Uncategorized

نحن نتجسّس عليكم مجّاناً… وسنبقى كذلك

نشر ايضاً على بوابة الاهرام

في إحدى المرات كنت ذاهبًا إلى عملي في جريدة الأهرام ومصادفة وأنا أتصفح الهاتف، وجدت عبارة تظهر لى تقول: “أمامك نحو 17 دقيقة للوصول إلى عملك”.. الرسالة كانت على تطبيق خرائط جوجل “جوجل مابس”.

قبل عدة أيام ذهبت لزيارة صديق في مجلة الأهرام العربي، قابلت على باب المجلة صديقين عزيزين، فيما كان يقف معهما زميل ثالث لا أعرفه، وبعدما أنهيت زيارتي وانصرفت؛ لأجلس على فيسبوك وأمارس عملي، فوجدت فيسبوك يقترح عليّ إضافة الزميل الثالث.

فيسبوك اقترحه صديقًا، فقط لأنني سلمت عليه، أو وقفت بجواره للحظات، برغم أنني لا أعرف اسمه ولا أسجل رقم هاتفه.

ما أود قوله من المثالين السابقين.. على الرغم من أننا بالفعل تحت تجسس من التطبيقات التي تحملها هواتفنا المحمولة، إلا أن هناك سؤالًا غريبًا جدًا نتوقف أمامه طويلًا!!.. لماذا نستغرب أحيانًا ونندهش أحيانًا أخرى.. ولا نصدق أنفسنا أوقاتاً ثالثة.. برغم أننا نعرف ومتأكدين تمامًا أن هاتفنا يتجسس علينا؟!

معضلة فلسفية جديدة وكبيرة فى عصر التكنولوجيا.. هل نترك هواتفنا الذكية حتى لا تتجسس علينا، ونخسر كل الخدمات التي تقدمها لنا من اتصال وتواصل وأخبار لحظة بلحظة وفيديوهات وصور.. أم نستغنى عن كل هذا ونحافظ على خصوصيتنا وأنماط حياتنا السابقة؟!

سؤال سيأخذ كثيرًا من الجدل ويطول النقاش فيه وحوله!!

أما كيف عرف الهاتف أنني اقتربت من مكان عملي، فالأمر غاية في السهولة من خاصية جي بي إس GPS في خرائط جوجل.. فقد حللت المكان الذي أتحرك فيه صباحًا وأعطيته اسم العمل، وحللت المكان الذى أجلس فيه ساكنًا بالليل لفترة طويلة وأعطيته اسم المنزل؛ لأنه بالمنطق العمل بالصباح وفيه حركة والبيت بالليل فيه سكينة ونوم وشبه انعدام للحركة.

وفى الموقف الثاني عرفوا عبر جي بي إس GPS أيضًا؛ حيث هناك خاصية فى فيسبوك تسمح بمعرفة الأصدقاء الأقرب إليك في المكان، وبالتالي بمجرد اقتراب الهواتف من بعضها يقترحها كأصدقاء مقربين؛ ولأن الصديقين الأولين كانا بالفعل عندي على فيسبوك فاقترح فيسبوك الزميل الثالث.

أغلبنا يعرف أننا إذا تكلمنا أمام الهاتف ظهرت الإعلانات على فيسبوك مطابقة لما تكلمنا به، فى السياسة والفن وعن الأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها من الموضوعات الإعلانية.. والأمر يتكرر فى عمليات البحث على جوجل، فإن فيسبوك يظهر لك إعلانات متعلقة بما أردت البحث عنه فى تطبيق آخر بعيد عنه شكليًا ونظريًا.

إنها شركات تستفيد من بيع المستخدم فيما بينها.. كأنها تتلذذ بتهشيم المواطن لقطع صغيرة تحت ميكروسكوب التجسس.. وكل شركة على حسب قوتها فى الإعلانات وقوتها في استخلاص الأموال من هذه القطع الصغيرة المهمشة.

ففى ديسمبر 2018، كشفت تقارير صحفية أن موقع فيسبوك سمح لأكثر من 150 شركة، من بينها “مايكروسوفت” و”نتفلكس”، بالوصول إلى رسائل المستخدمين.

وفى الشهر الحالي غير فيسبوك عبارته الشهيرة “إنه مجاني وسيبقى كذلك دائمًا” ليستبدلها بعبارة “إنه سريع وسهل”.. ولم يصدر “فيسبوك”، أي بيان رسمي لتوضيح السبب فى إحداث تغيير في الشعار الذي ظل ثابتًا ومعروفًا على مدى سنوات طويلة.

إلا أن الخبير القانوني خوسي أنطونيو كاستليو يرى أنه من المرجح أن يكون موقع “فيسبوك” قد أزال عبارة “المجانية”، بعد الضغوط التي مورست عليه من هيئات الاتحاد الأوروبي؛ لأن خدمات الموقع بالفعل ليست مجانية؛ حتى وإن كان المستخدم لا يدفع أي رسوم.. وهذا الأمر جعل الاتحاد الأوروبي ينبه الموقع إلى أن بيانات المستخدمين شكل من أشكال الدفع غير المباشر؛ ولذلك يحق لنا أن نخرج بلافتة كبيرة تقول: “التجسس على هواتفنا مجاني.. وسيظل مجانيًا مدى الحياة”.. أو حتى إشعار آخر.. فلننتظر ونرى.

احمد سعيد طنطاوي كاتب وصحافي مصري

احمد سعيد طنطاوي كاتب وصحافي مرموق في الاهرام المصرية. هو يرآس قسم الشبكات الاجتماعية في الاهرام وبوابة الاهرام. عنوانه على تويتر: @tantawipress

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى