كنت أسمع الكثير عن المفكر الكبير الدكتور جورج قرم..عن علمه الغزير وخلقه الرفيع وعن صلابته المبدئية وتواضعه الجم..إلى أن فاجأتني ثلة من شباب الجزيرة العربية يتقدمهم الطبيب المثقف الدكتور بدر الابراهيم بكتاب اعده عدد منهم بعنوان “في “معنى العروبة” وفوجئت كثيرا حين لاحظت انهم اختاروا جورج قرم ليكتب لهم مقدمة الكتاب…
طبعا احسست يومها وانا اتصفح المقالات والمقدمة كم هي قوية فكرة العروبة الحضارية وكم هي قادرة أن تجمع في رحابها بين جبل لبنان وصحراء الحجاز ونجد بلاد الحرمين .
كان شباب الجزيرة العربية يسألون اول ما يسألون عن جورج قرم حين يأتون إلى بيروت للمشاركة في اعمال المؤتمر القومي العربي ويمضون معه ساعات في حوارات ونقاشات لها عنوان واحد هو أن تكون عروبيا يجب أن تكون نهضويا…
طبعا سنقرأ مع رحيل المفكر الكبير الكثير عن أفكار جورج قرم الإصلاحية لاسيما في شؤون المال والاقتصاد وعن نزاهته السلوكية وعن ترفعه الراقي عن الصغائر وعن زهده بالمناصب لكن القليل يمكن أن يكتب عن جورج قرم العروبي النظيف والمتحرر من كل السلبيات التي رافقت الممارسات التي جرت بإسم العروبة..
قبل مرضه العضال الذي أودى بحياته جمعتنا به اجتماعات المنتدى الاقتصادي الاجتماعي التي ضمت نخبة من أهل الفكر والعلم البارزين في لبنان والحريصين أن يقدموا لبلدهم رؤية استراتيجية للانقاذ الاقتصادي وكان للدكتور جورج قرم بصماته الواضح في تلك الوثيقة مع صديقه الحميم والقديم الدكتور زياد احافظ والدكاترة بطرس لبكي ونجيب عيسى وامبن صالح بالاضافة إلى أمين سر المنتدى الاستاذ بشارة مرهج الذي كان من اوائل الذين نبهوا من موقعه الشعبي والنيابي والوزاري إلى المنزلقات الخطيرة التي سينزلق اليها لبنان بفعل السياسات المصرقية والنقدية والاجتماعية.
صحيح أن جورج قرم غادرنا كجسد لكن بالتأكيد لن يغيب عنا كفكر وعلم وخلق..بل كنموذج للرجل الكببر الثابت على مبادئه في عالم محشو بالصغار.