مِن الناس مَن يكون غيابُهم علامةَ النهاية، ومنهم مَن يكون رحيلُهم الأَرضي وقفةً موَقَّتة بين الحضور والغياب.
المبدعون لا يغيبون.. يبدأُ غيابهم كتابةَ أَسطر السُطوع الأَقوى من الحضور.
روميو لحود، صديقًا ورفيقَ عمر، لا يعتاد أَن يغيب.
هي ذي تردُّدات أَلحانه على أَدراج بعلبك بين “الفرمان” و”الشلال”، وفي “المارتينيز” بين هتفة الفرح وترداد المواويل.
آه تلك الأَيام الملوَّنة يا روميو… فيها أَنت، وفيها الحبيب الآخر وليد غلمية… وفيها الـــ”صباح” الباقية بيننا كلَّ صباح، وفيها أَنطوان كرباج الذي – “نيَّالو” – لن يعرف بانفصالكَ، وفيها مَن قفزوا مِن مسرحك إِلى شهرتهم وما زالوا يحتكمون إِلى فضلك.
تَذكُر عملَنا معًا في “الحلم التالت”؟ كنا نوسِّع الحلم حتى لا تَحصره يقظة.
تَذكُر “بنت الجبل” في نسختها الجديدة؟ استعادَتْها الــ”أَلين” من طيف سلوى.
يا لهذا الزمن يا روميو.. لكنَّ ما بنيتَه لِـمسرحنا لن تنسدل عليه ستارة، ولن تَخفت فيه أَنوار.
قدَر المبدع أَن إِبداعه يتحدَّى الموت، فـتُكمل أَعماله بعده لا إِلى مَوَات.
قبل فترة جاءني صوتُك.. متهدِّجًا كان، وأَخافني. لم أَعتَد من صوتك إِلَّا الفرح.. ذكَّرني تَهَدُّجُهُ ذات كنا معًا على شاطئ جبيل، وأَلكسندرا في المستشفى تُعلن الوداع.. لم تكُن تستوعب في قلبك أَن تغيب أَلكسندرا حبيبتُك الأَغلى.. وغابت.. وانكسر جناح.. وكانت قبلها سلوى قصفَت منكَ بعضَ فرح، سلوى التي رفَعتَها على يديكَ وأَرسلتَها يمامةَ عذوبة جمال فملَأَت المدى أَلوانًا من أَلحانك.
“شو اللي رح يبقى”؟ قلتَ لي ليلة الشط في جبيل.
وظللتَ تقول “شو اللي رح يبقى”، حتى انسحبتَ إِلى حبالين، ضيعة “ياسمين” التي عادت بعد طول غياب، وبقيْتَ فيها مرددًا كلماتك النوستالجية: “شو فيه خلف البحر”؟
خلف البحر يا روميو خبريات الحنان والحنين.
وأَمام البحر تبقى “پـــاپــــو” في صمت الأُخت العميق، وتبقى “ناي” غصة حزن مكبوت، ويبقى ناهي على وعد الوفاء، وتبقى “پــوپــيــنــا” التي منذ صارت “أَلين لحود” مدَّت يدها إِلى فضاء سلوى لتحيا وتحييها.
يا روميو،
يا رفيقَ العمر،
ما زلت أُكرر صوتكَ في اتصالك الأَخير.. ويوجعني صوتُك الْكأَنه جاءني مودِّعًا.
شو رح يبقى؟
رح يبقى لي صوتُكَ الصديق صدًى طيِّبًا لا يُباعده غياب.