إقتصاداجتماع

“كايزن” فلسفة الكفاءة الإنسانية اليابانية التي غيّرت العالم

عن We Forum

في سنوات ما الحرب العالمية الثانية، قام مجموعة من المسئولين التنفيذيين بالولايات المتحدة بزيارة مصانع تويوتا في اليابان، من أجل التعرف على الآلية التي تتمكن من خلالها الشركة العملاقة من إنتاج عدد كبير جدا من السيارات في وقت قصير، وكانت المفاجأة حينما اكتشف الزوار أن هناك فسلفة انسانية معينة هي التي تحفز العمال على الالترام بأعمالهم وتدفعهم نحو الأفضل دائما.
فبدلا من استخدام الأساليب العقابية لمحاسبة العمال على أخطائهم، كانت تويوتا تطلب من العمال التوقف عن الإنتاج مؤقتا ما بين الحين والآخر وتقديم بعض الاقتراحات لإدارة الشركة من أجل تحسين جودة الإنتاج، وكانت النتيجة هي انخفاض التكاليف التي تتكبدها الشركة نتيجة الأخطاء الفنية والاستفادة بصفة دورية من عملية التحديث المستمر.
وتلك هي الفلسفة أو المنهج الذي أطلق عليه اليابانيون اسم “كايزن” والذي نقله الأمريكيون وحرصوا على تطبيقه بدقة في شتى المجالات والصناعات بدءا من الرعاية الصحية ووصولا إلى الصناعات التقنية.
وتستند فلسفة كايزن إلى مبدأ الاستمرارية في إدخال بعض التحسينات إلى الصناعات بصورة تدريجية مما يؤدي إلى تطويرها على نحو جوهري ومساعدة العاملين على الوقوف على أهم الأخطاء التي قد تظهر أثناء مراحل الإنتاج مما يساعدهم على تلافي تكرار الأمر في المستقبل، وبالتالي فإن كلمة “كايزن” في عقيدة اليابانيين تشير إلى “التغير نحو الأفضل”.
ولا يقتصر منهج “كايزن” على العمليات الإنتاجية كسلاسل التوريد وخدمات الدعم اللوجيستي فحسب، بل يمكن القول بأن كايزن هي فلسفة إنسانية عامة يمكن تطبيقها في شتى مناحي الحياة، والتي تساعد الفرد على زيادة طاقته وإنتاجيته في العمل، ولا يعني ذلك ممارسة العمل لساعات أطول، ولكن الأمر يتلخص في كيفية إضافة بعض التعديلات إلى خطة العمل وتقبل التجارب الفاشلة بصدر رحب والاستفادة منها في المستقبل.
المبادئ الأساسية لمنهج “كايزن”
وبما أن كايزن هو اتجاه من أجل تحسين الحياة، فإن هناك بعض المبادئ الأساسية التي تستند إليها تلك الفلسفة الإنسانية الهامة.
– التخطيط لعملية إنتاجية ثابتة ومنظمة وتتكرر بشكل دوري.
– التركيز على استخدام البيانات من أجل قياس وتقييم التطور الذي يحدث خلال المراحل الإنتاجية.
– المفاضلة بين خصائص المنتج النهائي الذي بين يديك، وما قمت أنت بالتخطيط له من قبل.
– محاولة ابتكار طرق أفضل للوصول إلى النتيجة التي ترتضيها.
– محاولة التكيف مع كافة الظروف والاستجابة للمتغيرات، والعمل على تطوير الأداء بمرور الوقت.
وتتميز كايزن بكونها فلسفة مرنة يمكن تطويعها حسب الظروف والأفكار الخاصة بكل شخص أي أنها ليست نظاما ثابتا يتسم بالجمود.
كيف يمكنك الاستفادة من “كايزن” في حياتك الشخصية؟
قد يزعم البعض بأن الإنسان بطبيعته مقاوم للتطور، ولكن فريق آخر يرى أن الإنسان يسعى بصورة حدسية إلى تغيير حياته نحو الأفضل، أي أنه قد يتخذ بعض الخطوات الإيجابية في سبيل تحسين حياته، دون أن يعي حقيقة أنه يفعل ذلك أو دون أن يتعمد صراحة فعل ذلك، فالأمر تلقائي جدا ونابع من الذات الإنسانية.
وبالنسبة لـ كايزن، فهناك بعض الخطوات التي قد تساعدك على تطبيق ذلك النهج الهام في حياتك العملية، مما يجعلك تحصل على أفضل النتائج .
1- قم أولا بتحديد الأسباب التي تؤدي إلى إهدار وقتك وطاقتك
من المبادئ الأساسية لـ كايزن، كيفية إدارة الوقت وتجنب هدر الساعات على مدار اليوم، فإذا لاحظت أن وقتك عادة لا يكفي لأداء كل المهام المسندة إليك، فلابد إذا من وجود بعض الأمور الغير هامة التي قد تفسد يومك دون أن تشعر، وهنا لابد من التدخل فورا والبدء في إعداد قائمة تتضمن تلك المهام غير الأساسية التي تتسبب في إهدار وقتك، ومحاولة التخلص منها شيئا فشيئا.
ويمكنك اختبار ذلك بمرور الوقت، من خلال قياس الوقت الذي تمضيه في أداء كل مهمة على مدار اليوم، فإذا لاحظت أن هناك بعض المهام التي قد تستغرق وقت أطول من اللازم، فيمكنك محاولة إدارة الوقت بحيث تنجح في تخصيص وقت أقل لها في المرة القادمة وهكذا، وخلال ذلك الاختبار سوف تكتشف بعض المهام والأعمال التي يمكن الاستغناء عنها تماما، أو بعض الاجتماعات ومقابلات العمل التي قد لا تتطلب وجودك الفعلي، مما يساعدك على استثمار وقتك بطريقة فعالة.
2- اطرح على نفسك دوما هذا التساؤل الهام: كيف يمكنني تحسين مستوى أدائي وكفاءتي في العمل؟
احرص دوما على تذكر الحكمة القائلة بأن “الصبر هو مفتاح الفرج” بمعنى أن عليك الاجتهاد في العمل والسعي دوما نحو الأفضل ولكن على مهل، أي أن تعمد إلى إدخال بعض التحسينات إلى أسلوب عملك بصورة تدريجية ومن ثم تقييم واختبار النتائج، ولا تتعجل ولا تستبق الخطى، بل راقب ثمرة عملك ومجهودك بهدوء كي يمكنك الوقوف على مواطن الخلل المحتمل وبعض الأخطاء التي قد تظهر خلال خطوات ومراحل الإنتاج، ثم قم فورا بإصلاحها وإجراء التغييرات اللازمة حتى تصل إلى النتيجة المطلوبة.
وإذا لاحظت أن هناك بعض العادات السيئة التي قد تفسد يومك، فمثلا قد تضطر إلى أداء بعض المهام خلال أوقات الراحة، فعليك إذا بتعديل نمط حياتك وضبط الوقت، مما يسمح لك بتقسيم الوقت بين العمل والراحة بصورة ناجحة.
3- احرص دائما على التقييم المستمر
خلال خطوات العمل، يتضح لك بعض النقاط الإيجابية وغيرها من النقاط السلبية، لذا يجب أن تخصص بعض الوقت دائما لإجراء التقييم الدوري لمراحل وتفاصيل العمل، وهنا يمكنك الوقوف على مواطن القوة والعمل على استثمارها، ومعرفة نقاط الضعف والعمل على تقويتها، كما أنك بمرور الوقت سوف تتمكن من تحديد الأولويات والمفاضلة بينها وبين الأمور الثانوية، مما يجعلك تنجح في إدارة وقتك وتحسين أدائك.
وعليه فإنه يمكن النظر إلى كايزن باعتبارها فلسفة إنسانية عملية تساعد الإنسان على التغلب على مواطن الفشل التي قد تطرأ عليه خلال قيامه بوضع بعض الخطط والتصورات المستقبلية الطموحة، من خلال تحفيزك نحو التغيير للأفضل وابتكار الخطط البديلة دوما، من خلال خطوات تجريبية تدريجية تساعدك في النهاية على تحقيق ما ترمي إليه.
رابط المقال الأصلي:
اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى