المغالاة في المصروفات الدراسية الجامعية تسلط الضوء على الوجه القبيح للبيروقراطية والإسراف في الإنفاق على المنشآت التعليمية
يشهد قطاع التعليم الجامعي بوجه عام ارتفاعا غير مسبوق في المصروفات الدراسية للطلاب، والتي تراوحت مؤخرا ما بين 80 إلى 180 ألف دولار في بعض الجامعات الحكومية والخاصة، مما يعكس حجم الأزمة التي يمثلها الدين الطلابي البلغ قيمته 1.3 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية ويشكل خطورة كبرى على الموازنة العامة للدولة ويهدد بتفجير بأزمة وشيكة.
ولعل ذلك ما جعل الإنفاق الخاص بالجامعات قضية خاضعة للفحص والتدقيق من قبل بعض الجهات الرسمية المختصة، حيث أثار هذا التدقيق بعض التساؤلات عن أولويات الإنفاق الجامعي.
وقد واجهت إدارة جامعة كاليفورنيا اتهامات عندما كشفت المراجعة الحسابية الدورية أن مكتب رئيس الجامعة قد قام بتحصيل مبالغ طائلة تم توظيفها على نحو مضلل وغير مشروع، حيث قام المسئول الرفيع بإغداق الرواتب السخية على موظفيه دون وجه حق، مما اعتبر تلاعبا واضحا في الميزانية. الأمر الذي فشل في تبريره تماما من خلال إدراجه عبثا ضمن المبادرات التي تقوم الجامعة بتنفيذها.
وقد هدف ذلك التدقيق في الأساس إلى التعرف على حجم النفقات الإدارية خلال السنوات المالية 2012/2013 و 2015/2016. حيث لوحظ زيادة مرتفعة في قيمة الإنفاق الإداري لرئيس الجامعة بواقع 28% أو ما يعادل 80 مليون دولار. كما كشفت المراجعات الحسابية أيضا عن زيادة في رواتب عشرة من الموظفين دون غيرهم بما يعادل 700 مليون دولار خلال العام 2014 وذلك بالمقارنة برواتب نظرائهم من الموظفين الآخرين. حيث حصل أولئك العشرة على ما مجموعه 3.7 مليون دولار خلال ذلك العام. ولكن الارتفاع الحاد في المصروفات الجامعية لم يقتصر على جامعة كاليفورنيا فحسب، فقد شهد قطاع التعليم العالي في جميع أنحاء العالم ارتفاعا حادا في المصروفات الدراسية.
وبحسب البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاءات التعليمية، فقد بلغ حجم الإنفاق الخاص بالمعاهد التعليمية الحكومية والخاصة خلال العام الدراسي 1980/1981 إجمالي 20.7 على عملية التدريس، و13 مليار أخرى على الدعم الأكاديمي والخدمات الطلابية الأخرى. وبحلول العام الدراسي 2014/2015 ارتفع إجمالي النفقات التعليمية إلى 148 مليار دولار وبلغ حجم المصروفات الإدارية 122.3 مليار دولار. وبعبارة أخرى، فقد شكل الإنفاق الإداري 26% فقط من إجمالي الإنفاق التعليمي للجامعات الأمريكية خلال العام 1980/ 1981 بينما بلغت قيمة الإنفاق على الجهاز التعليمي 41%
وبمرور ثلاثة عقود، تساوت الفئتان تقريبا، حيث شكل الإنفاق الإداري 24% من إجمالي إنفاق الجامات في حين بلغ الإنفاق التعليمي 29%
المبالغة في التوظيف داخل الجامعات يطرح المزيد من التساؤلات
إن التكاليف الضخمة للعملية التعليمية والديون الطلابية المتراكمة عبر السنوات المتتابعة قد دفعت الجامعات نحو إعادة هيكلة وتقييم الإنفاق الخاص بها، وذلك بعد أن ازداد تسليط الضوء مؤخرا على قضية “تضخم المصروفات الإدارية” حيث يحقق بعض الباحثيين المعنيين في تلك القضية، ويكتب الصحافيون بعض الأعمدة والافتتاحيات النارية، كما يحتج الطلاب على ارتفاع المصروفات الدراسية. ويطرح الجميع السؤال نفسه: لماذا تقوم الجامعات بتوظيف كل هذه الأعداد من الإداريين! وبخاصة أنه لا أحد يعرف حرفيا من هؤلاء؟ وماذا يفعلون بالظبط داخل مكاتبهم؟
وبالرغم من أن العديد من الطلاب وأولياء أمورهم وأعضاء هيئة التدريس بل والإداريين أنفسهم يقدمون وجهات نظر مختلفة حول تلك القضية، إلا أن العوامل الرئيسية التي تدفع الجامعات نحو توظيف ذلك العدد الكبير من الموظفين غالبا ما تعكس نوع من التغيير الواضح في طبيعة منظومة التعليم الجامعي بوجه عام، بما في ذلك اللوائح الحكومية والمنافسة بين المدارس والاحتياجات والتطلعات المتزايدة للأجيال الجديدة من الطلاب.
للبيروقراطية وجوه كثيرة
وقد يكون الأمر الأكثر إثارة للجدل هو مجموعة من اللوائح الوطنية والفيدرالية المعنية بتنظيم عمل الجامعات، كـ قانون (كليري) الذي يفرض على الجامعات ضرورة الإبلاغ الدوري عن أية وقائع أو أنشطة إجرامية تحدث في نطاق الحرم الجامعي، واللوائح الجديدة المختصة بالتعامل مع وقائع التحرش الجنسي، وقانون الحقوق التعليمية والخصوصية الأسرية والذي يتيح إمكانية توفير السجلات التعليمية لبعض الكيانات العامة.
ففي عامي 2013 و2014 أصدرت وزارة التعليم عدد من القوانين واللوائح المتعلقة بعشرة قضايا مستجدة، والتي تراوحت ما بين برامج إعداد المعلمين، ومتطلبات حسابات صافي الأسعار والتكاليف، وبرنامج التحقق من الحالة الاجتماعية للطالب والذي يتم في ضوئه تحديد حجم الدعم الطلابي المستحق FAFSA verification وحقيقة الأمر، فإن الامتثال الحرفي لتلك اللوائح التنظيمية يتطلب توظيف عدد كبير من الإداريين كما أنه يستهلك وقتا كبيرا من أعضاء هيئة التدريس والموظفين.
سباق التسلح داخل مضمار التعليم الجامعي
هناك جانب آخر من جوانب المغالاة في الإنفاق الإداري في التعليم الجامعي، ذلك الذي يتعلق بالمنافسة الشرسة بين الجامعات من أجل اجتذاب الطلاب من خلال الإعلان عن مزايا متنوعة وبرامج تعليمية براقة، وبالتالي فكلما تنوعت المجالات وأبواب الجذب الطلابي كلما تطلب الأمر توظيف عدد أكبر من الإداريين للاشتغال على البرامج الجديدة.
ومن ناحية أخرى، فإن التوقعات المتزايدة من الآباء تجاه أبنائهم الطلاب داخل الجامعة من حيث قيام المسؤولين بتقديم المساعدة المهنية والصحية والاستشارات اللازمة للطلاب، وبخاصة أولئك الذين يعانون من مشكلات عقلية، ناهيك عن حجم التنوع الهائل في الفئات الطلابية الذي تشهده الساحات الجامعية مؤخرا، كما أن حجم الطلاب المستحقين للمنح التعليمية الحكومية قد تضاعف كثيرا منذ عام 1981 وعليه فقد قام أعضاء هيئة التدريس سابقا بتنفيذ تلك المهام الإضافية، وحاليا يتولى الإداريون تلك المسئوليات بدلا منهم.
المفارقة الكبرى بين أعداد الأساتذة والإداريين .. أمر مثير للجدل
ومن الأمور المثيرة للجدل أيضا حول ارتفاع نسبة التوظيف داخل الجامعات، هو المفارقة الكبرى بين أعداد أعضاء هيئة التدريس وأعداد الإداريين المتزايدة على نحو ملحوظ، فقد ظلت المسافة بين الفريقين تتقلص باستمرا حتى أشارت نتائح أحد البحوث التي أجريت مؤخرا إلى تساوي الفئتين تقريبا داخل بعض الجامعات ومؤسسات البحث العلمي.
وعلى الرغم من أن معظم الموظفين الإداريين يتساوون مع موظفي القطاع الخاص من حيث الحصول على نفس الرواتب تقريبا، إلا أن الغالبية العظمى من مؤسسات التعليم العالي غير ربحية، وبالتالي فهي تخضع في الأساس لسلطة مجلس الأمناء والمانحين، وفي حالة المؤسسات العامة تكون السلطة لدافعي الضرائب وليس المساهمين كما هو الحال بالنسبة للشركات.
وعادة ما تواجه المؤسسات التعليمية معضلة الموازنة بين الحفاظ على الهدف الأساسي وهو تعليم الطلاب، وكيفية جني الأرباح من أجل مواصلة العمل، الأمر الذي يدفع بعض الجامعات إلى إعادة هيكلة أنظمة العمل بها ومحاولة الحد من البيروقراطية. ومن الإشكاليات المطروحة عادة في هذا الإطار، هو نظرة المجتمع إلى جوهر التعليم الجامعي وتقييمه في ضوء قاعدة (الأغلى سعرا هو الأعلى جودة). وهنا قد يظهر التنافس بين الجامعات من حيث قيام كل منهم بإبراز مميزاتها كي تجعل الطالب ووالديه أكثر قناعة بالمردود الفعلي للمصروفات المرتفعة المطلوب سدادها.
وهنا لابد من طرح التساؤل الأكثر أهمية، هل الجهات الرسمية المنوطة بمراقبة الإنفاق الجامعي مؤهلة تماما لتقديم تقارير وافية ودقيقة! والحقيقة هي أن تلك الجهات غالبًا ما تفتقر إلى الخبرة اللازمة لمراقبة الإنفاق على الكليات والجامعات والميزانيات مما يجعلها في حاجة إلى إعادة تأهيل. وطوال الوقت ، لا تزال هناك مخاوف بشأن ما إذا كان الإنفاق الإداري المتزايد ينتقص من القيمة الفعلية للمهمة الأساسية للتعليم العالي؛ وهي منح الطلاب المعرفة التي يحتاجونها للإنطلاق في سوق العمل وبناء المجتمعات في المستقبل.
رابط المقال من المصدر اضغط هنا
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا