ازمة لبنانقراءات معمقة

لبنان: ثقة حكومية… بالتراضي ايضاً

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

لقد خطفت الظاهرة القانونية النادرة والاقرب الى الفلكية المتعلقة بافتتاح الجلسة البرلمانية المخصصة لمنح الحكومة الثقة قبل توفر النصاب القانوني والطبيعي الاضواء والوهج من الهدف المتوخى والركن الاساسي للجلسة ,حيث تحولت تلك الجلسة الطبيعية والعادية في عصب الحياة النيابية والبرلمانية ومحور التواتر الديمقراطي الى جدل وظاهرة بحد ذاتها , وكيف لا وهي افتتحت بنصاب قاصر ومشوه .
تعتبر جلسة الثقة من الجلسات النيابية العادية والتي تحتاج الى نصاب عادي وهو المتمثل بالاغلبية العادية اي بوجود وتوافر الاكثرية العددية من النواب المؤلفين للمجلس النيابي وهو المتعارف عليه حديثا بالنصف زائد واحد ( 50% +1) اي 65 نائيا , ولا يكفي من اجل توافر النصاب تواجد النواب في حرم المجلس النيابي فقط وانما عليهم ان يتوجوا مقصدهم المادي قبل المعنوي بدخولهم الى قاعة البرلمان قبل افتتاح الجلسة , فلا يجوز ان تفتتح الجلسة النيابية قبل توافر النصاب المادي والمتمثل بوجود ال65 نائب داخل قاعة الجلسة قبل اي تصرف ومقصد آخر تتضمره التنوايا .
حيث تنص المادة (34) من الدستور اللبناني :” لا يكون اجتماع المجلس قانونيا ما لم تحضره الاكثرية من الاعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الاصوات واذا تعادلت الاصوات سقط المشروع المطروح للمناقشة” , حيث ان الشرط الواجب لقانونية هذا الاجتماع هو بتوافر وحضور النواب بنصاب لازم حضورا طبيعيا ماديا الى داخل القاعة وليس حضورا افتراضيا سواء عبر الشاشات ومواقع التواصل الافتراضية او بالتذرع بحضورهم الى حرم البرلمان , فعلينا ان نفصل بين حالة تواجد النواب ضمن حرم البرلمان وبين دخولهم لمشاركتهم في الجلسة وبالتالي تشكيلهم النصاب , ذلك ان الامرين مختلفين ولو انهما يتممان بعضهما ذلك الخطوة الثانية والمتعلقة بدخول الجلسة البرلمانية والمشاركة بالتالي قانونيا في النصاب لا تتم الا عبر الخطوة الاولى وهي مجئ النواب الى البرلمان وليس العكس ابدا , فهناك امكانية مؤكدة وكحق طبيعي للنائب بان يتواجد في حرم المجلس النيابي ولكن من دون ان يدخل الى القاعة وبالتالي لا يحسب له اي للنائب طبعا , لا المشاركة في الجلسة وبالطبع يشطب من النصاب .
وتشير المادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب :” لا تفتح جلسة المجلس الا بحضور الاغلبية من عدد اعضائه ولا يجوز التصويت الا عند توفر النصاب في قاعة الاجتماع. , اما المناقشات فلا تستوجب استمرار توفر النصاب , اذا رفعت الجلسة قبل الانتهاء من مناقشة موضوع ما حق لرئيس المجلس اعلان الجلسة مفتوحة, والجلسات التي تعقد فيما بعد لاستكمال البحث تعتبر استمرارا للجلسة الاولى ” , حيث ان المعيار القانوني في الاساس لاي جلسة نيابية مرهون بتحقق النصاب الكامل والمطلوب داخل القاعة , أي ان تواجدهم ضمن حرم المجلس النيابي هو وجود منقوص وغير كاف ومشوه القصد والغاية ولا بد هنا للتذكير بالكم والعدد الملغى من الجلسات النيابية السابقة والتي تعطلت في اثناء فترة انتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم دخول النواب الى القاعة النيابية وبالنالي عدم اكتمال النصاب .
تقع جلسات الثقة في خانة الاعمال البرلمانية العادية وهي الأعمال القانونية والمادية التي تصدر من البرلمان أو هيئات أو أعضائه في أداء وظائفهم باستثناء تلك التي تصدر في صورة قانون وتضم هذه الأعمال جميع القرارات الصادرة من البرلمان في علاقته بالسلطة التنفيذية كالسؤال والاستجواب وإجراء التحقيق ومنح طرح الثقة والتي تعد قانونيا ودستوريا خارج اطر الطعن اي انه لا يمكن الطعن بدستورية هذه الجلسة امام المجلس الدستوري بحكم المادة (19) من الدستور اللبناني والتي تنص : ” ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو إلى عشر أعضاء من مجلس النواب، وإلى رؤساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلق حصراً بالأحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني. تحدد قواعد تنظيم المجلس وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون” , اي الدستور اللبناني قد حصر صلاحيات هذا المجلس بالنظر فقط في دستورية القوانين وطعون الانتخابات النيابية والرئاسية , الا ان ذلك لا يمنع من القيام بتصرف معنوي على الاقل ورد فعل على هذا الاجراء الغير القانوني ولو فقط عبر نسف هذه الحجة المتعلقة بان النواب موجودين في مبنى المجلس غير صحية دستوريا ومعوجة قانونيا , ومن خلال احتجاج بعض النواب المعارضين على هذه الظاهرة الغير الدستورية والتي تحمل في طياتها انتهاكا لحدود الدستور تجاوزا صارخا لقانون النظام الداخلي لمجلس النواب بطريقة اتفاقية هي استمرار للنهج اللبناني في حفاظه على ديمقراطية المحاصصات والمنطق الاتفاقي الضارب بعرض الحائط لكل المفاهيم المؤساتية والقانونية حيث اننا أمام ثقة توافقية وبالتراضي .

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

اقرأ ايضاً للكاتب
http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/دراسات/اشكالية-النيابة-العامة-حامية-للمجتمع/

.

د. محي الدين الشحيمي، استاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا

الدكتور محي الدين محمود الشحيمي، دكتوراه في القانون جامعة باريس اساس في فرنسا. عضو لجنة التحكيم في مدرسة البوليتكنيك في باريس. محاضر في كلية باريس للاعمال والدراسات العليا واستاذ زائر في جامعات ( باريس 2 _ اسطنبول _ فيينا ). خبير دستوري في المنظمة العربية للقانون الدستوري مستشار قانوني واستراتيجي للعديد من الشركات الاستشارية الكبرى والمؤسسات الحكومية الفرنسية كاتب معتمد في مجلة اسواق العرب ومجلة البيان والاقتصاد والاعمال ومجلة الامن وموقع الكلمة اونلاين . رئيس الهيئة التحكيمية للدراسات في منصة الملف الاستراتيجي وخبير معتمد في القانون لدى فرانس 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى