ازمة لبنان

لبنان: لغز الرقم ١٨ و”بندرول” الرئيس المُكَلَّف

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

هناك لغزٌ كبير يُحيق برقم ١٨ السحري الذي يصرّ عليه الرئيس المُكَلَّف تشكيل الحكومة اللبنانية، الدكتور حسان دياب، لتحديد عدد وزراء حكومته العتيدة.

حكومات الثلاثين ذات السمعة السيئة مُريحة لكل الطوائف، أي كل طائفة تأخذ حصتها بدون كسور الرقم، أي برقمٍ كاملٍ غير مُدَوَّر. ستة وزراء لكلٍّ من الموارنة والسنّة والشيعة، أربعة للأرثوذكس، وثلاثة لكلٍّ من الدروز والكاثوليك، وهكذا دواليك من دون اضطرار لأي اختبار حدود عددي بين الطوائف.

حكومة الثمانية عشر وزيراً مُختلفة كلياً لأنها تُطلق شياطين الأرقام في اختبار حدود الرقم بين الطوائف.

في حكومة الثمانية عشر وزيراً يكون لكلٍّ من الطوائف الثلاث الكبار ٣،٦ وزيراً، فتأخذ كلٌّ منها فرق الكسر بتدويره إلى أربعة وزراء، فيما الدروز الذين يجب أن تكون حصتهم بالتناسب ١،٨ وزيراً سيحصلون على وزيرٍ واحد وقس على ذلك بالنسبة إلى باقي المسيحيين والأقليات.

ما ابتلعته الطوائف الثلاث الكبار بفارق الكسر تدفع ثمنه الطوائف الأصغر حصة، على الرغم من أن كسر الرقم يُعطيها أفضلية وزير إضافي في حكومة الثمانية عشر وزيراً.

البطاركة غير الموارنة يرفعون الصوت والدروز غير راضين أصلاً. ومَن سيُمثّلهم سيخضع لمحاسبة العقل الجمعي للطائفة ولأخصامه في الطائفة، وسيخسر في طائفته أكثر بكثير من منافع توزيره في حكومة يعرف الداني، ويشترط القاصي، أن احتمال نجاحها يقوم على مدى قدرتها على تمرير قوانين وإجراءات غير شعبية.

إذا تمّ إرضاءُ أيّاً من الطوائف الأقل حصة سوف يستتبع ذلك إرضاء الجميع، وسوف يعني أيضاً إنخفاض الحصة النسبية للطوائف الثلاث الكبار وقس على ذلك.

إن مفاوضات التشكيل التي وصلت إلى مرحلة التيه المُشعِل للسخرية سببها هذه التجاوزات العددية بين الطوائف حتى ضمن الفريق الواحد، او المفترض أن يكون واحداً، أُضف إليها عندما اقتربنا للحظة التشكيل منذ أيام عقدة الثلث المعطل لفريق رئيس الجمهورية الذي يرفضه حلفاء الرئيس كما رفضوه قبل تشكيل الحكومة المستقيلة منذ شهرين.

وعقدة الثلث هي مشكلة ليست أقل استعصاءً على الحلّ من مشكلة كسور العدد، لأن رقم ١٨ سيعطي، شئنا أم أبينا، ثلثٌ ما لطرفٍ محدد ما. إما ان يأخذه الرئيس وحزبه، وإما ان يأخذه الثنائي الشيعي وحلفاؤه وإما أن يُترَك للرئيس المُكلف. حتى الآن لم، والأرجح لن، يجدوا احتمالاً رابعاً. الإحتمالات الثلاثة غير مقبولة من طرف او أكثر في كل حالة.

في بيانين صدرا حتى الآن عن الرئيس المُكَلَّف وجّه رسائل مُتعددة، والثابت فيها هو الرقم ١٨.

هل الرقم ١٨ هو الورقة القوية الوحيدة التي تجعل الرئيس المُكلّف ملكاً على حكومة اللون الواحد بما يسمح له أن يحكم حكومة كلها صقور يصعب ان تُحكم في ظرف يصعب فيه الحكم؟

أم أن الإصرار على الرقم هو لإخراج قوى ٨ آذار خارج الحكومة بعد خروج قوى ١٤ آذار؟ وأن يحدث ذلك على وقع انهيار كل شيء وسحب تنازلات كبرى تسحب البساط من تحت أرجل الطبقة السياسية برمتها؟

أم أن اضطراره إلى القبول بحكومة مُوسَّعة سيعفيه من مسؤولية الفشل، ويُعيد التصويب على أن هذه الطبقة قد انتهت وانتهى معها زمانها وزمان المحاصصة الطائفية، ولا يعود هناك حلٌّ بدون إمّا الذهاب إلى الفوضى او القبول بحكومة الإختصاصيين المستقلة؟

لا يمكن الركون لقدَرٍ مُرتبط بالأرقام، ولكن للرقم ١٨ قوة رمزية كبيرة عند المسلمين حين يُضاف إلى معكوسه فيُعطي عدد أسماء الله الحسنى وبطرحه منه يُعطيك عدد سنوات حياة النبي محمد.

بعيد الإستقلال في العام ١٩٤٣، يحُكى ان وفداً كبيراً من اهل بيروت جاء إلى دارة الرئيس رياض الصلح طالباً إزالة “العلم الصغير” أو “البندرول” (banderole) الفرنسي عن الليرة اللبنانية. فسحب الراحل ليرة من جيبه ونزع عنها “البندرول” وطلب من أحدهم أن يذهب ويشتري له علبة دخان من نوع “بافرا” ؛ فذهب الشاب وعاد خالي الوفاض قائلاً ان “الدكّنجي” رفضها لأنها… منزوعة “البندرول”.

فهل الرقم ١٨ هو “البندرول” الخاص للرئيس المُكَلَّف بحكومة الثمانية عشر وزيراً، وأن أي حكومة غيرها ستفقد قدرتها على شراء ثقة الخارج؟

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نشر اولاً في مجلة اسواق العرب

اقرأ ايضاً للكاتب
http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/سياسة/الإدارة-السياسية-للأزمة-اللبنانية-تُ/

البروفسور بيار بولس الخوري ناشر الموقع

اكاديمي وباحث، خبير في الاقتصاد والاقتصاد السياسي، يعمل حاليا مستشار ومرشد تربوي ومستشار اعمال. عمل خبيراً اقتصادياً في مجموعة من البنوك المركزية العربية وتخصص في صناعة سياسات الاقتصاد الكلي لدى معهد صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة. له اكثر من اربعين بحث علمي منشور في دوريات محكّمة دولياً واربع كتب نشرت في الولايات المتحدة والمانيا ولبنان تختص بإقتصاد وادارة التعليم العالي، ناشر موقع الملف الاستراتيجي وموقع بيروت يا بيروت المختص بالادب. منشأ بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة بوديو. كاتب مشارك في سلسلتي "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط" و" ١٧ تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان" المتوفرتان عبر امازون كيندل. في جعبته مئات المقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحفية في لبنان والعالم العربي والعالم ومثلها مقالات في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية الرائدة. يشغل حالياً مركز نائب رئيس الجمعية العربية-الصينية للتعاون والتنمية وأمين سرّ الجمعية الاقتصادية اللبنانية ومدير العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى