اجتماعالاحدث

ثأر وانتقام… | كتب د. أحمد عياش

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

استيقظت ليلا، بيروت مستسلمة للظلام، الناس نيام على موعد مع انباء تعيسة كالعادة، ممددا على السرير،تناولت قلما و كتاباً وبدأت اكتب على الغلاف اسماء اللذين تسببوا بأذيتي منذ طفولتي ولغاية اليوم.

اعددت لائحة بالأسماء تحت عنوان عريض،الانتقام.

لا بدّ من الانتقام منهم الواحد تلو الآخر،عدلتُ عن التخطيط والتفكير بالبلاد وهموم العباد ،قدمت ثأري الشخصي على الجميع وسرحت.

ذهلت من عدد الاسماء،فاق العدد المئتين رغم محاولاتي الحثيثة ايجاد اسباب تخفيفية للمتهمين.

تناولت قلما يكتب بالحبر الاحمر وبدأت اختار لكل اسم طريقة أذية تليق بحقارته وبنذالته .

بحاجة لجيش دولة باكمله لانتقم من هؤلاء الاوغاد.

واجهتني مشكلة،بعض الاسماء اجنبية اوروبية والبعض الآخر عربية ولا يسكنون لبنان ولا اعرف عناوينهم الحالية وربما مات بعضهم.

شطبت اسماء المرضى منهم، معتبرا ان المرض المزمن المستعصي يعفيني من التدخل بمشيئة الاقدار الصحّية.

حذفت اسماء الذين تعثّرت احوالهم المهنية والمالية ويعيشون بظروف سيئة معتبرا ان العوز يعفيني من التدخل بمشيئة الاقدار الاجتماعية.

محيت اسماء اللذين تورطوا بالسياسة وبالعمالة وبالفضائح وباللوثة الطائفية وبمحاضر امنية وبشكاوى قضائية ما جعلهم منبوذين ومكروهين وملعونين من الناس معتبرا ان السقوط الاخلاقي يعفيني من التدخل بمشيئة الاقدار الانسانية.

لم يبق امامي اي اسم لمتهم غير اسمي انا .

دونته بين الاسماء باعتباري تسببت بالاذية لنفسي عندما وثقت باناس لا يستحقون الاحترام وعندما اتخذت قرارات ظننتها في وقتها صائبة واكتشفت فيما بعد ان ذكائي ومشاعري وحنيني و وفائي واخلاصي و وطنيتي كانوا غباء وحماقة وسرابا و وهماً.

لم أجد لإسمي اي سبب تخفيفي رغم تدخل انايا بقوة للدفاع عن الاسم.

النفس اللوامة حكمت بالاعدام.

قررت تنفيذ الحكم بالمتهم.

تناولت مسدسي،قبلت فوهته،نقلته من يد الى يد ،لقمته ،وضعته عند خاصرتي تحت القميص وهمت ابحث عن نفسي المتهمة ،المذنبة في كل مكان لانتقم.

لا اقوى الا ضد نفسي.

ربما برأت الاوغاد لجبني او لعدم قدرتي او لضعفي .

اقدر ان اعاقب اسمي فقط.

هكذا انا لا اتجبّر ولا اقوى الا ضد ذاتي.

قمت من مكاني وركضت.

اطاردها.

الاحقها.

اتابعها وهي تهرب وتختبىء وتلجأ الى اماكن سرية في داخلي،في كينونتي الى ان وجدتها مرعوبة بين الحنين والضمير والذكريات والالام والأمال والامنيات والخيبات الدفينة .

رجتني ان اسامحها .

تجاهلت نداءاتها.

لطالما خدعتني و زيفتوالحقائق امامي.

ذكائي ما عمل يوما لصالحي.

استخدمت ذكائي ودائما ضد مصلحتي.

لم اتردد.

اطلقت عليها النار عند الفجر.

ومضيت بلا مشاعر وبلا احاسيس وبلا ضمير وبلا عاطفة وبلا منطق.

سمعت المدينة صدى طلقة رصاصة واحدة.

حيّ انما بلا مبادىء.

نحن اشرس الاعداء لانفسنا.

ونعيش وننام مع عدو في داخلنا ونحن نبحث عنه في الخارج.

اعداء داخلنا اخطر واخبث من الناس الضارية حولنا.

احذر نفسك ان تكون عميلة لصالح آخرين خبثاء في داخلك.

الدكتور أحمد عياش، باحث في علم النفس السياسي والديني

الدكتور احمد عياش، طبيب نفسي وكاتب. صدر له كتاب الانتحار الصادر عن دار الفارابي (2003)، وكتاب الاعاقة الخامسة: الاعاقة النفسية الاجتماعية الصادر عن مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (2008)، بالاضافة لكتاب الشر والجريمة عن دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع (2013)

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى