لمن يبحث عن إجابة خاطفة، أقول له كلا، ليس الإسلام هو السبب في كون منطقة الشرق الأوسط غير مستقرة. بالرغم من وجود عديد من الدول ممن يخلقون عدم الاستقرار بأسم الدين. أما الإجابة المُقنِعة والطويلة، فتتكون من عدة عناوين فرعية، بدءاً من:
مدى تأثير الإسلام على سياسة الدول في الشرق الأوسط واقتصادها
من بين 17 دولة في الشرق الأوسط، هناك جمهورية إسلامية واحدة فقط وهي دولة الإيران، أي أن سياستها مترتبة على أساس الدين. لكن في الحقيقة توجد عديد من الدول التي تطبق الشريعة الاسلامية من اجل اغراض قانونية إن لم تكن سياسية. دولة القطر، على سبيل المثال، تقوم بجلد الزاني وقطع يد السارق وتطبيق قانون القصاص بالرغم من أن سياستها ليست اسلامية، وبالتأكيد فهي ليست الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، تتبعها السعودية والإمارات واليمن.
إلا إن هذه الدول لا تطبق الشريعة في جميع مجالات الحياة بمعنى حرفي ودقيق، واغلب الفتاوى تؤخذ بإطار شخصي بدلاً من القانوني، والحكام هُم السلطة الأعلى وليس رجال الدين. وهذا ما يجعل سياسة دولتهم مرنة وحُرة، حيث لا يأخذون آراء المتدينين في ادارة الدولة والتعامل مع الأطراف الخارجية. وخير المثال على ذلك هو تطبيع دولتا الإمارات والبحرين مع إسرائيل في شهر أغسطس من العام الحالي.
بالرغم من قيادتهم الحرة، يجب على حكام الدول التي تحتكم بالشريعة أن يلعبوا بحذر، عليهم أن يوازنوا بدقة بين رغباتهم الشخصية (التي تتوافق او تتعارض مع الدين الإسلامي) وبين دساتير وقوانين الاسلامية وبين مصلحة الدولة والشعب. هناك تغرُب واضح في معالم هذه الدول العربية والغير العربية، حيث يدعم الملوك والسلاطين احتضان دولتهم للحداثة والتقدم العلمي والتقني، ويقف رجال الدين مع ذلك إما مُجبرين أو مُتفهمين. الشيء الذي نراه في السعودية التي وافقت لإعطاء رخصة السياقة للمرأة في عام 2019 على الرغم من فتاوى سابقة التي أكدت حرمتها.
اما تأثير الإسلام على اقتصاد الشرق الأوسط، فهناك حاجز واضح فيه ولكن ليس ذات تأثير قوي. القروض التي تحتوي على فوائد (ربا) مُنفرة جداً عند الدول الاسلامية، وكثير من المسلمين لا يطلبون قروضاً من البنوك خشية من الوقوع في الربا.
هذه العملية بالتأكيد سوف تمنع الدائن من الإقراض، وتمنع بعض المواطنين ايضاً من ايداع الأموال إلى البنوك. لكن درجة التأثير قليلة على اقتصاد الدول، وذلك بسبب ان بعض الدول العربية ذات مجتمع متنوع (تواجد غير المسلمين) لديها بنوك تقليدية بالإضافة إلى البنوك الإسلامية.
البنوك الإسلامية – التي تقدر رسملتها ب3 ترليون دولار حسب احصائيات 2016 – نجحت نوعا ما في القيام بنفس وظيفة البنوك التقليدية مع تعديلات بسيطة. مثلاً، بدلاً من إدارة البنك عن طريق الفائدة، يتفق المُدين على مشاركة بعض من ارباحه مع البنك.
بالنسبة لانتاجية المحلية للدول العربية، فهي قليلة للغاية، بالكاد بارزة في الاقتصاد العالمي، ويعود السبب الى وجود كميات كبيرة من الوقود الاحفوري الذي يوفر إيرادات عالية جداً للحكومة مما يجعلها تزيد من نسب القطاع العام (الذي لا ينتج أي سلع على الإطلاق، ما هي سوى وظائف خدمية فقط) على حساب قطاع الخاص. لا يبدو واضحاً أن الإسلام يلعب دوراً في ذلك، بل ان قلة الانتاجية جاءت من سوء الادارة والاستثمار في الرأسمالية البشرية والمصانع الإنتاجية في الدول العربية خاصةً.
حتى الآن، لم يقف الإسلام في سبيل استقرار منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من وجود جماعات اسلامية مسلحة متطرفة فيها،إلا إن ذلك لا يدخل في مُعادلة سياسة الدول تجاه بعضها البعض. والاقتصاد ضعيف لقلة الانتاجية والاستثمار فعلي.
التوسعات السنية والتوسعات الشيعية والاصطدامات الحاصلة بينهما في الشرق الأوسط
تاريخ الصراعات التي حصلت بين أكبر طائفتين في الإسلام (السنة والشيعة) يمتد إلى أكثر من 1300 عام. وما زالت حتى اليوم هناك بعض من التشاحنات السلبية في خلفية عقل كل من الشيعي والسني، وهذا التوتر والقلق التي تبرز عند التقاء بعضهما بالآخر هو ما يجعل استقرار الشرق الأوسط مهدداً. لأنه يمكن دائماً استغلال تلك الشحنات من قبل رجال الدين او السياسيين لخلق فتن وحروب بينهما.
بالرغم من اتفاق كلا المذهبين في عدم اقتتال بعضهما البعض لاغراض دينية، إلا انهما يطمحان لتوسع دائم على حساب الآخر في منطقة الشرق الأوسط. وسوف يستعملون أي إختلاف سواءاً كان دينياً أم عرقياً أم تاريخياً لتأجيج ذلك.
على ما يبدو أن قراءة القرآن وحده لا يكفي للمتدين المسلم، بل عليه أن يقرأ تفسيرات من كُتب مذهب معين، وأحاديث نبوية التي تزاد عليها أو تنقص منها حسب طائفة الناقل والمؤلف. ثم إن أراد المؤمن ان يراجع تاريخ دينه، فيرى بأن هناك زاويتان للنظر إليه، اما من منظور شيعي ام سني، الوقائع الحقيقية، التي عليها أن تكون موضوعية وثابتة، تنشق إلى حقيقتين مختلفتين تساعد كلاً منها مذهب معين.
بعيداً عن “الحملات التوعوية” والدُعاة الذين يجذبون الناس إلى مذهبهم الخاص، والقنوات الفضائية التي تبث علوم الدين من وجهة نظر مذهب واحد، والبرامج المُناظرات التي تضع السني مع الشيعي لكي يخرجوا اختلافاتهم اكثر واكثر. نحن هنا نركز على التوسع الحقيقي التي تأتي من جانب الحكومات لمساعدة مذهب واحد للاستعلاء على الآخر.
يمكن حصر الشيعة وتحديد منطقة كثافتها في الشرق الأوسط، بينما المذهب السني ( بالإضافة إلى الشرق الأوسط ) لديه أيضاً جمهور واسع خارج نطاق المنطقة ومن مختلف العروق. هذه الاحصائية تعطي الشيعة دافعاً وحافزاً للتوسع أكثر من السنة والفوز بالدول المتنوعة كالعراق ولبنان وسوريا والبحرين واليمن والكويت. لكنها تلتقي بناظرها من التوسع السني الذي يقاوم التغير الديموغرافي في الشرق الأوسط.
بالرغم من محاولات الطرفين لاقناع الجماهير بمميزات مذهبهم، الشيء الذي يحدد ما إذا كان الشخص يصبح سنياً ام شيعياً هو أبواه والبيئة المترعرعة فيها. فور تجاوز الشخص سن الطفولة والمراهقة، يصعب عليه التحول الى مذهب آخر أو حتى التعاطف معه. لذلك، ما يوسع المذاهب في الحقيقة هو معدلات النمو ومعدلات الخصوبة وليس معدلات التوعية الطائفية. وهذه بدورها تعطي حافزاً آخر للحكومات السنية والشيعية وسياستهم الخارجية في محاولة إحداث تغير ديموغرافي بشتى الوسائل في المناطق المتنازعة عليها.
لكننا لم نرَ في الواقع أي توسع فعلي من كلا الطرفين في منطقة الشرق الأوسط طوال القرن الواحد والعشرين. والحروب التي تبدو وكأنها طائفية فوق السطح، هي في الباطن حروب تتعلق بالبحث عن حلفاء موثوق بهم؛ بمعنى أن الدول السنية تبحث عن مجاميع مشابهة لها ومشتركة بنقطة أصل معينة، حيث يمكن الثقة بهم داخل دول ذات طوائف متنوعة من أجل كسب حليف آخر في الشرق الأوسط. وكذلك الدول الشيعية تحاول أن تفعل المثل. هناك حروب بالوكالة بالطبع بين دول السنية والشيعية العظمى لمنع البعض من السيطرة على حكومات دول اخرى متنوعة الطوائف.
وإلا في الحقيقة، هناك صراعات أخرى بين الدول السنية نفسها، وكذلك بين الدول الشيعية نفسها، مما يلمح إلى وجود طموحات أخرى غير المذهب الذي يجعل الشرق الأوسط ملتهباً. علاقات بين أذربيجان وإيران، وعلاقات بين قطر والسعودية، على سبيل مثال، يوحي لنا بأنه هناك صراع من أجل القوة والمصادر المحدودة، بين الدول ذات حكومة ذات مذهب موحد.
إن لم يكن الإسلام، فما الذي إذاً يؤجج كل تلك المشاكل؟
كما قلنا في البداية، إنها الاقتصاد ثم السياسة، لا علاقة للإسلام بالحروب التي تحصل بين البلدان الإسلامية، ولا علاقة للإسلام بتخلف الدول العربية. لربما النفط هو المُلام الأعظم في عدم استقرار الشرق الأوسط، بقدرته على تبطيء نمو الاقتصاد وتنوعه. لعنة النفط، التي تجعل الدول تحارب على كسب الأراضي بدلا من أن تطور اقتصادها، لأنهم يؤمنون بأن المزيد من الاراضي بالتأكيد سوف يجعل اقتصادهم ينمو مع زيادة إيرادات النفط.
ودول الشرق الاوسط هي دول ذات اقتصاد ريعي (أي تعتمد على مصدر واحد للعيش وهو النفط). فليست لها قدرة فعلية على جني إيرادات من الضرائب. الدول العربية هي ايضاً من الدول الريعية، والتي تعني بانها تكتسب قوت يومها من الخارج وليس من الداخل. الحكومة تكسب المال من النفط فهي تلبي حاجتها وتترك شعبها ولا تستثمر فيهم لرفع من قيمة رأسمالي بشري. على العكس الحكومات التي تعتمد على الضرائب التي تكون مجبورة أن ترفع من مستويات معيشة الأفراد لكي تتمكن من فرض الضرائب عليهم، الدول العربية لا تحتاج إلى شعبها للنمو بل تحتاج إلى آبار نفطية للبقاء. نتيجة ذلك تكبر الحكومة على حساب شعوبها وعلى حساب الوطن. أعلم أن هذا ليس بخبر جديد، فكلنا نعلم بأن النفط هو العائق الوحيد في سبيل تقدم الأمم العربية والسبب في وجود حروب داخل قوقعة الشرق الأوسط.
السياسة هي الجزء الآخر من السبب، ايدلوجيا الملوك وحكام العرب هي خطيرة جداً، فعادة يكون هؤلاء غير كفوئين لادارة البلاد ولا يمتلكون أي خطط ناجحة لرفع لعنة النفط من الدولة. مما يبطئ من سرعة نمو اقتصاد شرق الاوسط.
غياب أصوات المُعارضة في العديد من الدول العربية تزيد من الطين بلة، وغياب الديموقراطية ستؤدي حتماً يوماً ما إلى انشقاق الدول المستبدة من الداخل. عادةً يضطر هؤلاء الأشخاص المعارضين إلى المقاومة عن طريق السلاح للصعود إلى السلطة.
الخاتمة
كما هو واضح من التاريخ أن حكومات الدول العربية والغير العربية حاولت وما زالت تحاول دائماً أن تتغطى بلباس الدين وتستخدم الإسلام لصالحها من أجل كسب مصادر مادية ثمينة ومحدودة. تأثير الإسلام على ساسة الدولة قليلة، ليس لأن الدين الإسلامي غير كامل، بل لأن السياسة المعاصرة تتألف من آلالاف من التكتيكات الحديثة ومفاهيم ونظريات لا تمت للدين بصلة، محاولة إدخال الدين إلى هذه السياسات أو إدخال تلك السياسات للدين هي بدعة مبتكرة لم تتواجد في العصور السابقة. نعم، توجد هناك بعض من السياسة والاقتصاد في الدين الإسلامي وأغراض أخرى متعلقة بها، لكن ليس لذلك الحد الذي يزعمه حكام ورؤساء دول الشرق الأوسط.