دولي

توازن اليمين واليسار يشلّ إسرائيل

هل تشكل نتائج الانتخابات الاسرائيلية تهديدا لـ بنيامين نتنياهو!.. خبراء يتساءلون
رغم أن ملامح الصورة لم تتضح بعد فيما يتعلق بمن هو رئيس الوزراء القادم لدولة إسرائيل، إلا أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة يراها كثيرون بمثابة التهديد الأخطر لموقف بنيامين نتنياهو وذلك منذ توليه لمنصب رئيس الوزراء منذ عام 2009
وبعد فرز أكثر من 90% من الأصوات؛ يبدو أن حزب أزرق أبيض الليبرالي الوسطي قد تمكن من حصد أكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان الإسرائيلي (الكينست) بواقع 32 من إجمالي 120 مقعد، بينما تمكن حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو في اللحظة الأخيرة من الفوز بصعوبة بـ 31 مقعدا فقط.
وحقيقة الأمر أن كلا الحزبين لا يملك أغلبية برلمانية كافية لتصدر المشهد وحده، مما يفرض عليهما حتمية عقد نوع من الاتفاق حول تقاسم السلطة أو تأسيس ائتلافا فيما بينهم يعرف بـ “الوحدة الوطنية”. ومن ناحية أخرى، فقد يجري تشكيل تحالف آخر مكون من الأحزاب السبعة الأقل دورا في الكينست، وأهمها على الإطلاق “إسرائيل بيتنا” وهو حزب يميني قومي من تأسيس وقيادة وزير الخارجية السابق أفغدور ليبرمان والذي تلقبه الصحافة الإسرائيلية بـ “صانع الملوك”، ويعرف هذا الحزب باتجاهاته اليمينية المتشددة.
ولازالت التساؤلات مطروحة حتى الآن، فمن هو رئيس الوزراء القادم لإسرائيل! لا أحد يعرف على الإطلاق، ولكن المتفق عليه هو أنه سيتم الإطاحة بنتنياهو في جميع الأحوال ولو تمكن حزبه من التفوق داخل الكينست، فقد أكد بيني غانتز رئيس حزب أزرق أبيض بأنه على استعداد تام للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية شريطة أن يعمد الليكود فعليا إلى التخلص من نتنياهو.
ويمكن وصف المعركة الانتخابية الحالية في إسرائيل، بـ الفاصلة في حياة نتنياهو السياسية بل والشخصية أيضا، ففي حال خسارته لمنصبه، فلن يكون بإمكانه التملص من تهم الفساد والرشوة الموجهة إليه، مما يعني خسارته لحريته أيضا في تلك الحالة.
ولعل الطريقة الأفضل للتعرف على طبيعة السياسة الإسرائيلية هي دراسة الأيدولوجيات المختلفة للأحزاب ومواقفها إزاء القضايا الأكثر طرحا، كالمواقف المتعلقة بالفلسطنيين وحقوق الأقليات والعلاقة بين الكنيس والدولة.
فهناك التحالف اليساري الوسطي والذي يتألف من حزب العمال الأزرق والأبيض وحزب يسار الوسط والاتحاد الديمقراطي اليساري والقائمة المشتركة للأقليات العربية. إلى جانب الائتلاف اليميني المكون من الليكود والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة مثل شاس ويهودية التوراة المتحدة، والحزب الموالي لمستوطنة الضفة الغربية يامينا. وقد فشل حزب يميني آخر وهو حزب التفوق اليهودي أوتزما يوديت في الحصول على عدد كاف من الأصوات من أجل دخول الكنيست.
وقد أسفرت نتائج الانتخابات الأخيرة عن فوز الكتلة اليسارية بـ 56 مقعد داخل الكنيست بينما حصلت الكتلة اليمينية على 55 مقعد، أما المقاعد الـ 9 المتبقية فقد فاز بها حزب إسرائيل بيتنا والذي يتزعمه ليبرمان المتشدد إزاء القضايا الأمنية وحقوق الشعب الفلسطيني، والمعروف بتأييده لمشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية، ولعل ذلك ما يجعله يميل في اتجاهاته ويتفق إلى حد كبير مع الأيدولوجية الخاصة بالكتلية اليمينية، فقد سبق وأن كان ليبرمان عضوا فاعلا في حكومة نتنياهو.
وتتمثل القاعدة الانتخابية الخاصة بـ ليبرمان في الأساس من الناخبين ذوي الأصول الروسية، والمعرفين باتجاهاتهم العلمانية واستيائهم الشديد من الامتيازات التي يحظى بها أتباع الاتجاهات المتشددة في المجتمع الإسرائيلي. وفي أعقاب نهاية الانتخابات الأخيرة في أبريل الماضي، رفض ليبرمان الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو ما لم يوافق الأخير على مشروع قانون يقوض الصلاحيات الممنوحة لأصحاب الكتلة الأرثوذكسية والمتمثلة في إعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية.
الأمر الذي وضع نتنياهو في موقف لا يحسد عليه، فهو من جهة لا يريد خسارة دعم الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، ولكن من جهة أخرى فإنه بدون دعم ليبرمان فلن يتمكن نتنياهو من الفوز بأغلبية برلمانية، مما جعله يدعو لانتخابات جديدة في سبتمبر الجاري لعله يحظى بأغلبية أكثر أمنا وأكثر توازنا.
ولكن حقيقة الأمر، فإن موقف نتنياهو بات أكثر خطورة من أي وقت مضى، ويبدو الوضع وكأنه بات معلقا بيد ليبرمان باعتباره المسئول إلى حد كبير عن تحديد هوية رئيس الوزراء القادم، وتبقى الخطوة التالية وهي اللقاء المرتقب للرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين مع قيادة الأحزاب، ثم القيام بالفصل ما بين نتياهو وغانتز لتحديد أيهما أكثر صلاحية لتشكيل الائتلاف الحاكم.
ومن الممكن أن يستمر نتنياهو في تولي زمام السلطة بطريقة ما، ولعل ذلك قد يحدث إذا ما وافق على التنحي عندما يتم تقديم لائحة التهم الجنائية ضده، وربما ينتهي الأمر بتولي غانتز لمنصب رئيس الوزراء الجديد، وقد يتولى عضو آخر من الليكود لذلك المنصب في حال وافق الحزب على شرط غانتز والمتمثل في عزل نتنياهو من منصبه. ويبقى السيناريو الأكثر غرابة؛ وهو إمكانية قيام جميع الأطراف بتقاسم السلطة، مع تولي غانتز وأحد أعضاء حزب الليكود للقيادة العليا، وقد تكرر ذلك المشهد في السابق داخل إسرائيل.
وتبقى الأمور الآن رهن المفاوضات التي تجري خلف الكواليس بين غانتز ونتنياهو وبقية الليكود وليبرمان. مرة أخرى ، لا أحد يعرف فعليًا كيف سيتم ذلك أو حتى إذا كانت حكومة وحدة وطنية قابلة للتطبيق. هناك ترتيبات أخرى ممكنة أيضًا ، على الرغم من أن المؤشرات الحالية قد تجعل من الصعب على كتلة موحدة يمينًا أو يسار الوسط الاحتفاظ بالسلطة.
وقد يصعب التكهن الآن بما سيجري غدا، ولكن مما لا شك فيه أن نتنياهو -وهو سياسي مخضرم- سيقاتل بكل ما أوتي من قوة كي يتمكن من تمرير قانون يساعده على تحصين نفسه من مواجهة عقوبة السجن، ولعل أمله الأخير في ذلك هو استمراره في تقلد منصب رئيس الوزراء.
ولكن غانتز الذي قاد حملة موسعة للدفاع عن الديمقراطية الإسرائيلية في مواجهة الفساد الشخصي لإسرائيل لا يمكنه تقبل تصويت حزب أزرق أبيض على حماية نتنياهو من عواقب أفعاله الفاسدة، والتي من بينها اتهامه بمنح بعض الصلاحيات لمؤسسات إعلامية بعينها نظير الحصول على تغطية إعلامية إيجابية.
وختاما فإنه لا يمكن الجزم بحقيقة الآثار السياسية المترتبة على هذه الانتخابات حتى يتم تشكيل ائتلاف. ولكن من الواضح أن نتنياهو – أطول رئيس وزراء في التاريخ الإسرائيلي – يواجه الآن خطرًا حقيقيًا على كلا الصعيدين السياسي والشخصي.
رابط المقال اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى