هل ينجح الفيدرالي الأمريكي في علاج الاقتصاد العالمي؟
في خطوة مفاجأة ولم تتوقعها الأسواق المالية العالمية وكذلك المراقبين، أقدمت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح التابعة للمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتاريخ 3 مارس/آذار 2020 على تخفيض سعر الفائدة لديها على الأموال الفيدرالية بنصف نقطة مئوية، ليصبح نطاق الفائدة 1.0% – 1.25%. وتأتي خطوة تخفيض سعر الفائدة في حجمها وتوقيتها شبيهة بما حصل في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 عندما انهارت الأسواق وهرعت السلطات النقدية لاتخاذ إجراءات تيسيرية ومالية محفزة. وليس غريباً أن يقوم الفيدرالي الأمريكي اليوم وقبل 15 يوماً من اجتماعه المقرر وفق أجندته السنوية يومي 17 و18 مارس آذار 2020 بخفض سعر الفائدة لديه، إلا للدلالة على عمق الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتأثر الاقتصاد العالمي جراء انتشار فيروس كورونا، وفي محاولة منه لتحفيز الاقتصاد الأمريكي- وإن كان الضرر لم يطاله بعد- وكذلك الاقتصاد العالمي لمواجهة الركود المتوقع.
وفي هذا السياق وفي إشارة الى الأثر الذي قد يتركه هذا الفيروس على الاقتصاد العالمي، توقعت مديرة صندوق النقد الدولي، خلال اجتماع مجموعة دول العشرين في الرياض، أن يتراجع أداء الاقتصاد العالمي بنحو 0.1% خلال العام الحالي، والاقتصاد الصيني- وهو أكبر اقتصاد محرك للاقتصاد العالمي- بنحو 0.4%. كما شهدت أسواق المال والبورصات العالمية انهيارات كبيرة وتراجع سعر النفط مهدداً الدول المنتجة والمصدرة للنفط بتوسع عجوزات موازناتها وتوقف مشاريعها التنموية القائمة. ويذكر أيضاً بأن وكالة الطاقة الدولية كانت قد عدلت من توقعاتها للطلب العالمي على النفط بالخفض بحوالي 435 ألف برميل يومياً للربع الأول من العام الجاري – وهو أكبر تخفيض منذ عشر سنوات. هذا إضافة الى التراجع الحاد في التجارة العالمية وتدفقات السلع والتوريدات والسياحة العالمية والانفاق الاستهلاكي وتجارة التجزئة وغيرها.
إزاء هذا الواقع، وفي محاولة علاجية وسريعة، لجأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، شأنه شأن الكثير من البنوك المركزية، الى تيسير سياسته النقدية على أمل تحفيز الاقتصاد وفي محاولة منه لدرء مخاطر أزمة تفشي فيروس كورونا، علماً بأنه الوحيد بين البنوك المركزية الرئيسية في العالم (بخلاف البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان المركزي الذين هما في منطقة سلبية) الذي لا يزال يملك حيزاً كافيا من سعر الفائدة يستطيع التحرك من خلاله، وربما يكرر تلك الخطوة قريبا إذا ما تفاقمت الأوضاع الاقتصادية سوءًا. فهل ينجح الاحتياطي الفيدرالي في ذلك؟؟
من وجهة النظر الاقتصادية والنقدية، فإن جل ما تملكه البنوك المركزية في جعبتها وقيد التصرف في الوقت الراهن هو أداة سعر الفائدة وربما بعض الأدوات المالية والنقدية الأخرى. ولكن بنظر البعض الآخر فإن تلك السياسة لن تحل المشكلة الصحية، ولن تحرك المياه الراكدة، ولن تنشل الاقتصاد العالمي من أزمته، كما أن أثر تخفيض سعر الفائدة الأميركية سيكون في المقام الأول على الاقتصاد الأمريكي كونه الأقل تضرراً من الفيروس. فالأزمة تلك لا يمكن علاجها فقط بتخفيض سعر الفائدة، وإن كانت هي المتاحة حالياً. فالأسواق الاستهلاكية شبه خالية في الكثير من المدن والعواصم، والسياحة شبه معدومة من والى الكثير من الدول، والنشاط التجاري أصابه بعض الشلل، والدول المصدرة للنفط الى الصين ودول شرق آسيا تبحث الآن عن أسواق بديلة، ومنظمة أوبك قد تعمد الى اتخاذ قرار بتخفيض انتاجها من النفط الخام. لا شك أن الرعب قد أصاب العالم من أقصاه الى أقصاه، إن في الدول المصابة بهذا الفيروس أو دولاً تنتظر دورها.
انطلاقاً من هذا الواقع المرير والصورة القاتمة، فإن الحل الوحيد ليس في سياسات نقدية او مالية تحفيزية للاقتصاد العالمي بقدر ما هو إجراءات صحية وعلاجية ووقائية يجب اتخاذها تعيد الصحة والعافية الى محركات الاقتصاد العالمي. فالأزمة هي صدمة تتعلق بالإمدادات والتواصل الدولي في ضل العولمة وهي بالتالي أزمة عابرة للحدود، ولا يمكن معالجتها بسعر الفائدة أو محاربتها بالسياسة النقدية أو المالية. فالحل ينبغي أن يكون طبياً؛ فالإجراءات النقدية والمالية لا تساعد عندما يكون الغذاء والماء غير سليمين وغير آمنين. فسياسات تشجيع الاقتصاد تكون نافعة ومؤثرة عندما تكون أسباب الأزمات أسباب اقتصادية أو مالية، أما في الوضع الراهن فإن ما ينبغي عمله هو تكاتف الدول جميعاً – المتضررة وغير المتضررة – لوضع حد لعلاج هذا الفيروس، لأن ما من دولة تبدو محصنة.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا