إياكُم وتَسريع وتيرَةِ الانهيار، قد يَجُرِفُكُم | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لفتني أعلانُ اللَّجنَةِ المَركَزِيَّةِ لمُوظَّفي وعُمَّالِ مؤسَّسةِ مياه بيروت وجَبَلِ لُبنان عن إضرابِهِم التَّحذيري للمُطالَبَةِ بحُقوقِهِم المُنتَهكَة، ورَفضا لِسِياسَةِ التَّجويعِ التي يَتعرَّضون لها وفق ما بيَّنوا، علما أنني لست مُستَهجِنًا لهذا التَّحرُّكِ المُحقِّ، والذي لم أتفاجأ به كسائرِ اللبنانيين الذين راعَهُم ما وَصَلت إليهِ أحوالُ لبنان، خاصَّةً وأننا نُعاني الأمَرَّينَ من المُقارَباتِ المُتَّبعَةِ من قِبلِ المَسؤولين في تعامُلِهِم مع الاستحقاقات الهامة والمُستَجدَّاتِ وتَصدِّيهِم للأزَماتِ الحالَّةِ بِنا والمَشاكِلِ العالِقَةِ المُتراكِمَةِ التي تَتطلَّبُ اعتِمادَ حُلولٍ عَمَلِيَّةٍ فاعِلةٍ لمُعالَجَتِها وتَوقِّي مَخاطرِها، والحَدِّ من مَضارِها.
ما كان لمُوظَّفي مَصلَحَةِ مياه بيروت وجَبلِ لبنان والعاملين فيها أن ينحوا هذا المَنحى التَّصعيدي مع إدراكِهم التَّامِ لتبعاتِهِ على عمومِ المواطنينَ القاطنين في هاتين المنطقتينِ العزيزتين في لبنان، لو أنَّ السُّلطاتِ الحاكِمَةِ جانَبَت الموضوعِيَّةَ والعَدالَةَ والمُساواةَ في تَصدِّيها للأزَماتِ المَعيشِيَّةِ عامَّةً، ولأحوالِ المُوظَّفينَ والعامِلينَ في القِطاعِ العام على وَجهِ التَّحديد، واعتَمَدَت مَعاييرَ واحِدَةٍ مُتجَرِّدَة، إلَّا أن تَبني سِياسَةَ النَّعامَةَ بالتَّعامي عن أبسَطِ حُقوقِ المُوَظَّفين بالعَيشِ الكريم من جِهَة وتَبَني حُلولٍ استِرضائيَّةِ استِقطابِيَّةٍ لبعضِ الفئاتِ من جِهَةٍ أُخرى لإسكاتِ بعض تلك القِطاعاتِ الوظيفِيَّةِ طَورًا ومَحاولاتِ التَّمميز بين القِطاعات الوَظيفِيَّة طورًا آخر، ظَنًّا منهم أن بعضَ القِطاعاتِ مؤثِّرةٌ أكثرَ من غيرها على الوضع السياسي الأمني والإجتماعي بمفاهيمِها الواسِعة، وفاتهم أن لكلِّ قِطاعٍ أهميَّتُهُ وتأثيرهُ وقدرتُه على التأثيرِ على المُجرياتِ السِّياسِيَّة والمعيشيَّةِ اليوميَّة.
أدَّت السِّياساتُ التَّمييزيَّةُ والاستِرضائيَّةِ إلى تنبُّهِ المسؤولين في مختلفِ النِّقاباتِ والروابطِ إلى مخاطِرِ تلك السِّياساتِ، كما تسبَّبت بموجةِ امتِعاضٍ عارمةٍ لدى غالِبِيَّةِ المُوظَّفين ومن في حُكمِهِم، ودَفَعَهُم للتَّحرُّكِ واتِّخاذِ المَوقِفِ المناسِبِ للدِّفاعِ عن حُقوقِهِم ومُكتَسباتِهِم المَشروعَة سواءَ بالإضرابِ أو بالامتناعِ عن الحضور إلى مراكز عملهم. خاصَّةً وأن الموظَّفين ومن في حُكمهم وبخاصَّةٍ المُتقاعدون منهم هم أولى ضحيايا الانهيار الاقتصادي والمالي والنَّقدي، كما الأزماتِ التي انفجرَت نتيجةَ السِّياساتِ الخاطِئةِ التي تَبنَّتها الطَّبَقَةُ الحاكِمَةُ المُتحَكِّمَةُ بقَراراتِ السُّلطَتين التَّشريعِيَّةِ والتَّنفيذِيَّة، في ظِل تَهميشِ السُّلطَةِ القَضائيَّةِ التي بدت راضيةً عن تَغييبِ دَورِها الأساس في مُكافَحَةِ الفَسادِ والإفسادِ المُزمِنَين، ورَبى قائلٍ يَقولُ بأن العَدالَةَ غُيِّبَت نتيجةَ تعارُضِ القراراتِ القضائيَّةِ جرَّاءَ التَّخَبُّطِ داخِلِ الجِهازِ القَضاىيِّ وقُصورِهِ عن القِيامِ بدورٍفاعلٍ في مَنعِ الانتِهاكاتِ ولجمِ التَّجاوزاتِ ومُحاسَبَةِ الضَّالِعينَ في كُلٍّ منها.
وحدَهُم السياسيونَ يَعيشون في غَفلَة مُتعامين عن كُلِّ المَصائبِ التي تسبَّبوا بها، كما عن مُعاناةِ المُواطِنين على كافَّةِ المُستَوياتِ، وكأنَّهُم بحالَةِ انفِصامٍ كُلِّيٍّ عَمَّا يَدورُ من حَولِهِم، أو يَعيشونَ في عالَمٍ آخَرَ أو خارِجَ إطاري الزَّمانِ والمَكان؛ بل التَّوصيفُ الأصَحُّ إنَّهُم لا يَفقهونَ حَقيقَةَ ما يَجري على السَّاحَتين الدَّولِيَّةِ والاقليميَّةِ ومُضاعَفات ذلك على لبنان؛ ولا حتى على ما يحصلُ في سَاحَتهِ المَحلِيَّة المليئةِ بالتَّناقُضات، وهم لا يُدركونَ مَغبَّةَ عَدَمِ التَّحسُّبِ للتَّحدِّياتِ المُستقبَلِيَّةِ التي أضحَت واضِحَةً المعالم، فتراهُم أقرَبُ في مُقارباتِهِم للتَّلهي بالقُشورِ بدلًا من إعارَةِ الاهتمامِ لبواطِنِ الأمور. ومعالجةِ أسبابِ الأزماتِ لا التَّعامُلِ مع نتائجها.
يبدو أن المَسؤولين لا يَفتَقِدونَ فَقَط إلى المَقدِرَةِ على استِشعارِ الأزَماتِ قَبلَ حُصولِها، ولأُطُرِ وآلِيَّاتِ تَوقي مَخاطِرِها، إنَّما في الحَقيقَةِ هم يَفتقدون أيضا إلى أدنى مَشاعِرِ الإحساسِ الانسانِيِّ بمُعاناةِ الشَّعبِ، نتيجَةَ الازَماتِ المُتلاحِقَةِ التي حلَّت عليه فجأةً الواحِدَةِ تِلو الأُخرى أو مُجتمِعَة، بحيث لا يَكادُ الأفرادُ يَتَدَبَّرونَ التَّعامُلَ مع إحداها لِتُطِلَّ عليهم أزَماتٌ أُخرى أشدُّ وَقعا وإرباكا من سابِقاتِها.
كما يبدو أن من يُمسِكونَ بزِمامِ الأُمورِ في لبنان لا تَعنيهُم سِوى مَصالِحِم وتِجاراتِهِم السِّياسِيَّةِ المُربِحَة، والتي تَدُرُّ عليهِم مَلايينَ الدُّولاراتِ التي أضحوا يَتفَنَّنونَ في الآليَّاتِ التي يَعتَمِدونَها في اختِلاسِها من خَزينَةِ الدَّولَةِ وأموالِ المودِعين في المَصارِفِ المَحَلِّيَّةِ، وكأني بهِم وقد أقسَموا بِشياطينِهِم ألَّا يَتَخلُّوا عن مناصِبِهِم طوالَ الدَّهرِ كي يتناقلونَها بالوراثة جيلًا بعدَ جيل، كموأغربُ ما فيهم إمعانهم في سِياساتِهِم التَّعطيليَّةِ والتَّبذِيرِيَّةِ، ولآخِرِ فِلسٍ من احتياطي مَصرِفِ لُبنان من العُملاتِ الصَّعبَة وربما من الذَّهَب.
المُسلَّمةُ الوحيدةُ توحي بأن المُترَبِّعينَ على كَراسي السُّلطَةِ في لبنان لم تَعُد تليقُ بهِم تَسمِيَةُ مَسؤولين، لذا وُجِبَت مناداتُهم بغيرِ هذه التَّسمِيَة، خاصَّةً وأنَّهُم بالإجمالِ أثبَتوا عَدَمَ تَحلِّيَهُم بالحَدِّ الأدنى من المَسؤولِيَّةِ والكَرامَةِ الإنسانِيَّةِ تِجاهَ كُلِّ ما حَصَلَ ويَحصَلُ في لُبنان، ولانكِفائِهِم عن القِيامِ بالحَدِّ الأدنى مِما يُمكِنُ القِيامُ به لانقاذِ هذا الوَطنِ المُتهالِكِ من كَبوتِه، والتَّخفيفِ من عَذاباتِ شَعبِهِ المَغلوبِ على أمرِه، والذي يُعاني مُنذُ سَنواتٍ من وَطأةِ الهُمومِ اليومِيَّةِ التي يَسعى جاهِدًا للتَّكَيُّفِ مَعَها، وتَدبيرِ شُؤونِهِ في ظِلِّها بما تَيَسَّر، وإن يَكُن قد يئسوا من إمكانيَّةِ تحسُّنِ أحوالِهم المُتَعَسِّرَةً نتيجَةَ تَهاوي قيمَةِ العِملَةِ الوَطَنِيَّة، وضَعفِ القُدرَةِ الشِّرائيَّةِ لمَداخيلِ مُعظَمِ الأفرادِ والعائلات وانسدادِ كُلِّ مَسارِبِ الخَلاصِ من الوَضعِ الرَّاهِن.
للأسف لقد تَبَدَّلت اهتِماماتُ الشَّعبِ اللبناني في ظِلِّ الضَّائقَةِ المَعيشِيَّةِ التي يكابدُها، إذ لم تَعُد مصاريفُ تَعليمِ أبنائهمِ في صَدارَةِ سُلَّمِ أولوياتِهم، بل حَلَّ مَحلَّها تامينُ المأكلِ والمَشرَبِ لهم وبما تَيسَّرَ من فُتاتِ الخُبزِ الذي أصبَحَ الحُصولُ عليهِ مُتعسِّرًا وشاقَّا، كما تَوفيرُ المِياهِ للاستِحمامِ والنَّظافَةِ اليَومِيَّة، أما أجهِزَةُ التِّلفازِ والتَّكييفِ وكويِ المَلابِسِ وغيرِها فأضحَت من قبيلِ الكَمالِيَّاتِ التي يُمكِنُ الاستِغناءُ عنها؛ أمَّا برامِجُ السَّفَرِ بقَصدِ السِّياحَةِ وومشاريعُ التَّنزُّهِ داخِليًَّا وإقامَةِ الوَلائمِ والحَفَلاتِ فأضحَت من الأُمورِ غير المألوفَة، حتى أن المُشارَكَةَ في المُناسَباتِ الاجتِماعِيَّةِ والعائلِيَّةِ وتبادُلِ الهَدايا قد أضحَت مُكلِفَةً ومُرهِقَةً مالِيَّا، ورُبَّما أصبَحت ظاهِرَةً على طَريقِ الاضمِحلالِ قد يَعفُ عليها الزَّمن وتندثر، وتُمسي من قَبيلِ الذِّكرَيات.
نعم لقد نَجَحَ المُمسِكونَ بزِمامِ الأُمورِ في لبنان بإلهاءِ النَّاس بتَدبيرِ شُؤونِهِم الحَيَاتِيَّةِ اليَومِيَّةِ المُلِحَّة، وتَناسي حُقوقِهِم المَشروعَة، وجَعلوهُم ميَّالينَ للإقتِناعِ بعَدَمِ جَدوى المُطالَبَةِ بجَنى العُمرِ والتخلي عن مُدَّخراتِهم التي أودَعوها بالمَصارِف، والتي فَقَدَت قيمَتَها جَرَّاءَ التَّضَخُّمِ أو انهيارِ القيمَةِ الشرائيَّةِ للعِملَةِ الوَطَنِيَّة، أو بأقَلِّ تَقديرٍ قد حَرموهُم من الحُصولِ عليها أو تَسييلِها حتى ولو كانوا بأمَسِّ الحاجَةِ إليها لدَواعي العِلاجِ الطُّبِي أو الاستشفاء.
للأسف إن جُلَّ ما يَفعَلُهُ المُمسِكونَ بزِمامِ السُّلطَةِ في لبنان اليومَ من رؤساءَ ووزراءَ ونُوَّاب وغيرِهِم مِمَّن يَتبَوؤونَ المناصِبَ الرَّفيعَةَ هو الوقوفُ مَوقِفَ المُتَفَرِّجِ، مُكتفينَ باستِجداءِ بعضِ الواهِبينَ من دُوَلٍ شَقيقَةٍ أو صَديقَة، والمُقرِضينَ كالبنك الدَّولي والصَّناديقِ الاستثماريَّةِ والائتِمانِيَّةِ المُقرِضَة، مُحاولينَ تمريرَ الوَقتِ من دونِ أيَّةِ مُبادَراتٍ او تَبَنِّي خياراتٍ أو مُبادراتٍ حاسِمَة، تلافِيًا للوقوعِ في أخطاءَ قد يُلامونَ عَليها، أو قد تَتَسبَّبَ مُستَقبلا بِفقدِهِم للمَناصِبِ التي يَشغُلُونَها. لذا تَراهُم يَتَخَبَّطونَ في مُقارَباتٍ عَشوائيَّةٍ استِرضائيَّةٍ غيرِ مَدروسَة، ولا مَحسوبَةِ النَّتائجِ، وغالِبًا ما تكونُ تَبعاتُها كارِثيَّةً على الاقتِصاد بكُلِّيَّتِهِ كما على الدَّخلِ والناتِجِ القَومي والانفاقِ الكُلي والمالِيَّةِ العامَّة، والعِملَةِ الوَطَنِيَّة.
كم كان أَحرى بهِم التَّحلي بالمَسؤولِيَّةِ والاقرارُ بفَشَلِهِم، وتَحَمُّلِ نتائِجِ إخفاقاتِهِم المُتَكَرِّرَةِ التي تَسبَّبَت بإزماتٍ كارِثِيَّةِ الطَّابَع، والتي لم يَجنِ اللبنانيون منها سِوى المَزيدِ من القَهرِ والعَناء؛ الأَمرُ الذي جَعَلَ شِعار تَنَحي المَسؤولينَ “كُلُّن يَعني كُلُّن” مَطلَبا شَعبِيًَّا مُلِحًا لا رَجعَةَ عنه، لأنَّه يَحِدُّ من الخَسائرِ وكَبحِ وَتيرَةِ الانهِيارِ الذي يَشهدُهُ لُبنان في مُختلِفِ المَجالاتِ وعلى كافَّةِ الأصعِدَة.
كأني بهذه السُّلطَةِ المُتُحَكِّمَةِ بمَصيرِ البِلادِ والعِبادِ أشبَهُ بمن تَلقى صَفعَةً صاعِقَةً أفقَدتهُ صَوابَهُ ورُشدَه، فأضحى غيرَ قادرٍ على التَّفكيرِ، يَتَبنَّى أيَّةَ قَراراتٍ أو مُقارباتٍ أو حُلولٍ تُملى عليهِ بمُجرَّدِ سَماعِها، ومن دون أن يُكلِّفَ نَفسَهُ عناءَ التَّفكيرِ بأوجُهِ نَفعِها أو التَّبِعاتِ السَّلبِيَّةِ التي قد تَتَرَتَّبُ عليها.
بوادِرُ التَّخَبُّطِ في الخَياراتِ والقَراراتِ بدأت مع القُروضِ المَدعومَةِ غيرِ المَدروسَةِ، وبعيدًا عن أيِّ تَدقيقٍ ومُراقَبَةٍ أو دراسَةِ جَدوى، وتلاها الهَندساتُ المالِيَّةُ غيرِ المُتوازِنَة بل المُجحِفَةِ بحَقِّ الدَّولَةِ والمرَجِّحَةِ لكَفَّةِ المَصارِفِ الخاصَّة، والتي استُتبِعَت بالامتِناعِ عن سَدادِ دُفُعاتِ الدُّيونِ المُستَحَقَّة وفَوائدِها، ومن ثم بِدعَةُ دَعمِ السِّلَعِ الاستِهلاكِيَّةِ من دونِ ايَّةِ مُراقَبَةٍ فاعِلَة، وبعد ذلك جاءَ تَسليمُ المَحظيينَ من مُستوَرِدي السِّلَعِ الأساسِيَّةِ كالمَحروقاتِ والادويَةِ والمَوادِّ الغِذائيَّةِ حَوالاتٍ بالعُملاتِ الاجنَبِيَّةِ بقِيَمِ الفواتيرِ التي يُبرِزونَها من دونِ التحَقُّقِ من صِحَّةِ المعلوماتِ والأرقامِ الوارِدَةِ فيها، الأمرُ الذي سَهَّلَ تهريبَ المُتمَوِّلينَ وكِبارِ التُّجارِ لِمبالِغَ ضَخمَةٍ الى خارِج لبنان، وكما بتَمكينِ مُقتَنِصي الفُرَصِ من جَني ثَرواتٍ طائلَةٍ جرَّاءَ تَهريبِ السِّلعِ المدعومة والاحتِكارِ والمُضارَبَاتِ غيرِ المَشروعَةِ أو الغِشِّ. وآخِرُ تلك الإرهاصاتِ بدعَةُ “صَيرَفَة” والتي استُغِلَّت من قِبَلِ بعضِ النَّافذينَ والعاملين في القِطاعِ المَصرِفي لتَحقيقِ أرباحَ خَيالِيَّةٍ في أوقاتٍ قياسِيَّة، والتي يبدو أنَّ المُغالاةَ في الاستِمرارِ بها سَتُؤدي إلى التَّفريطِ بما تَبقى من احتياطٍ من العُمُلاتِ الصَّعبَة لدى مصرف لبنان.
أيها المسؤولون، بالإضافة إلى مُهاتَراتِكُم السِّياسِيَّةِ المَبنِيَّةِ على التَّسويفِ وإضاعَةِ الفُرَصِ بغَرَضِ الابتِزازِ والنَّكَدِ السِّياسِيين، إنَّكُم تَقضونَ على ما تبقى من مُقوِّماتِ الدَّولَة، كما تُفوِّتونَ فُرَصَ النُّهوضِ مُستَقبلا، وتقودونَ البلدَ إلى انهيار شامِل لكلِّ ما يرمزُ إلى الدَّولَة، كما أنَّكُم بسُلوكِيَّاتِكُم الاستِهتارِيَّةِ تَتسبَّبونَ بأزماتٍ نحنُ بِغِنىً عن مَخاطِرِها. أدعوكُم صادِقًا للاحتِكامِ لضمائرِكُم ولو لِمَرَّةٍ واحِدَةٍ وقَبلَ فَواتِ الأَوان ولا يغرَّنَّكُم وخُنوعَ الشَّعبِ وسكوتَهُ عن آدائكُم.
أيها السِّياسِيُّون، التَزِموا بمَواعيدِ الاستِحقاقاتِ الدُّستورِيَّةِ وغَيرِ الدُّستورِيَّة، وقارِبوها من حَيث توجِبُ النُّصوصُ الدستوريَّةِ والقانونيَّةُ النَّافِذَة، والأخلاقِيَّاتُ السَّياسِيَّةُ الرَّفيعَة المُكرَّسَةُ في الدُّولِ الرَّاقِيَة، ولا تَنساقوا خَلفَ غَرائزِكُم الانتِقامِيَّة، وشَهواتِكُم السُّلطَوِيَّةِ أو التَّسَلُطِيَّة، ولا تَندَفِعوا تَحت تأثيرِ نَزواتِكُم ومَصالِحِكُم الشَّخصِيَّة، واتَّقوا الله في وَطَنِكُم وشَعبِكُم، لأنَّ التاريخ لن يَغفِرَ لكُم سُوءَةَ أفعالِكُم، وسُلوكِيَّاتِكُم ومَواقِفِكُم؛ ورُبَّما تَتفاجَؤون بمحمد أبو عَزيزي على الطراز اللبناني، أو مودِعٌ حانقٍ على شاكِلَةِ بسَّام الشَّيخ حسين، قد لا يكتفي باحتِجازِ رَهائن. نَصيحتي لكُم بأن احتَرِزوا وحاذِروا. قد يُؤدِّي حَدثٌ بَسيطٌ من هذه الأَحداثِ إلى إطلاقِ شرارةِ ثورَةِ جِياعٍ جارِفَةٍ، تُطيحُ بكُلِّ مُكتَسباتِكُم السُّلطَوِيَّةِ والمالِيَّة. إياكُم والإمعاني في تَسريعِ وتيرَةِ الانهيار؛ إن المُقارَباتِ التَرقيعِيَّةِ والقَراراتِ الشَّعبَوِيَّةِ والحُلولِ الآنيَّةِ المُرتَجَلَةِ التي تَعتَمِدونَها، هي بالإجمالِ ولَّادَةٌ لأزماتٍ جارِفَةٍ حارِقَةٍ مُدمِّرَةٍ فاجتنِبوها.