ازمة لبنانالاحدث
الدولة الفاشلة والوطن الناجح | بقلم هنري زغيب
في خبرٍ الأُسبوع الفائت، لم يكُن جديدًا لكنَّ فيه تحذيرًا مقْلِقًا، أَنَّ صندوق النقد الدُوَلي يُحَذِّر لبنان من اضطراره إِلى إِلغاء الاتفاق معه، لأَن السلطة اللبنانية لم تلتزم بطلبِه تصحيحَ الخَلَل بإِقرار قوانينَ وتشريعاتٍ ماليةٍ إِصلاحيةٍ مطلوبةٍ لإِقفال مسارب الفساد والفوضى في النظام المالي والاقتصادي، وإِلَّا فلَن يقَدِّمَ الصندوق للدولة أَيَّ دعْم نقدي من ثلاثة مليارات دولار مرصودةٍ للبنان كي تساعدَهُ على النهوض الاقتصادي. وبعد اجتماعات توضيحية متتابعة، منذ عامين، مع الحكومة اللبنانية كي لا يضيع هذا الدعم، لم يلقَ موفَدو الصندوق حتى اليوم سوى وُعُودٍ وتطميناتٍ وعدمِ التزامٍ بموعدٍ ولا بقرار. وعند السؤَال عن هذا التقصير يتلقَّون ضُرُوبًا بشِعة من الحجج والأَعذار والتبريرات. وهذا الأُسبوع تواترت من واشنطن أَجواءُ غضبِ الصندوق من التسويف والمماطلة، وربَّما تَوَجُّهه إِلى التلويح بإِلغاء الاتفاق مع لبنان، ما لو تَمَّ سيسبِّب كارثةَ فقدان الثقة الدولية به، واعتبارِهِ دولةً فاشلة.
هكذا إِذَن: هوذا لبنانُ مهدَّدٌ بأَن يُوصَمَ في العالم “دولةً فاشلة”.
هذا ما كان ينقص كي ينهار الهيكل على ما فيه ومَن فيه، بسبب تقاعسٍ أَو تقاعدٍ أَو تَهاملٍ من أَهل سُلطةٍ منتخَبين كي يسوسوا الدولة إِلى النهوض، فإِذا بهم يُـمْعنون في قيادتها إِلى الانهيار.
فقدانُ الثقة! هذه هي العبارةُ الـمُرعبة! الثقةُ التي قبل عقودٍ مبارَكة، بناها، عامًا بعد عام، آباءُ مسؤُولون في الدولة خدَموا الدولة ولم يستخدموها، ها هي ذي مع أَجيالٍ لاحقةٍ حتى اليوم، تَؤُول إِلى الانهيار بسبب مسؤُولين أَساؤُوا الأَمانة.
هؤُلاء المسؤُولون غيرُ المسؤُولين، مَن جاء بهم؟ لم يأْتوا من كوكب خارجيٍّ، بل جاء بهم بعضٌ من شعبنا جاهلٌ تابعٌ ببغاويٌّ مستزلِـمٌ خانعٌ أَغناميٌّ غبيٌّ ما زال يعيد انتخابهم في مازوشية مَن يعرف أَن هذا السياسيَّ جلَّاده، ومع ذلك ينتخبُه ويُعيد انتخابَه.
قلتُ إِنه “بعضٌ من شعبِنا” ولم أَقُل إِنه “شعبُنا”. وأَرفض أَن يقولَ أَحدٌ إِنه “شعبُنا” فيعَمِّمَ الجهلَ على كل شعبِنا.
مش صحيح. في شعبِنا طاقاتٌ رائعةٌ عبقريةٌ مبدعةٌ، هنا على أَرضنا أَو بين الـمَهاجر اللبنانية في العالَم، طالعةٌ من لبنان الوطن الخلَّاق المبدع، وقادرةٌ على النهوض، كلٌّ في اختصاصه، وجاهزةٌ هنا للعمل، وللعودة من الخارج إِلى الأَرض الأُم للعمل. لكنَّ طاغوت السلطة منذ سنواتٍ، يقف حاجزًا صلْدًا صارمًا حائلًا دون وصول أَصحاب الكفاءَات إِلى مناصب يحتلُّها منذ عقودٍ أَولياءُ عشائرَ سياسيةٍ ونسْلُهُم ومحاسيبُهم وأَزلامُهم.
قلت إِن تلك الطاقاتِ المخْلصةَ طالعةٌ من لبنان الوطن. ولبنانُ الوطن غنيٌّ بإِرثه وتراثه وحضارته ومعالِمه وأَعلامه ومفكِّريه وعُقَلائه ومبدعيه في كل حقل معرفيّ، وهم قادرون أَن يرفعوا أَشلاء الدولة الفاشلة إِلى مستوى الوطن الناجح.
بلى: لبنانُ الوطن ناجحٌ، هنا على أَرضه وبين الـمَهاجر اللبنانية في العالَم، وهو الذي يُعيدُ ثقة العالَم به وبشعبِه، كلِّ شعبِه، حتى لا يَدفع شعبُنا كلُّه جِزيةَ بعضٍ منه جاهلٍ غبيٍّ خانعٍ أَمام جلَّاديه.
قلتُها وأُعيدها: “فقدان الثقة: عبارةٌ مُرعبة”. وإِنها فعلًا كذلك، حين نرى أَن أَهل السلطة فاشلون وَوَسَمُوا دولتنا بالفاشلة لأَنهم فاسدون. لذا لا خلاصَ للبنان إِلَّا في سُلْطة جديدة بأَبنائه المخْلصين الأَنقياء الناجحين المبدعين في كل حقل، كي يحْكمُوا الدولةَ بمبادئ لبنانَ الوطن، فينهضوا بها من دولة فاشلة إِلى دولة ناجحة على صورة لبنان الوطن الناجح.