دولي

اصدقاء واشنطن لا يثقون بنواياها

عن National Interest

على الرغم من السعي الدائم للولايات المتحدة نحو تسخير كافة طاقاتها في حربها شبه المعلنة ضد كل من روسيا والصين، إلا أن ثمة بعض العوامل والالتزامات الدولية الأخرى لواشنطن والتي ربما تعمل على تقويض جهودها في هذا الشأن، ومنذ توليه لمنصبه، فقد حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على معالجة هذه المشكلة من خلال حث حلفاء واشنطن على الدفع بمزيد من القوات العسكرية في بعض المناطق مثل سوريا حيث تحاول الولايات المتحدة حاليا سحب قواتها جزئيا، والخليج العربي مؤخرا حيث لازال خطر نشوب حرب محتملة مع إيران قائما.
ولكن فيما يبدو أن الدول الصديقة للولايات المتحدة ليست واثقة تماما من نوايا الأخيرة واتجاهاتها مما جعلها تتكتم أحيانا على خططها في نشر المزيد من القوات في بعض مناطق الصراع، هذا إلى جانب امتلاك تلك الدول للعديد من الالتزامات الأمنية الأخرى، وقد لا تترك عدم الثقة هذه أية فرصة أمام واشنطن سوى الاعتماد على حلفائها بصرف النظرعن توجهاتهم ومخططاتهم من أجل تنفيذ واجباتها في الشرق الأوسط.
وبالحديث عن أوروبا، فإن كل من المملكة المتحدة وفرنسا هما الحليفان الأكبر للولايات المتحدة وأكثرهم أهمية من الناحية الاستراتيجية، وقد شارك البلدان في الحملة التي تقودها واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما أن المملكة المتحدة تعد على وجه الخصوص شريكا رئيسيا لواشنطن في عملياتها العسكرية في أفغانستان، حيث قامت بمضاعفة حجم قواتها تقريبا بناء على طلب الولايات المتحدة.
وبرغم من قيام فرنسا بسحب قواتها من أفغانستان عام 2012 إلا أنها استمرت في تقديم الدعم لأنشطة الولايات المتحدة في مناطق أفريقيا السوداء الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وفي مايو الماضي توفى اثنان من أفراد قوات العمليات الخاصة الفرنسية في محاولة إطلاق سراح رهينة أمريكي في شمال بوركينا فاسو، وفي أكتوبر 2017 ، جاءت القوات الفرنسية لإنقاذ القوات الأمريكية التي تعرضت لكمين في النيجر، وبرغم تلك الجهود الواضحة، إلا أن الولايات المتحدة قد تطلعت إلى أكثر من ذلك، فقد سعت نحو توجيه المزيد من الجهود البريطانية والفرنسية لخدمة المخططات الأمريكية في كل من سوريا والخليج العربي.
ومنذ أن أعلن ترامب على نحو غير متوقع عن سحبه للقوات الأمريكية من سوريا، حاول البيت الأبيض إقناع حلفاء واشنطن بزيادة حجم قواتهم هناك، ولكن فيما يبدو أن كل من المملكة المتحدة وفرنسا قد شعرا بالتخوف إزاء ترك قواتهما وحيدة في الأراضي السورية دون غطاء أو حماية أمريكية في حال نشوب مواجهة محتملة مع كل ن القوات الروسية والتركية والإيرانية، وكنوع من الالتزام بالوعود فقد قررت كل من المملكة المتحدة وفرنسا زيادة حجم قواتهما بنسبة 10% فقط ولكن في الواقع فإن هذه النسبة الضئيلة لا تزال بعيدة عما يتطلع إليه ترامب كضمان لاستقرار الأوضاع بعد سحب القوات الأمريكية بشكل كامل من سوريا.
وكنتيجة لسلسلة من الهجمات المتكررة على ناقلات النفط في الخليج العربي خلال يوليو الماضي، قررت الولايات المتحدة تشكيل تحالف من الدول الصديقة بهدف تأمين عمليات النقل النفطي من الهجمات الإيرانية، ولكن انسحاب واشنطن من اتفاقية البرنامج النووي الإيراني المعروفة بـ خطة العمل المشتركة أو JCPOA)) قد لاقى اعتراضا شديدا من قبل حلفائها، الأمر الذي جعلهم يقاومون مبادرة واشنطن الأمنية المقترحة من أجل مراقبة أمن الخليج خشية التورط في حرب مباشرة مع إيران.
ومع ذلك فإنه يمكن القول بأن المملكة المتحدة قد تورطت بشكل كامل في زيادة حجم التوترات مع إيران وذلك بعد أن قامت الأخيرة باحتجاز ناقلة نفط أمريكية ردا على قيام لندن باحتجاز ناقة نفط إيرانية سابقا في مضيق جبل طارق، وبالتالي، فقد أدركت لندن جيدا مدى أهمية قيامها بإطلاق مبادرة أمنية تستهدف تأمين حركة مرور النفط في الخليج، وقد حظيت المباردة الخاصة بالمملكة المتحدة بدعم مبدئي من قبل كل من فرنسا وإيطاليا والدانمارك، ولكن الأوضاع قد تغيرت نسبيا بعد تعيين رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون، والذي يتمتع بعلاقات أكثر قربا مع ترامب.
وإلى جانب كل من المملكة المتحدة وفرنسا، فإن ألمانيا تعد أيضا من أقوى حلفاء الولايات المتحدة، حيث تقوم الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في أوروبا بتقديم الإمدادات العسكرية اللازمة للقوات الأمريكية، كما أنها شاركت بثاني أكبر وحدة من القوات الموجودة في أفغانستان، ولكن رغم ذلك فإن ألمانيا تستشعر القلق حيال السلوك الأمريكي في الشرق الأوسط، هذا إلى جانب التأييد المحدود للعميات الأمريكية في الخارج، ولعل هذا الأمر هو سبب رفض ألمانيا المطلب الأمريكي بإرسال قوات إلى سوريا.
كما أن هناك عدد من الدول الأوروبية الأخرى والتي تسعى جاهدة من أجل تقديم الدعم للولايات المتحدة الأمريكية في مبادرتها التي تستهدف أمن الخليج وذلك رغم إمكاناتها المحدودة مثل جورجيا واستونيا ولتوانيا ولاتفيا، حيث تشعر هذه الدول جميعا بالقلق من خطر الصدام مع روسيا، مما جعلهم يتفنون في إرضاء واشنطن أملا في مساندة الأخيرة لهم في حال وقوع مواجهة مع موسكو.
وتمتد قائمة حلفاء الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك، ففي آسيا نجد اليابان وكوريا الجنوبية إلى جانب استراليا بالطبع، فواشنطن تدرك جيدا حجم النفع الذي قد يعود على منطقة الخليج في حال الحصول على الدعم الكامل من القوات البحرية اليابانية القوية، إلا أن طوكيو لازالت تشعر بالقلق إزاء المخططات الأمريكية مما جعلها ترفض هي الأخرى الانضمام إلى المبادرة الأمريكية لتأمين الخليج، ومع ذلك ففي حال أعربت اليابان عن رغبتها في مساندة واشنطن، فعلى الأرجح سوف تلاقي معارضة كبرى من قبل مواطنيها النشطاء في المجالي السلمي لأن صلاحياتهم الدستورية تحد من نفوذ الدولة في الانتشار العسكري حول العالم.
ومن ناحية أخرى، فإن التنامي الملحوظ في القدرات العسكرية لكوريا الجنوبية جعلها محط أنظار واشنطن، ولكن سيول تدرك جيدا حجم الخطر الواقع عليها من كوريا الشمالية مما جعلها لا تتهور في إرسال عدد كبير من قواتها خارج البلاد، وبالنسبة لاستراليا، فقد نجحت في تعزيز علاقاتها العسكرية مؤخرا مع الولايات المتحدة، حيث ساهمت كانبيرا في عدد كبير من العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، لكنه يمكن القول بأن الحجم الصغير نسبيا للجيش الاسترالي لا يوازي الرغبات الأمريكية التوسعية حول العالم.
رابط المقال الأصلي : اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى