الأخلاق-القلق-الغيب ومشكلة التكفير والتخوين | بقلم د. أحمد عياش
لا يشترط ألبير كامو أن يكون الإنسان متديناً ليكون أخلاقيا إذ الإنسانية المشتركة تنتجها بينما أصرّ فيودور دوستويفسكي أن وجود الدين أساس الأخلاق إذ في غيابه كل أمر مباح بينما أضاف جبران خليل جبران بأن الكهنة والآلهة خلقوا بعضهم البعض في العصور المظلمة وأن الإله الحالي ليس غير العلم أما سيغموند فرويد فاعتقد أن الدين وهمٌ فرض نفسه على الإنسان ليعزي نفسه عند قسوة الحياة لتصبغها بمعنى زائفٍ إلا أن برتراند راسل شدد أن الدين يقوم على ركيزتان الخوف من المجهول والخوف من الهزيمة إلا أن المتطرف في أرائه فريدريك نيتشه فقد آمن أن الرب قد مات وأن الناس قتلته ليواسوا بعضهم البعض.
لا شك أن الدين كان شرطاً أساسياً ومرحلة لا بد منها للعبور نحو الأخلاق إذ كل البلاد التي نجحت في تأمين سبل العيش والطبابة والسكن والأمان ورغيف الخبز لمواطنيها ضعف عندهم الإحساس الفطري بضرورة الإنطواء أو التقوقع في أفكار الدين و وعود الغيب للاحتماء من غدر الناس أولا ومن انقلاب الأيام ثانياً ومن مسار الأحداث التي تؤلف الأقدار ثالثاً.
أينما تأمنّت شروط العيش الكريم ضعف التعصّب للدين حتى ان كنائس في أوروبا الغربية أقفلت لعدم وجود كهنة أو قسيسين.
في مونتارجيس الفرنسية وفي صباح يوم أحد جلست مع صديقي د.عامر حربا نرتشف الشاي قرب الكنيسة الرئيسية للمدينة وإذ سمعنا قرعاً قويا لجرس الكنيسة فقمت من مكاني مسروراً لألقي نظرة من نافذة ملوّنة جميلة تراثية على المصلّين فلم أجد احد في بهو الكنيسة.
عدت لصديقي وأخبرته وسألته لمن يقرعون الجرس ما دام لا مؤمنين في الكنيسة.
ابتسم جراح الفك والأسنان وقال في لهجة طرابلسية ممازحاً:
ربما يا أحمد أنهم يقرعونه نكاية بك وبي بعامر وبأحمد لأننا الوحيدين مسلمين هنا في الشارع نرتشف الشاي…
إن هاجر لبناني إلى كندا أو أستراليا يبقى موروثه الديني قويا ويحرص أن ينقله لأبنائه خوفاً عليهم من كيد الشيطان وحرصا أن يحجز لهما مكانا في الجنّة بينما الأحفاد سريعاً ما يعتادون على ضعف القلق الوجودي الحياتي مع اتقانهم فنون تيسير الأحوال مع قوانين البلاد التي تطمئنم قبل أن تحميهم بينما اللبناني الذي يسافر إلى البلاد الأفريقية أو العربية لا يجد صعوبة في اقناع أبنائه بالإلتزام بالقوة الدينية قبل المبادىء بينما الأحفاد يكررون قلق الآباء والأجداد بحرفية.
ينشط الشيطان في البلاد التي لا تؤمن أمان العيش لمواطنيها بينما يكاد يختفي في الدول التي تؤمن له حياة كريمة.
خاف شربل في سوريا أن تزداد ميول ابنه الشيوعية فسأل صديقه عن أفضل طريقة لائقة لمنع ابنه ان يصبح ثورياً اشتراكياً داعياً لتأميم الثروات فما كان من خالد إلا أن نصحه أن يرسل ابنه للدراسة في الاتحاد السوفياتي وعندما سأل شربل خالد أين سيعلّم ابنه أجابه أنه سيرسله إلى تكساس الأميركية ليضمن أن يعود ابنه يسارياً.
قساوة و مرّ الحياة وشروط المجتمع السهلة والصعبة والمعتدلة وقوانين وحماية الدولة للمواطن و الاستعداد النفسي الفطري والمكتسب للتعامل مع القلق الوجودي والخوف من الغد ومن الخيبة ومن الهزيمة والأهم الخوف من الموت مجتمعين يحددون مدى قوة التمسك بالدين والتعصّب لأفكار ثابتة كأنها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش.
كل متدين يظنّ انّه أمتلك الحقيقة ولا بأس ولا ضير في ذلك إنما هو نفسه يؤمن أن الآخر جاهل ومضلل لا يعي أسرار الغيب مثله.
هنا تكمن مشكلة التكفير والتخوين.
والله اعلم.