ارتفعت اللافتات وعلت الأصوات تنادي بإلغاء الكمامات.
شاهد أحمد الاحتجاجات على شاشة تلفازه التي ينقلها البث من دول مختلفة.
تذكرَ فورًا صديقه هاني الذي يرفض ارتداء كمامته متعللًا أن لا فائدة منها.
وتعجب كيف يتجاهل الناس خطر الإصابة بالعدوى ويحتجون للتخلص من وسائل الوقاية!
فهو يتبع تعليمات الوقاية بدقة، بل إنه ابتاع مخزونًا من الكمامات يكفي لثلاثة أشهر خوفًا من نفاذها، ولا يغادر منزله بدونها.
تتباين ردود الفعل نحو ارتداء الكمامة من الناحية النفسية، فبينما يرفضها بعض الناس بضراوة، يتمسك بها آخرون بشدة.
هل الأمر عائدُ لطبائع الأشخاص؟ أم للإعلام والثقافة المجتمعية اليد الأكبر؟
ارتداء الكمامة بين القبول والرفض
جديرٌ بالذكر أن جائحة كوفيد أثرت على الأفراد والمجتمعات وعلى اقتصاد الشركات بشكلٍ كبير، وكان أيضًا لفرض ارتداء الكمامة في بعض الدول أثره.
إن كان لك أولاد وطلبت منهم خلع الحذاء قبل الدخول للمنزل، يوافقك أحدهم عن طيب خاطر والآخر يعارضك ولا يستجيب.
توجد عقليتين للتعامل مع الأوامر، العقلية السلسة التي تستجيب ولا تجد غضاضة في اتباع الأوامر، والعقلية المنغلقة التي تتحسس إن حاول أحدهم أن يملي عليها ما تفعله.
ينطبق الأمر ذاته على الكبار في استجابتهم للأوامر الصادرة بارتداء قناع الوجه.
ربما تبدو هذه كفروق فردية بحتة، ولكنها كذلك تعكس اتجاهًا مجتمعيًا.
إذ يتأقلم الأفراد على الاستجابة للأوامر بمقاومة أقل في المجتمعات ذات القوانين الصارمة.
أما المجتمعات المنفتحة التي تتقبل الاختلاف وتحترمه، يشعر أفرادها بأن لهم الحق في رفض الأوامر وتزداد مقاومتهم لها.
قوة العاطفة تغلب على غريزة البقاء
تشير الأدلة العلمية بأهمية ارتداء الكمامة للوقاية من فيروس كورونا، لكن بعض الناس لا يفكرون بعقلانية حين يتحداهم المجهول.
في لحظة كان الجميع يذهبون إلى أعمالهم، ويخططون لمستقبلهم، وإذ فجأة يطلب منه الجلوس في المنزل لأجلٍ غير مسمى.
فقد الناس التحكم بحياتهم، وانتابهم القلق حول مصيرهم ومصير العالم الأجمع.
في مثل هذه المواقف يظهر ما يسمى بالتحيز التأكيدي Confirmation Bias، إذ يصدق الأشخاص فقط ما يطمئنهم ويرددونه محاولين إقناع الآخرين به.
وهكذا وجدنا العديد من الأشخاص يصدقون أن الجائحة ما هي إلا مؤامرة كبرى ولا أساس علمي لها.
ونزعوا الكمامات وأهملوا اتباع وسائل الوقاية معلنين بوضوح أنهم يقبلون تحدي فيروس كورونا لهم إن كان حقيقيًا.
رفض الكمامة لأسباب شخصية
تدافع الذكريات الأليمة من أسباب رفض ارتداء قناع الوجه من الناحية النفسية.
تعرضت داون نو للسطو المسلح في البنك الذي كانت تعمل فيه، وبرغم مرور 30 عامًا على الحادثة إلا أنه ما زالت تتذكر عيني المجرم.
لم يبدو من المنديل القماشي الذي غطى به وجهه سوى عينيه.
تذكر الكمامة داون نو بتلك التجربة الأليمة، ويضيق نفسها إذا اقترب منها شخص يرتدي كمامة وتصاب بنوبة هلع.
كذلك الأشخاص المصابون برهاب الأماكن المغلقة يواجهون الهلع والاختناق عند ارتداء الكمامة.
يرفض الرجال السود ارتداء الكمامات خاصة المصنوعة منزليًا لسبب مختلف.
بعض العصابات من العرق الأسود يرتدون المناديل القماشية على وجوههم، وارتداء الرجال السود للكمامات يجعلهم موضع اتهام وقد تطاردهم الشرطة.
الأطفال والكمامة
يمنع الأطفال الأقل من عامين من ارتداء الكمامات خوفًا من خطر اختناقهم بها، لكن من الصعب إقناع الأطفال الأكبر سنًا بضرورة ارتدائها.
يميل الأطفال عادة لعصيان الأوامر خاصة في فترة المراهقة، لكن هذا ليس السبب الوحيد.
حين ينظر الكبار لوجه أحد الأشخاص يستطيع تمييز وجهه والتعرف عليه حتى وإن قام بتغطية جزء منه.
الأطفال لا يملكون هذه القدرة قبل عامهم الرابع عشر، إنما ينظرون لملامح الوجه كلٍ على حدة.
يفزع الأطفال عند رؤية الأشخاص يغطون جزءً من وجوههم، ويفقدون القدرة على تمييز أصحاب هذه الأوجه.
رفض الكمامة طبيعي لدى الأطفال، وينصح بإبقائهم في أمان بالمنزل وعدم اصطحابهم للخارج أو فرض الكمامة بالقسوة عليهم.
تزيين الكمامات
تزيين الكمامات يساعد أطفالك على تقبلها، لكن ماذا عن الكبار؟ لماذا يميلون لاختيار الكمامات الملونة والمبهجة أو تزيينها بأنفسهم؟
نحن نتواصل مع بعضنا البعض بالكلمات وتعبيرات الوجه.
يصعب تمييز تعابير الوجه مع غياب ملامح الفم والخدين وراء الكمامة، مما يعيق التواصل الاجتماعي.
ومنه نشأت فكرة تزيين الكمامات بالألوان المبهجة لتعويض غياب ابتسامة الفم.
كيف نحث الناس على ارتداء الكمامات؟
إن كان لديك أقارب أو أصدقاء يرفضون ارتداء الكمامات، فإن الصراخ فيهم بأهميتها لن يجدي نفعًا.
يمكنك حثهم على ارتداء الكمامات بلطف حين:
1. تستمتع بعناية لأسباب رفضهم ارتداء الكمامة من الناحية النفسية، هل هو غضب؟ إحباط؟ ذكرى أليمة؟
2. تظهر احترامك لهم وتعاطفك، وتذكر بعض الأشخاص قد تعيقهم حالتهم الصحية عن ارتدائها.
3. تناقشهم في أهمية الكمامة ومخاطر الإصابة بالعدوى.
4. تتقبل موقفهم وتتخذ التدابير اللازمة للوقاية بنفسك لحمايتها.
إن كنت عزيزي القارئ من الأشخاص الذين يرفضون ارتداء الكمامة، استمع لصوتك الداخلي لتعرف السبب الحقيقي.
وعندما تتزاحم المشاعر الجياشة بداخلك عبر عنها، واطلب المساعدة حين تحتاجها.
المصادر:
https://www.aamc.org/news-insights/science-and-psychology-behind-masking-prevent-spread-covid-19
Why some people wear masks but others don’t: A look at the psychology
https://theconversation.com/philosophy-and-psychology-agree-yelling-at-people-who-arent-wearing-masks-wont-work-144661