهم ومستوى جودة حياتهم .
بالاضافة الى ذلك تدعم هذه المدن الاصلاح في النظام البيئي وانظمة الغذاء الاقليمية وعلى مستوى المدينة والتي تشتمل على الانتاج الغذائي الصحي والعضوي الحضري وشبه الحضري , والزراعة بالمجتمع المحلي كما تتمتع ببنية تحتية متعددة المهام وقابلة للتكيف والتي تعزز من التنوع البيولوجي .
ان المدينة التي نحتاجها تتمتع بهويات مشتركة والاحساس بالمكان وتولد بالتالي حس بالانتماء لدى الجميع , هوية متعددة الجوانب تتكون من احياء واشخاص متنوعة تسعى عن وعي للبحث عن طرق ملائمة لتقاسم الاحساس المشترك بالمكان , كما انها ترى الثقافة باعتبارها السبيل للوصول الى الكرامة الانسانية , وتنوع القيم والعادات والتقاليد باعتبارهم مصدر للابداع والنمو والتعلم في اقتصاد المعرفة .
حيث يرتبط الانسان بالاماكن من خلال حواسه ومدركاته , لهذا ينبغي على المدن ان تدرك اهمية المحفزات الحسية والجمال من اجل الاحساس بالمكان وتحقيق الرفاه , حيث تقوم المدينة التي نحتاجها بتصميم الاماكن الطبيعية والعامة والحضرية حيث تعزز بفاعلية من التجارب الجمالية فانها تمكن الاشخاص لا سيما بالمجتمعات الافقر من تدعيم ملكية الاماكن الحضرية واستخدامها من اجل المساهمة بتجربة مشتركة وتعزيز الاحساس بالانجاز والانتماء وتستخدم المدينة الفن بكافة اشكاله كوسيلة ابداعية وابتكارية.
ان المدينة التي نحتاجها جيدة في التخطيط والنقل ومن الممكن السير فيها ومراعية بالدرجة لكافة وسائل الانتقال , ملبية للاحتياجات الحالية والمستقبلية من خلال تكاملية التخطيط بالمشاركة عبر اشراك كافة الاطراف المعنية وتمكينهم وذلك عند القيام بتطوير خططها ووضع قوانين البناء الخاصة بها , ويتميز ما ينتج عن ذلك من استخدام للاراضي بالتكامل ما بين الشكل والغرض من المراعاة لعامل الترابط ,والجدير ذكره هنا الشبكات المتعددة الاشكال للتبادل الاقتصادي والاجتماعي تمثل اطارا للاماكن العامة المترابطة.
فالمدن والتي بحاجة اليها تتسم بالامان والصحة وتعزز الرفاه , بخلوها من الصراع والعنف والجريمة , كما تكون مرحبة في الليل والنهار وتدعو كافة الاشخاص لاستخدام شوارعها ومتنزهاتها والانتقال فيها من دون خوف ولا خطر , تضمن سلامة النساء والفتيات وكبار السن في كل الاماكن العامة واماكن العمل وتقوم بذلك من خلال اشراك كل من الرجال والنساء , الفتيات والفتيان في التخطيط والتصميم ووضع الميزانية من اجل التدخلات الامنية , بحيث تعزز المدينة من ثقافة السلام وتقوم بذلك عبر العمل مع كافة الاطراف المعنية في تنظيم الحوارات وفعاليات تضم الاجيال والثقافات المختلفة وذلك بغرض دعم التفاهم والتسامح والتواصل .
ان المدن التي نحتاجها تحتضن الثقافة والعمل , التعلم الاختراع وروحية الابتكار , فهي بمثابة معمل ومختبر يقوم بتجربة السيناريوهات البديلة والاستشرافية من اجل مستقبل افضل , وبذلك فانها تخلق فرصا تعاونية للتعلم والاستشراف والاستكشاف من اجل مراجعة واعادة تعريف النماذج الحضرية والعقود الاجتماعية من اجل مستقبليات مستدامة .
حيث تدرك المدينة التي نحتاجها ان المدن تتغير مما يستدعي الاستمرار في التعلم والتأمل والتفكر وتبني المزيد من المرونة في التخطيط وصناعة القرار , يتضمن ذلك مناهج جديدة ومبتكرة للحوكمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية كما تدعو الى مناهج جديدة ومبتكرة للادارة المحلية السياسية والمالية والقانونية . ان التشريعات الذكية الحالية هي مجموعة من المبادئ والادوات الاكثر تقدما لمساعدة صانع القرار على الـتأكد من استخدام التشريعات بأكبر قدر ممكن من الفعالية والشفافية في اتباع اهداف السياسات الموضوعة .
ففي كيفية الانتقال من ذهنية التشريعات الكلاسيكية الى التشريعات الذكية , حيث ان التشريع هو مبدا او قاعدة او شرط يحكم المجتمع الانساني وسلوك المواطنين فالادارات والشركات , ويتم استخدامه من قبل السلطات العامة مع بعض ادوات اخرى مثل الخدمات الحكومية والضرائب وبعض البرامج المعينة بالذات , كخطط التحفيز لتحقيق اهداف السياسات العامة للدولة من اجل النهوض بصحة وسلامة ورفاهية المواطنين من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وحماية البيئة الطبيعية . حيث يمكن استخدام التشريع لضمان الكفاءة والعدالة في السوق بالنسبة للصناعة والمستهلكين وخلق مناخ ملائم للتجارة والاستثمار .
تخلق السياسات التشريعية الظروف المؤاتية لصنع السياسات وصياغة القوانين لانها تتطلب بيان الرغبة في تطبيق سياسات معينة والموارد المطلوبة والترتيبات الادارية وتنفيذ وتصميم العمليات ذات الصلة , بالاضافة الى اجراءات النشر , ويتم الحكم على تلك السياسات بناء على اهميتها وكفاءتها وفعاليتها وهذا ما يطلق عليه ” الجودة والأداء ” .
حيث ان التشريعات الذكية هي من بين التسميات الجديدة لسياسات تشريعية محددة تسعى الى تحقيق الجودة والكفاءة في التشريع بدءا من التصميم حتى التنفيذ والامتثال بما يتفق مع السياسات العامة الاخرى , ويعتبر السعي الى تشريعات اكثر كفاءة جزءا من حركة اوسع للوصول الى حكومة تعمل باكثر كفاءة , ويرجع اصل الحركتين الى العزم والنية على تحسين جودة الخدمات الحكومية والحاجة للحد من بصمة الحكومة بتواجدها .
فقد سعت السياسات الاولى في كثير من الاحيان للحد من عدد النصوص اي تشريعات اقل عددا , مع وضع اهداف كمية تهدف الى تحرير الاقتصاد مثل ( الولايات المتحدة الاميركية , استراليا , ونيوزلندا ) , حيث لا يزال جزء من هذا النهج مستمر في بعض البلدان مثل بريطانيا وغيرها ( اي سياسة الحد من التشريعات ).
لكن يبدو لنا ان هذا الاسلوب لا يعترف كثيرا بفوائد التشريع , لذا تم وضع اسلوب اكثر توازن , وذلك باستخدام الاصلاحات التشريعية منذ اواخر التسعينات من القرن الماضي للتأكيد على جودة واداء القواعد بدلا من تخفيض عددها , فيمكن التظر الى مفهوم التشريعات الذكية على انها تطور لمفهوم التشريعات والذي انتشر في السنوات القليلة الماضية في كندا مثلا والاتحاد الاوروبي .
حيث كانت كندا مثلا في العامين 2003-2004 تسعى الى اعداد تشريعات اكثر فاعلية واستجابة لمطالب الاطراف المعينة , من حيث كفاءة التكاليف والوضوح والمساءلة والشفافية . ففي الاتحاد الاوروبي وسعيا للبناء على سياسات التشريعات الافضل والتي اصبحت سارية منذ العام 2001 , وبعد ان لاقت نقدا بانها موجهة بالاكثر نحو تخفيض العبء الاداري للاجراءات الحكومية , حيث اقترحت مفوضية باروسو في دورتها الثانية سياسات معدلة تم تطبيقها ايضا في 27 دولة الاعضاء في الاتحاد الاوروبي تتسم بالأتي :
-اسلوب ” دورة حياة التشريع ” والتي تبدأ من التصميم وصولا الى التقييم بعد التطبيق .
-السعي بالتوازي لتحقيق الاهداف الاقتصادية ( التنافسية والنمو ) والحفاظ على النموذج الاجتماعي .
حيث ان السؤال والذي يطرح نفسه هنا : ما الذي يجعل من اي تشريع , تشريعا ذكيا ؟ بالطبع امران اثنان , الاول بالتأكيد على فاعلية النتائج والثاني بالمشاركة الحقيقية للافراد المعينين بالاحترام والاكتراث .
لقد ظهرت الحاجة الى جودة التشريعات والفائدة من التشريعات الذكية بعد الاعتراف الجماعي بأن التشريعات المعدة جيدا تستطيع ان :
-زيادة التنافسية
– تحسن مستوى المعيشة
-تحسين الشفافية
-تسهيل انفتاح السوق
– حماية البيئة
– دعم سيادة القانون
اي عند وجود دعم كامل للاصلاح التشريعي , فان اول خطوة هي تحديد سياسة تلائم ظروف البلاد ويمكن البدء بالمناقشة حول المبادئ التي تعرف الاهداف الاستراتيجية القومية مع احترام تقاليد التشريعات المحلية فبالرغم من تنوع محتويات سياسات التشريعات الذكية هناك اتفاق على ادوات التشريعات الذكية :
-تقييم الامر التشريعي
– قياس وتخفيض الاعباء الادارية
– تبسيط التشريعات واللوائح الحالية بما في ذلك الدمج والتوكيد
-التشاور مع الاطراف المعنية – تقييم التشريعات بعد تطبيقها – اتاحة التشريعات
حيث ان كل السياسات الحكومية تواجه بعض المقاومة ولكن سياسة التشريعات الذكية تستهدف بالاخص العادات والخبرات المتأصلة داخل الاجهزة الادارية للدولة , فهي تسأل عن الطريقة التي تعمل بها الحكومات واعتمادها المفرط على التشريع كأداة لتنفيذ السياسات والانتاج الزائد من القواعد الجديدة بينما القواعد الحالية لا يتم تطبيقها بشكل جيد .
ولكن التحدي الاسوأ في كثير من الاحيان هو الربط الخاطئ بين التشريعات الذكية باجندات محدودة حيث ان القواعد كثيرا ما تبدو انها تخدم حماية القيم والمصالح , لذا فان اختفاؤها يلقى معارضة في كثير من الاحيان , فيما ينظر الى طلب التنافسية على انه يهدف لخدمة مصالح خاصة فقط , وينبغي ان تؤكد الجهود الاعلامية لسياسة التشريعات الذكية على ان دوافع التشريع الذكي فنية وليست ايديولوجية , فهو يسعى فقط الى تحقيق الكفاءة في تطبيق السياسات العامة للدولة , وان المزيد من التشاور مع الاطراف المعنية والجمهور العام يزيد من شفافية القرارات العامة ومساءلة المسؤولين ستتمكن المدن من خلال تفعيل تقنيات التحليلات والبيانات الكبيرة ضمان حصولها على رؤى قيمة وتقديم حلول لمشاكل المواطنين وقياس الاداء وسيكون بوسع المدن تفعيل الحلول القادرة على تقديم التحليل المباشر من مختلف مصادر المعلومات وبالاضافة الى فهم المعلومات والبيانات , ستتمكن المدن او الحكومات من خلال استخدام حلول تحليلية توقعية من توقع النتائج استنادا الى معايير التحليلات المحددة ويمكن تطوير ذلك عبر استخدام التحليل الوصفي , بمعني انها ستحصل على رؤى بشأن الاجراءات التي يتعين عليها اتخاذها او تحسينها فيما يتعلق بناتج بعينه .
حيث ستتمكن المدن من خلال استخدامها تحليلات البيانات من تزويد المستخدمين والشركات بخدمات موجهة ومخصصة , فعلى سبيل المثال ستتمكن بعض شركات النقل من الحصول على رؤية بشأن افضل المسارات والتي يمكن اتباعها اذا كان هناك اختناق مروري , او قد يجري توجيه المستخدم الى مستشفى قادر على تقديم الخدمة له بشكل فوري بناء على الآراء والملاحظات المستخلصة من اجهزة الاستشعار وانظمة شغل المستشفيات .
تقدم هذه الدراسة توجيها للمستفيدين ضمن منظومة المدن الذكية بشأن الجوانب أالاساسية التي هم بحاجة لها لتصبح المدينة ( الذكية , مثالية و مرنة ومتكاملة )، وقادرة على تقديم تجربة متفوقة للمواطنين.
ينبغــي أن تحتــل اســتدامة البيئــة الحضــرية والقــدر ة علــى الصــمود مكانــة بــارزة في الخطة الحضرية الجديدة و يمكـن أن تمثـل المـدن، عنـدما تـبنى وتـدار علـى نحـو جيـد، عـاملا دافعـا للاسـتدامة البيئيـة حيث تحظــى الحوكمــة الفعالــة والشــاملة للمــوارد والــنظم الإيكولوجيــة بأهميــة حيويــة للقدرة على الصمود بتشابك الصحة البشرية مع النظم الطبيعية
يجــب أن يجــري تكــريس الاســتثمارات في البيئــات المبنيــة مــع الأخــذ في الحســبان الاسـتدامة البيئيـة والقـدرة علـى الصـمود, تمثل البنية التحتية القائمة على الطبيعة السـبيل إلى الحـد مـن أوجـه الضـعف وزيـادة قدرة المدن على التكيف
يعتــبر الاســتخدام الفعــال للــنظم والتصــميمات المرنــة مــن العمليــات الهامــة لبنــاء القدرة على الصمود من خلال بناء استراتيجية البيانات: فالقدرة على تلبية متطلبات المواطنين المعتمدة بشكل كبير على مدى القدرة على توفير استجابات أو نتائج هادفة من المدخلات المقدمة من المواطنين، وتحديد البيانات المطلوبة وتحليلها وحمايتها وتخزينها، وعدم تجاهل البيانات من المبادرات القديمة أو الحالية والتي تدعم توفير المتطلبات. ومن الضروري أن تعمل المدن على ضمان جودة البيانات وشفافيتها ليس فقط لمواطنيها، ولكن أيضاً أولئك الذين يرغبون في استخدام البيانات لخدمات وافكار جديدة.
يتعين على المدن مراعاة تجنب إنشاء وحدات منفصلة من التقنية، والتوجه نحو التقارب في كل من التقنيات والبيانات. ومن خلال تبني التقارب، يمكن للمدن استخدام نموذج منصة يوفر لمختلف الادارات والهيئات الوصول لكل من البيانات والتقنيات
حيث ان اعتبار الحكومات من عوامل تمكين للابتكار توفر للمدينة الذكية الناجحة منظومة تشجع الابتكار ولا تعد الحكومات جهات مالكة فقط في المدن الذكية، بل هي تقوم كذلك بدور حاسم في عملية التمكين. و لتحقيق ذلك الهدف سيكون على الحكومات بناء منظومة “مفتوحة” من خلال تقديم بيانات منصات مفتوحة المصدر وسهلة الاستخدام وتشجع التنمية.
ان توظيف استراتيجيات مرنة وشاملة تحتاج المدن إلى صياغة استراتيجية شاملة تشمل كافة المستفيدين لتحقيق نتائج متفوقة. بالاضافة إلى ذلك، يجب أن تتفادى المدن وضع استراتيجيات جامدة، حيث إنها بحاجة إلى استراتيجيات مرنة تمكنها من الاستجابة للتغيرات على نحو فعال وينبغي ان تشمل السياسات والاطر المعدة كافة الجهات والادارات المستفيدة .
ان تبني المدن لسياسة الابتكار التعاوني تخولها لإقامة ونسج علاقات وشراكات مع الجهات المستفيدة والمتقاطعة بنفس المصلحة للوصول معاً إلى حلول مبتكرة حيث ستُسهم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تزويد المدن بمرونة إضافية، وتحسين الاستراتيجيات من اجل الاستمرارية.

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

د. محي الدين الشحيمي، استاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا

الدكتور محي الدين محمود الشحيمي، دكتوراه في القانون جامعة باريس اساس في فرنسا. عضو لجنة التحكيم في مدرسة البوليتكنيك في باريس. محاضر في كلية باريس للاعمال والدراسات العليا واستاذ زائر في جامعات ( باريس 2 _ اسطنبول _ فيينا ). خبير دستوري في المنظمة العربية للقانون الدستوري مستشار قانوني واستراتيجي للعديد من الشركات الاستشارية الكبرى والمؤسسات الحكومية الفرنسية كاتب معتمد في مجلة اسواق العرب ومجلة البيان والاقتصاد والاعمال ومجلة الامن وموقع الكلمة اونلاين . رئيس الهيئة التحكيمية للدراسات في منصة الملف الاستراتيجي وخبير معتمد في القانون لدى فرانس 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى