إقتصاد

خرافة التنمية… نحن في عالم الشركات-الدول

قبل ستة عشر عاماً كتب الديبلوماسي البيروفي، “اوزوالدو دي ريفيرو” كتاباً بعنوان: “خرافة التنمية الاقتصادية: اقتصادات مستنفذة في القرن الحادي والعشرين” The Myth of Development: The Non-Viable Economies of the 21th Century””
. يسلّط هذا الكتاب الضوء على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في دول العالم الثالث، كما يحاول إظهار دور العولمة والدول الصناعية والبنوك العالمية والشركات عبر القارات في توسيع الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويصل الكاتب في خاتمة الكتاب إلى حقيقة مخيفة بأن التنمية الاقتصادية لن تكون من الآن فصاعداً بمتناول الدول الفقيرة والمتخلفة اقتصادياً.

من أبرز ما تضمنه الكتاب هو حدوث تراجع كبير لدور الدول النامية في الاقتصاد العالمي وافتقادها لجزء من سيادتها القومية لصالح الشركات المتعددة الجنسيات حتى أصبحت ذات سيادات مخترقة، حيث عجزت الدول العظمى وقصرت الأمم المتحدة والمنظمات العالمية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مساعدة الدول الفقيرة ورفعها إلى مصاف الدول القابلة للحياة. كما أن ظهور المدن الكبيرة والعلاقات التي تربط هذه المدن بعضها ببعض قد حوّل الكثير من الدول إلى مجرد إدارات مدنية لها أدوار تنظيمية فقط.

في السياق عينه، وتأكيداً لما قاله “دي ريفيرو”، صدر عام 2018 كتاب للاقتصاديين الأميريكيين “جوناثان تيبَر” و “دينيز هارن” بعنوان ” أسطورة الرأسمالية: الاحتكارات وموت المنافسة” The Myth of Capitalism: Monopolies and the Death of Competition، حيث يرى الكاتبان بأن أسطورة الرأسمالية تحكي قصة كيف انتقلت أمريكا من سوق مفتوح وتنافسي إلى اقتصاد تسيطر فيه بعض الشركات القوية للغاية على الصناعات الرئيسية التي تؤثر على حياتنا اليومية. وقد أصبحت الاحتكارات الرقمية مثل Google و Facebook و Amazon تعمل كحراس بوابات للعالم الرقمي. لدينا وهم بالاختيار، لكن بالنسبة لمعظم القرارات الحاسمة، لدينا شركة أو شركتان فقط، عندما يتعلق الأمر بالإنترنت عالي السرعة أو التأمين الصحي أو الرعاية الطبية أو التأمين على سندات الرهن العقاري أو الشبكات الاجتماعية أو عمليات البحث على الإنترنت أو حتى السلع الاستهلاكية. كل يوم، يقوم المواطن العادي بتحويل قسماً من رواتبهم إلى المحتكرين واحتكارات القلة. أسطورة الرأسمالية هي قصة التركيز الصناعي، لكنها تهم الجميع، لأن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى. إنه يتناول الأسئلة الكبيرة: لماذا أصبحت الكثير من الدول- حتى الولايات المتحدة- مجتمعًا غير متكافئ، ولماذا هناك ضعف في النمو الاقتصادي على الرغم من تريليونات الدولارات من الدين الفيدرالي وطباعة النقود، ولماذا انخفض عدد الشركات الناشئة، ولماذا يخسر العمال.

إزاء هذا الواقع، فإن الأرستقراطية القديمة للدول- الأمم قد أفلت وذلك لحساب الأرستقراطية الجديدة الممثلة في الشركات عابرة القارات التي لم تقدم شيئاً للمجتمعات لا سيما الفقيرة كما لم تشارك في تحمل أعباء البيئة. وهنا تقع اللائمة على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يقومان بفرض سياساتهما الاقتصادية على الدول الفقيرة دون النظر في الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لتلك الدول التي يصبح همها الأوحد مرضاة هذه المؤسسات الدولية كي لا تصبح منبوذة في المجتمع الدولي. وفي إطارٍ موازٍ نجد ان هناك تحولاً في الحرية الاقتصادية التي نادى بها آدم سميث إلى ما يشبه “الداروينية العالمية”، حيث البقاء للأفضل، وحيث تشتد المنافسة ويصبح العالم محكوماً بما يشبه شريعة الغاب.

يتخوف الكثير من ناحية أخرى من تحول الدول الفقيرة نتيجة عدم قدرتها على امتلاك عناصر البقاء (الطاقة، والمياه والغذاء) إلى كيانات فوضوية نتيجة الاقتتال الداخلي أو تصبح كيانات غير قابلة للحياة نتيجة التفجر السكاني لديها، وبذلك تصبح عالةً على المجتمع الدولي تعيش على المساعدات الدولية. وهناك انتقاد صريح بالتالي لدعاة العولمة ومرشدوها القائلين بأن العولمة سوف تجلب الرخاء والتنمية الاقتصادية لجميع الدول وبأنها عملية مستمرة لا سبيل لكبحها بحيث تغدو كقانون الجاذبية خارجة عن سيطرة الإنسان.

وبالتالي، ينبغي دق ناقوس خطر في وجه المؤسسات الدولية والمنظمات العالمية الداعية والمبشرة بالتنمية الاقتصادية في الدول المتخلفة وتوجيه رسالة واضحة إلى أصحاب القرار في الدول المتخلفة للقيام بسياسات أكثر ملائمة لشعوبها واقتصاداتها بما يجنبها الوصول إلى حافة اللا- تنمية أو كيانات غير قابلة للحياة.

حسّان خضر، باحث وكاتب لبناني

باحث في الشؤون الاقتصادية وله دراسات وتقارير مهنية معمقة تتصل باقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات العربية بشكل عام. عمل في مؤسسات اقليمية مرموقة منها بنك الكويت الوطني والمعهد العربي للتخطيط، ويعمل حالياً خبيراً في ادارة البحوث في بنك الكويت المركزي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بالفعل هناك حيرة كبيرة بالنسبة للجميع حول ماينتضر الإنسان بصفة عامة في للمستقبل على المدى المتوسط. العولمة والاحتكار من طرف الشركات الكبرى قادا الإنسانية بكاملها إلى الفقر وإلى فوارق إجتماعية صارخة. الكل متخوف من المستقبل ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بمستقبل الحياة ولكن في غالب الظن فإن الفوضى والجريمة والسرقة والنهب هي التي ستنتشر عند المتضررين من هذا الواقع الإقتصادي والمستفيدين سيضربون جدارات سميكة على محيطهم من الأمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى