ماذا سيكون مصير العالم في حال استمر الإنتاج النفطي السعودي في الانخفاض في أعقاب الهجمات الأخيرة على منشآت أرامكو؟
في تصريح سابق له، حذر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من احتمال وصول أسعار النفط إلى معدلات غير مسبوقة، وذلك في حال اندلاع حرب مع إيران. مؤكدا على أهمية تكاتف دول العالم من أجل التصدي للخطر الفارسي.
وعلى الرغم من كونه معروفا بآرائه المتشددة تجاه طهران، إلا أن حديث بن سلمان عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط قد يحمل دلالة ما. فما هي المعدلات المحتملة حينئذ، هل 100 دولار أم 300 دولار للبرميل الواحد! وكيف سيصبح شكل العالم إذا ما بلغت أسعار النفط هذا الحد!
والجدير بالذكر أن الهجمات الأخيرة التي استهدفت المواقع النفطية الهامة التابعة لشركة أرامكو السعودية، قد نسبت في الأساس إلى إيران، وذلك رغم إعلان جماعة الحوثي في اليمن مسئوليتها عن تلك الضربات التي تم تنفيذها بإحدى الطائرات المسيرة. ويرى البعض في هذا الحدث دليلا قاطعا على قدرة إيران على النفاذ إلى العمق السعودي إلى جانب قدرتها على خوض حرب شاملة أيضا.
وقد تسببت تلك الهجمات في تخفيض معدل الإنتاج النفطي السعودي بواقع 5.7 برميل يوميا، وهنا يكمن الخطر فكيف سيكون حال العالم إذا ما استمر حجم الإنتاج في التراجع! بالطبع ستصبح الصناعة النفطية العالمية بوجه عام محفوفة بالمخاطر.
على الرغم من أن ذلك السيناريو يبدو افتراضيا إلى حد كبير، إلا أن هجمات 14 سبتمبر قد أنذرت بإمكانية تحوله إلى حقيقة وأمر واقع، ولعل كلمات بن سلمان السابقة يمكن تفسيرها في ضوء الأحداث الأخيرة، فمن الطبيعي أن تلك الهجمات التي تسببت في خسارة قرابة 6 مليون برميل يوميا من النفط من شأنها أن تؤدي إلى هزة عنيفة في أسعار النفط العالمي، ولعل ذلك الأثر يمكن وصفه بالأكثر خطورة من تحطم المواقع النفطية السعودية نفسها.
وفي أعقاب تلك الهجمات، تصدر سعر خام برنت لفترة قصيرة بواقع 70 دولار للبرميل الواحد، ثم مالبث وأن تراجع بعد تصريحات رسمية من قبل المملكة العربية السعودية. وعندما أشارت بعض التقارير إلى أن استعادة المعدلا ت الطبيعية للإنتاج النفطي قد تستغرق شهورا طويلة، شهدت مؤشرات الأسعار ارتفاعا ملحوظا مرة أخرى. وفي غضون ذلك حرصت الرياض على طمأنة العالم حول قدرة المملكة على إعادة القدرات الإنتاجية إلى معدلاتها الطبيعية خلال فترة قصيرة، الأمر الذي ساعد على استقرار أسعار النفط وكأن شئ لم يحدث أبدا.
وقد ظهرت بعض التوقعات التي تقول باحتمال وصول سعر خام برنت إلى 100 دولار برميل، ولكن هناك من عارض ذلك بزعم أنه لا يوجد سبب منطقي لارتفاع أسعار النفط على هذا النحو وبخاصة أن بعض أعضاء منظمة الأوبك يمكنهم تعويض الفاقد في الإنتاج العالمي، هذا إلى جانب الإنتاج النفطي الأمريكي من الصخر الزيتي، ولكن الاعتماد على الأوبك وعلى الإنتاج الأمريكي قد يبدو سيناريو متفائلا أكثر من اللازم في نظر فريق من المحللين.
وبالحديث عن أعضاء الأوبك، فإنه تجدر الإشارة إلى أن كل من الإمارات وإيران هما الأعلى إنتاجا للنفط، ولكن في حال اندلاع حرب بينهما فإن إنتاجهما اليومي سيشهد انخفاضا ملحوظا وبالتالي فإن تعويض الفاقد في المعدل العالمي اليومي والمقدر بـ 6 ملايين برميل تقريبا قد يصبح مسئولية أمريكية بحتة اعتمادا على إنتاج واشنطن من الصخر الزيتي.
وعلى الرغم من حرص الولايات المتحدة على زيادة إنتاجها سنويا من النفط، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد بأن معدل الزيادة قد لا يكون مستداما، فحقيقة الأمر أن 6 مليون برميل يوميا هو معدل كبير لا يمكن لمنتج واحد للنفط الإيفاء به بصورة دائمة.
ومن المتوقع أن تشهد أسعار النفط العالمية ارتفاعا هائلا في حال استمر حجم العجز المقدر بـ 6 مليون برميل يوميا لأمد طويل، أو في حال تم إغلاق مضيق هرمز أو إذا ما تعرضت السعودية لهجمات جديدة، وهنا سيتحول الكابوس إلى حقيقة.
وفي حال عجز السعودية عن استعادة معدل الإنتاج الطبيعي خلال فترة قصيرة، فإنه لا يمكن توقع من الدولة التي سوف تتصدر المشهد من أجل تعويض الفاقد في السوق العالمية والعمل على استقرار أسعار النفط، فمن الطبيعي في تلك الحالة أن تتسابق جميع الدول المنتجة للنفط لزيادة إنتاجها اليومي من أجل السيطرة على أسواق النفط العالمية، ومن المتوقع أيضا أن تعمد الدول إلى استهلاك الحد الأقصى من مخزونها الاستراتيجي النفطي من أجل التكيف مع حجم الطلب العالمي، ولكن هذا الحل يبدو قصير المدى في جميع الأحوال.
وبالنسبة للدول الكبرى المستهلكة للنفط كالصين والهند، فمن البديهي أن تبحث كلا منهما على مصدر بديل لواردات النفط، ولكن ارتفاع الأسعار على أية حال سوف يضرب الصناعة الصينية والهندية في مقتل إذا ما تحقق السيناريو السابق، وعلى الرغم من صعوبة تحديد حجم المخزون الصيني من النفط، إلا أنه على الأرجح إذا ما تدهورت الأحوال، فإن هذا المخزون الاستراتيجي سوف يتعرض للنفاذ سريعا.
أما الهند فتحرص بشكل جاد على بناء المزيد من المخازن من أجل الاحتفاظ بكميات إضافية من الواردات النفطية تحسبا لأي توتر من شأنه أن يحدث داخل منطقة الشرق الأوسط.
ويبقى التساؤل الأكثر جدلا، ماذا سيحدث إذا لم تتمكن السعودية من إعادة الإنتاج النفطي اليومي إلى معدلاته الطبيعية! وماذا سيكون حال العالم إذا ما تم حرمانه من الإمدادات النفطية المقدرة بـ 20 مليون برميل يوميا في حال تعرض مضيق هرمز للإغلاق! إلى جانب التخوف الأكبر من اضطرار الدول النفطية الأخرى إلى خفض إنتاجها لأي سبب محتمل، وهنا قد يلوح شبح الأسعار ما بين 100 دولار إلى 300 دولار للبرميل الواحد في الآفاق.
وبالتالي فإن حديث بن سلمان عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والذي اعتبره البعض نوعا من المبالغة قد يبدو منطقيا في ضوء الأحداث الراهنة و السيناريوهات المستقبلية المتوقعة.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا