اجتماع

المفارقة الكبرى: الدول الاشتراكية هي الاكثر غنىً

عن Medium

هل أصبح العالم الآن على حافة الهاوية؟
لعله من الأسئلة الملحة التي باتت تسيطر على الأذهان مؤخرا، فهل بات العالم حقا من حولنا على وشك الانهيار التام!، ربما يمكن القول بأن المؤشرات الحالية على كافة الأصعدة تؤكد ذلك، سواء فيما يتعلق بالتغيرات المناخية أو الاضطرابات السياسية أو الركود الاقتصادي أوالتفكك المجتمعي.
وبالنظر أولا إلى ملف العلاقات الجيوسياسية بين الدول، سنجد أن ظاهرة التطرف أصبحت واسعة النطاق بشكل ملحوظ ودون رادع، حتى أن الدول الكبرى في العالم لم تعد في مأمن منها أيضا، بل على النقيض، فإنه يمكن القول بأن القوى العظمى هي أول من سيقع في فخ الموجة الاستبدادية العالمية.
ففي أمريكا مثلا، يعجز الديمقراطيون عن كبح جماح الفئة المستبدة المهيمنة على السلطة حاليا، بل إن كل ما يفعلونه هو محاولة استرضائهم فقط، وهذا ما يمكن تلخيصه عبر مشهد واحد فقط، ألا وهو موافقة كل رئيس مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي والسيناتور جاك شومر على تقديم الاعتمادات المالية لبناء المزيد من معسكرات الاعتقال.
وبناء على المشهد السابق، فإن الولايات المتحدة ليست أهل للثقة ولا يمكن النظر إليها باعتبارها نموذج قيادي يحتذى به خلال تلك المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم حاليا، بل إن الكذب الأمريكي بشأن الترف والانتعاش الاقتصادي سوف ينكشف في النهاية وربما في القريب العاجل، وفي الواقع فإن تلك الدولة العظمى التي تسعى إلى توجيه دفة الكون، هي المسئولة في الأساس عن إفقار وتفكيك نحو 99% من دول العالم.
وبالنظر إلى الأوضاع في بريطانيا مؤخرا، فإنه يمكن القول بأن المملكة المتحدة تريد أن تدير ظهرها إلى القارة الأوروبية بأكملها لتحقق لنفسها استقلالا من نوع جديد، ولعلها تريد أن تحذو في ذلك حذو الولايات المتحدة الأمريكية ولكن قد تكون تلك الرؤية غير موفقة تماما، هذا في الوقت الذي تسعى فيه الرأسمالية الأمريكية إلى الهيمنة على بعض الأصول في المملكة المتحدة كهيئة الإذاعة البريطانية وقطاع الصحة الوطنية.
وقد يكون استحضار كل من النموذج الأمريكي والبريطاني هنا من أجل البرهنة على مدى تشابك العلاقات والمصالح بين البلدين منذ فجر التاريخ والتي ألقت بظلالها على مصائر كافة بلدان العالم تقريبا، وربما يتجلى ذلك بوضوح في الشعوب المستمرة في الانحدار تدريجيا نحو الفقر وانهيار الطبقة المتوسطة، حيث يعلو صوت الحركات اليمينة المتطرفة والتي تعجز عن إيجاد حلول لكافة مشكلات المجتمع من حولها، فالشغل الشاغل لها فقط هو كيفية الحصول على السلاح، الأمر الذي يصوره البعض على أنه مجرد محاولة خاسرة من أجل إعادة إحياء الموتى.
ويمكن القول بأن المخططات البريطانية والأمريكية في العالم والتي على وشك الإيقاع بهما بين براثن الفقر والتطرف اليميني ، قد تجعل إمكانية التوصل إلى حلول جذرية للمشكلات الأربع الكبرى في العالم خلال القرن الحالي، أمرا مستحيلا.
وبالحديث عن المشكلة الأولى والمتعلقة بالتغيرات المناخية، فيعتقد الخبراء أن العالم يتجه حاليا في طريق الذهاب بلا عودة، حيث أنه من المتوقع أن تتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري لتبلغ درجة حرارة سطح الأرض ذروتها على مدار العقد القادم.
وحتى تلك اللحظة، فإنه لا جهود فاعلة ساعية إلى التصدي لتلك الظاهرة الخطيرة، ناهيك عن بعض المعاهدات البائدة بين الدول والتي تنص على ضرورة خفض الانبعاثات الضارة من غاز ثاني أكسيد الكربون، فحقيقة الأمر أن العالم أصبح مقبلا على كارثية مناخية، وربما قد بدأ الناس في استشعارها حاليا من خلال الموجات الحارة والفيضانات والهطول المتكرر والغزير للأمطار.
والسؤال الآن من المسئول عن التغيرات المناخية؟ هل هو المواطن العادي الذي يمارس أنشطة يومه بصورة طبيعية؟ الإجابة لا، فحقيقة الأمر أن الرأسمالية هي المتسبب الأساسي في الكوارث البيئية، فالشركات الكبرى هي المسئولة عن الانبعاثات الغازية الناجمة عن حرق الوقود وتلويث مياه البحار والمحيطات وقطع الأشجار، وإذا وجه إليهم اللوم عن ذلك في يوم من الأيام وربما بعد فوات الأوان، فإن إجابتهم سوف تكون قطعا “نحن فقط نؤدي عملنا”.
وكي تتمكن دول العالم من التصدي لظاهرة تغير المناخ، فإنه لابد من إعادة النظر وهيكلة مفهوم الرأسمالية بوجه عام، وذلك من خلال إعداد إحصائية شاملة عن عدد الغابات التي تم تدميرها والمحيطات الملوثة وحجم الانبعاثات الغازية الضارة وإدراجهم جميعا ضمن إجمالي الناتج المحلي.
وبالتالي تتحول قيمة هذه الأشياء إلى نوع من الحسابات الجارية، مما قد يمكن الحكومات من محاسبة الشركات المسئولة عن الممارسات البيئية الضارة وردع الآخرين عن الإقدام على أفعال مشابهة، وبالتالي تتشكل صورة حقيقة للاقتصاد بعيدة عن كافة الأوهام الدارجة والقائمة على فكرة الرخاء الاقتصادي ورغد العيش دون الالتفات إلى الحقيقة القاسية، ألا وهي أن الكوكب الذي نعيش عليه في طريقه إلى النهاية.
ولكن لا يبدو على المدى القريب أن أيا من بريطانيا وأمريكا يمتلكان أي آلية لمواجهة التغيرات المناخية ، وذلك لأن فكرة إعادة هيكلة الرأسمالية بوجه عام لازالت غائبة عنهما مثلما هو الحال بالنسبة لباقي دول العالم أيضا.
لابد من الاعتراف بأن الاقتصاد العالمي هو في حقيقته اقتصاد رأسمالي وذلك بناء على التوجه الأمريكي في المقام الأول، فالعديد من بلدان العالم التي تطلعت نحو الديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية مثل تشيلي والأرجنتين وباكستان والهند، تعرضت لتدخل أمريكي صريح سواء كان عسكريا أو سياسيا وذلك بهدف زعزعة استقرار تلك الدول وحملها على الاتجاه نحو الرأسمالية، وكأن لسان حال أمريكا يقول: إما أن تتجهوا نحو الرأسمالية أو أن يتم إبادتكم جميعا، لا خيار ثالث.
والجدير بالذكر أن الدول التي نجحت فعليا في تطبيق مبادئ الاشتراكية هي تلك التي أصبحت لاحقا الأكثر غنى حول العالم، والتي لم تتمكن الولايات المتحدة من الاقتراب منها سوى من خلال محاولة إتمام بعض الصفقات التجارية وذلك في سعي منها لفرض قواعد الرأسمالية.
ومن المشكلات الخطيرة التي تواجه العالم حاليا أيضا هي اللامساواة وظهور الفجوات الطبقية، وذلك لأن الرأسمالية تعمد في الأساس إلى تركيز أصول رأس المال في أيدي حفنة من الأغنياء مما جعل الطبقة المتوسطة تتوارى شيئا فشيئا والاقتصاد العالمي يتجه تدريجيا نحو الركود.
ويمكن وصف أولئك الأغنياء المسيطرين على رأس المال بالأغلبية الصامتة في كل دولة، فبصرف النظر عن الساسة في الدول العظمى وأتباعهم، فإن هناك مجموعة ممن يمكن نعتهم بالرأسماليين الصامتين وذلك نظرا لكونهم المستفيد الأول من أطماع الرأسمالية مما يجعلهم لا يتطرقون بالحديث أبدا إلى المشكلات المجتمعية التي خلفتها الرأسمالية وذلك من منطلق الخوف على مناصبهم وسمعتهم بين الناس والتي اجتهدوا طويلا من أجل تأسيسها.
وختاما، فإنه يمكن القول بأن العالم في حاجة ماسة حاليا إلى مجموعة من الأشياء، فهو في حاجة إلى اقتصاد عالمي يعمد إلى المساواة بين البشر وليس أن يجعل الغني أكثر غنى، وتفعيل النظم الديمقراطية وإقرارها بصورة فعلية تجنبا لظهور التيارات المتطرفة، كما يجب أن يتحقق التعاون بين شعوب العالم وأن يتعلم الجميع احترام وتقدير كافة المخلوقات على كوكب الأرض.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى