إقتصادالشرق الاوسط

الولايات المتحدة والصين: ايهما اقدر على الصمود؟


اهمية هذه المقالة انها من موقع مؤسسه جورج فريدمان وهو ايضاً مؤسس ستراتفور المعروفة بقربها من الدوائر الاستخبارية الاميركية. فريدمان استقال من ستراتفور عام ٢٠١٥ – رئيس التحرير

هل يمكن أن تصمد الصين في مواجهة الولايات المتحدة في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها؟
هل يمكن أن تنجح الصين في الصمود في ظل المناخ الضبابي المسيطر على العلاقات الاقتصادية مع الجانب الأمريكي؟
يبدو أن الحرب الاقتصادية المستعرة بين كل من الصين والولايات المتحدة باتت على وشك طرح التساؤل الأكثر جدلا خلال الفترة الأخيرة، فأيهما الأكثر قدرة على الصمود إذن، الاقتصاد الصيني الذي تلقى الضربات الأمريكية في مقتل! أم الاقتصاد الأمريكي الذي أثيرت حوله المخاوف من خطر ارتداد القرارات الأمريكية نفسها بصورة عكسية عليه، فهل يمكن أن تنجو الصين!، وإلى أي مدى سوف تتضرر أمريكا!
وفي ظل تزايد الضغوط الأمريكية على الجانب الصيني، فإن بكين تتوقع أن تستمر حقبة الصراع بين الجانبين لأجل غير مسمى، وبخاصة في ظل التعقيدات الأمريكية والمواقف الدولية المتشددة تجاه الصين، الأمر الذي دفع وسائل الإعلام الرسمية في الصين إلى الاستشهاد بزمن الحرب الكورية في إشارة منها إلى المساعي والجهود الصينية المبذولة في سبيل الخروج من النفق المظلم للحرب الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه فقد قدمت إدارة ترامب تبريرا للقرارات الخاصة بزيادة التعريفة الجمركية على المنتجات الصينية باعتبارها نوع من ممارسة الضغوط على الصين من أجل تقديم بعض التنازلات، وقد تجلى التصعيد الأمريكي الأكبر ضد الصين في القرارات الاقتصادية الأخيرة ضد شركة هاواوي والتي تحظر بيع المنتجات التقنية الأمريكية لعملاق صناعة الهواتف الصينية.
ويجب الاعتراف بأن إشعال فتيل الحرب الباردة بين الصين وأمريكا هي مسئولية الجانبين، ولازالت الآمال معلقة على التوصل إلى معاهدة دولية تقضي بإلغاء التعريفات الجمركية، الأمر الذي يتوقع الخبراء ألا يتم في ضوء العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية المتوترة بين البلدين، إلا مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية الجديدة.
هل ستتراجع الولايات المتحدة عن القرارات الاقتصادية المتعسفة إزاء الصين؟
على الرغم من صعوبة استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين، إلا أن هناك بعض التكهنات التي ترجح ميل الولايات المتحدة إلى التوصل إلى تسوية مع الصين من أجل تخفيف حدة التوتر الثنائي بين الاقتصادين الأكبر حول العالم، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن بكين قد تحاول التكيف مع التعريفات الجمركية وقرار حظر بيع التقنيات الأمريكية، إلا أنها لن ترضخ أبدا للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة عليها.
مما ينذر باحتمال تراجع الولايات المتحدة عن قرار زيادة التعريفة الجمركية على المنتجات الصينية قبل مطلع عام 2020 حيث أن المشهد السياسي والوضع الاقتصادي المزامن للحملة الانتخابية في أمريكا سيتطلب تكريس جانبا كبيرا من النفقات لخدمة الحدث الانتخابي، وبالتالي فإن العقوبات الأمريكية ضد الصين والتي تعد بمثابة ضربة عنيفة للاقتصاد الأمريكي أيضا ستكون على الأرجح في طريقها إلى الزوال، وسيكون على الولايات المتحدة حينئذ السعي نحو تبني استراتيجية دفاعية جديدة لا تستند إلى مبدأ الرسوم الجمركية، وتمكن واشنطن في الوقت نفسه من اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الاحترازية ضد التقدم التكنولوجي الهائل الذي تحققه الصين في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي تعتبره واشنطن تهديدا مباشرا للأمن المعلوماتي الأمريكي، وذلك بالنظر إلى أن اتهام الصين باستخدام تقنياتها الحديثة في التجسس على الدول الأجنبية والأهداف العسكرية، يعد من أهم أسباب نشوء الصراع بين البلدين.
ويعتقد الخبراء بأن هناك بعض الإجراءات التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة للحد من هيمنة الشركات الصينية مثل هاواوي، فمثلا يمكن للحكومة الأمريكية أن تعمل على تقويض حجم الاستثمارات الصينية في واشنطن، كما يمكنها حظر استخدام الهواتف الصينية على نطاق شبكات الاتصالات الأمريكية، بل ويمكن أيضا فرض المزيد من القيود على توظيف الباحثين من الصين وإجراء الأبحاث الصينية داخل الجامعات الأمريكية.
وفي ظل الاعتماد الكلي للصناعات التقنية الصينية على شراء الرقائق الالكترونية والبرمجيات الأمريكية، سوف تتمكن واشنطن في تلك الحالة من تعطيل مصالح الشركة الصينية وتقويض حركتها من خلال بعض القيود الإجرائية المفروضة على الصادرات الأمريكية.
وقد تسعى الولايات المتحدة أيضا إلى حث حلفائها على تجميد علاقاتهم مع شركات تكنولوجيا الاتصالات الصينية، في محاولة منها للحد من هيمنة العملاق الصيني، إلا أن هذه الخطوة قد تنطوي على العديد من المخاطر الاقتصادية.
فمن الطبيعي أن تهتز صناعة التقنية الأمريكية في حال ما إذا تم فرض القيود على تصريف المنتجات في الأسواق الصينية، كما أن المخاوف الأمريكية ستتنامى أكثر وأكثر في تلك الحالة بسبب مساعي شركات الاتصالات الصينية إلى تطوير برمجيات خاصة بها، الأمر الذي يطرح المزيد من الشكوك حول إمكانية استخدام المنتجات التقنية الصينية الحديثة في مجال التجسس والاستخبارات.
توقعات بارتفاع معدلات البطالة في حال تعنت الإدارة الأمريكية تجاه المنتجات الصينية
برغم كافة التكهنات التي تؤشر على تراجع الإدارة الأمريكية عن قرار التعريفة الجمركية، إلا أن المخاطر والتهديدات تزداد يوما بعد يوم، فاستمرار تمسك واشنطن بالنسبة الجديدة للتعريفة المفروضة على المنتجات الصينية والتي تبلغ 25% من إجمالي حجم الوارادات المقدرة بـ 250 مليون دولار قد ينذر بانخفاض ملحوظ في الناتج المحلي ومن ثم انتشار البطالة، الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة على البينة العامة للاقتصاد الأمريكي.
ولن يكون الأمر قاصرا على الشركات الأمريكية وحدها، حيث أن انتشار البطالة سينجم أيضا عن تراجع حجم الاستثمارات وعمليات التصنيع الصينية داخل الولايات المتحدة الأمريكية والتي ساعدت بدورها على خلق المزيد من فرص العمل للشباب الأمريكي على مدار الأعوام السابقة.
ومن الأمور التي قد تكون غائبة عن العقيدة الأمريكية حاليا، الصدى المباشر للحرب الباردة على حياة المستهلك الأمريكي نفسه، أي أن الحرب لم تكون قاصرة على ساحة العراك الدولي بين واشنطن وبكين فحسب، بل إنه في حالة ممارسة الإدارة الأمريكية لمزيد من التصعيد، فسوف يؤدي ذلك إلى تضرر كافة قطاعات المجتمع الأمريكي وبخاصة المزارعين وأصحاب الحرف والعاملين في مجال البيع بالتجزئة، مما يجعلهم هدفا سهلا في مرمى وسائل الإعلام العالمية من أجل تسليط الضوء على الأخطاء الفادحة التي ترتكبها إدارة ترامب بحق الشعب الأمريكي، وسوف يسعى الديمقراطيون في أمريكا إلى استغلال تلك الفرصة السانحة من أجل إزاحة ترامب من المشهد خلال الانتخابات الأمريكية 2020
وعلى الرغم من التبريرات والمزاعم التي سوف يسعى الرئيس الأمريكي إلى اللجوء إليها أمام الشعب في تلك الحالة، مستندا إلى حقيقة التهديدات الصينية للكيان الأمريكي، إلا أن صوت المصلحة الخاصة للأفراد والشركات الأمريكية قد يعلو فوق نبرة الدفاع عن المصلحة العليا للبلاد والتي يتذرع بها السياسيون عادة من أجل تمرير بعض القرارات والقوانين التي قد لا يرضى عنها الشعب.
وعلى أية حال فإن استمرار فرض التعريفات الجمركية وتعمد عرقلة حركة التجارة بين البلدين سوف يظل رهنا بمدى قدرة الجانب الصيني على الصمود في وجه البطش الأمريكي، وبخاصة أن جميع السيناريوهات المطروحة لا تفصح عن رضوخ صيني مرتقب للمتطلبات الأمريكية، ولكن ما يتفق عليه خبراء الاقتصاد حول العالم حقيقة هو أن التعريفة الجمركية لن ترضي الغرور الأمريكي أبدا، والمتطلع إلى تقليص الدور الذي تمارسه الصين على الصعيد الدولي والحفاظ على السيادة الأمريكية حول العالم.
رابط المقال الأصلي كاملاً: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى