فلسطين

قرونٌ بلا صفقة: اجبار الفلسطينيين على تجرٌع السمّ

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

صفقة القرن هل هي اتفاقية سلام أم شروط للاستسلام؟
الرئيس الأمريكي يجبر الفلسطينين على تجرع السم المعسول من خلال صفقة القرن
هل يخطط ترامب إلى إقامة دولة إسرائيلية جديدة وطمس كل معالم الدولة الفلسطينية!

ربما بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصية فريدة من نوعها خلال الفترة الأولى من عهده الرئاسي، وقد توقع العالم بأن تتمكن تلك الشخصية المميزة أن تضع حلولا منطقية للقضية الأكثر تعقيدا حول العالم، الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن ما لبث أن برهنت السنوات التالية على أن ترامب يتحيز بشدة لصالح إسرائيل ويتشدد تجاه كل ما هو فلسطيني. وبالتالي فلم يكن أمرا مفاجئا حينما تحدث الرئيس الأمريكي بالأمس عن خطة السلام الأمريكية المقترحة والمعروفة إعلاميا بـ “صفقة القرن” لإنهاء النزاع بين الفلسطينين والإسرائيليين، أن يذهب خطابه في اتجاه الإشارة إلى وضع شروط استسلام وتنازل للشعب الفلسطيني وليس الإعلان عن اتفاقية دولية بين طرفين متنازعين.
وتكشف رؤية ترامب للسلام المزمع عن احتفاظ إسرائيل بكامل سيادتها على المناطق الواقعة غرب نهر الأردن وعاصمة يهودية في القدس غير المقسمة إلى جانب الإبقاء على جميع المستوطنات المنتشرة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. وفي المقابل لا يحصل الفلسطينيون إلا على القليل من التركة الموزعة جزافيا بين الطرفين، كما أبدى ترامب في مقترحاته المدعومة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نكوثا واضحا بجميع الوعود المبرمة سابقا بشأن عودة اللاجئين الفلسطينين.
وتضمن خطة ترامب السيطرة التامة لإسرائيل على الحدود الشرقية مع الأدرن، وتفكيك الجماعات الفلسطينية المسلحة، هذا إلى جانب إنشاء عاصمة فلسطينية مقترحة في الضواحي الشرقية للقدس بدلا من القدس الشرقية كما كان متداولا في السابق في جميع وسائل الإعلام العالمية ومتفق عليه بين جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قبل.
وقد لاقت كلمات ترامب بالطبع ترحيبا من نتنياهو والذي أعلن صراحة بأن الرئيس ترامب هو أول رئيس أمريكي يعترف بسيادة إسرائيل على المناطق التاريخية المرتبطة بالإرث اليهودي القديم في كل من يهودا والسامرة. وبعد فترة وجيزة من تلك التصريحات ، جاءت التقارير بأن حكومة نتنياهو تخطط للتصويت على ضم نحو 30 في المئة من الضفة الغربية في مطلع هذا الأسبوع.
وبطبيعة الحال فإنه لم يتم إشراك الفلسطينيين في هذا الحوار، والذين امتنعوا عن الحضور في الأساس عندما أدركوا حقيقة النهج الأمريكي المتحيز لإسرائيل والخطاب أحادي الجانب. كان هناك عدد قليل من السفراء العرب الذين حضروا الاجتماع ، وقد غاب عن الحضور سفراء الدول التي كانت بمثابة محاور رئيسية في مباحثات السلام بما في ذلك الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية. في الواقع ، فإن معظم الدول العربية قد انسحبت بالفعل أو عارضت المبادرة التي يقودها ترامب.
وقد اعرب الفلسطينيون عن عظيم غضبهم إزاء خطة ترامب وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس “بعد هذا الهراء الذي سمعناه اليوم نقول ألف لا لصفقة القرن”. “لن نركع ولن نستسلم”. ولكن الأمر المؤسف هو أن كشف ترامب عن جميع أوراقه وخططه المتحيزة ضد الدولة الفلسطينية قد وضع عباس أمام طريق مسدود حيث كان من المفترض بالرئيس الفلسطيني استكمال دوره الأساسي في قيادة محادثات السلام من أجل التوصل إلى حل إقامة الدولتين والذي كان معترفا به منذ سنوات في أروقة السلطة الأمريكية وأمام العالم أجمع.
ويجادل ترامب ومؤيديه بأن المقترحات المطروحة في صفقة القرن ما هي إلا مقاربة للواقع الفعلي، زاعمين بأن السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية هي حقيقة تقتضيها الظروف. هذا فضلا عما تحدث عنه جايد كوشنر – صهر ترامب والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط- من أن الشعب الفلسطيني يجب أن يركز في تلك المرحلة على تحقيق التنمية الاقتصادية بصورة أكبر من مجرد التطلعات السياسية. إلا ان هذا الخطاب لاقى اعتراضا كبيرا من قبل الفلسطينيين الذين رفضوا مقايضة حقهم في الدفاع عن أرضهم بالمال.
وقد بات واضحا أن ترامب يعمد إلى الإخلال بميزان القوى بين الطرفين المتنازعين لصالح الجانب الإسرائيلي، فلم يعد يخفى على احد ميله الواضح تجاه تعزيز مفاصل الدولة اليهودية في الشرق الاوسط. وقد عبر عن ذلك جدعون ليفي في إحدى مقالاته بصحيفة هارتز الإسرائيلية قائلا:” ترامب لا يخلق إسرائيل جديدة فحسب ، بل عالمًا جديدًا. “عالم خالٍ من القانون الدولي ودون أدنى احترام للقرارات الدولية ، ودون أي وجود للعدالة”.
ويتزامن ظهور كل من ترامب ونتنياهو للإعلان عن مقترحات صفقة القرن التي تحمل كافة معاني الإجهاز على القضية الفلسطينية وتعمد طمس جميع ملفاتها في الوقت الذي يواجه كل منهم أزمة سياسية كبيرة في بلده قد تتسبب في الإطاحة بهما بعيدا عن أروقة السلطة. فهاهو ترامب قد بات مهددا بصدور قرار عزله من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي. ونتنياهو الذي يواجه معضلة كبيرة تتعلق بعدد من التهم الجنائية الموجهة إليه والتي ربما تؤثر على مسار الانتخابات القادمة في مارس المقبل.
وأخيرا فإن المشهد أمس لا يعكس سوى أطروحات أحادية الجانب تسعى إلى تكريس العنصرية في أبهى صورها، فالأمر لا يتعلق بالسلام بل يتعلق بطموحات رجلين يسيران في الاتجاه الخاطئ سويا. وسوف يذكر التاريخ بأن الرئيس الأمريكي قد نجح في فرض التخلي عن حل “إقامة الدولتين”، ورفض إقرار المساواة في الحقوق السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليكون يوم الثامن والعشرين من يناير للعام 2020 هو بمثابة الإعلان مجددا عن تطبيق “الأبارتيد” أو نظام الفصل العنصري الكامل.
رابط المقال الاصلي اضغط هنا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مقالات متصلة

http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/ملفات-عربية/كارنيغي-أساس-مشبوه-لمؤتمر-البحرين/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى