السلام والإحتلال نقيضان لا يمكن أن يجتمعا | بقلم د. رنا منصور
بعد كل مجزرة إسرائيليّة أكرّر أنّ الكيان الغاصب شرّ مطلق، وأنّ مقاومته هي ضرورة ملحّة. ومن هنا أؤكّد أنّ القصاص العادل تُمليه العدالة الإلهيّة في ظل غياب العدالة الدوليّة وقصور المجتمع الدوليّ عن ردع إسرائيل وإيقاف إبادتها الجماعيّة سواء في غزة والضفة الغربيّة أو في الجنوب اللبنانيّ والضاحية الجنوبيّة والبقاع وسائر الأراضي اللبنانيّة. ها وقد شنّت إسرائيل على لبنان وغزّة حربَيْن مدمّرتَيْن، وأسرفت في ارتكاب المجازر الدمويّة، وكان آخرها اغتيال القائدَيْن فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، وتفجير آلاف البيجرات التي أدّت إلى استشهاد العشرات وإصابة ما يُقارب الثلاثة آلاف مقاوم ومقاومة. وكلّ ذلك بتشجيع وحماية أميركيّة، وفي ظل حصار خانق واحتلال لمحاور غزة الرئيسيّة، بما يُجافي البديهات الإنسانيّة وينتهك القانون الدوليّ الإنسانيّ.
بناءً على ذلك، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة من الدائرة التمهيديّة إصدار مذكّرات توقيف غيابيّة بحق كلّ من نتنياهو وغالانت، لا سيّما بعدما أصدرت المحكمة ذاتها قراراً تُطالب فيه إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1976، وأكّدت وجود انتهاكات خطيرة لقوانين حقوق الإنسان والقانون الدوليّ، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانيّة وجرائم حرب وإبادة جماعيّة.
وفي الوقت الذي كان يُشهد فيه تحرّك أساطيل الولايات المتّحدة وغواصاتها للدفاع عن إسرائيل في مواجهة إيران واليمن والعراق ولبنان وغزة، طالعت إسرائيل بمواقف تنكّرت فيها بالقرارات الأمميّة الصادرة منذ العام 1949 وحتى اليوم، والداعية لإنشاء دولة فلسطينيّة، وأعلنت عن رغبتها في احتلال كامل أراضي فلسطين التاريخيّة وتهويدها مع مقدّساتها، لتصبح مُلكاً خالصاً للدولة اليهوديّة. لا بل طالع رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة السابق، والمُرشح الرئاسيّ الحاليّ دونالد ترامب، بتصريح يُعرب فيه عن رغبته بتوسيع حدود إسرائيل الحاليّة. وعليه، فكيف يُطالب المجتمع الدوليّ المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة بالتخلي عن نهجها بمواجهة العدو الطامع بأراضيها التي حرّرها عام 2000 منها؟
من جهة أخرى، ما تزال إسرائيل تظهر يوماً بعد يوم وجهها الحقيقيّ، العنصريّ والطائفيّ، الرافض للسلام والراغب بالتوسّع وعدم ترسيم حدودها البريّة، أو تضع دستور مكتوب لها متحديّة كل قوانين الهيئات الأمميّة، وفي طليعتها الأمم المتّحدة.
كذلك، فإنّ إسرائيل ترفض وقف الإستيطان بالضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة، وقد أسّست إدارة مدنيّة لها لتُلغي صلاحيات السلطة الفلسطينيّة، وتبني جدارات فصل عنصريّ بشكل دوريّ ومستمر. وتعمل بشكل مكثف على تهويد المسجد الأقصى وزعزعة أساساته بالحفريات المستمرة أسفله وترمي لهدمه بهدف إقامة هيكل سليمان المزعوم مستقبلاً مكانه. فكيف يمكن أن يصوّرها البعض بأنّها حمامة سلام تفي بمواثيقها الدوليّة برعاية أميركيّة؟
يكفي أن أشير، إلى أنّه رغم كل ما نعانيه من الإجرام الصهيونيّ، وكل ما ضحيّنا من أجله لحماية الأراضي المحرّرة، لا يمكننا أن نستسلم أو نستكين، وكل مسّ بسلاح المقاومة هو حلّ دوليّ مرفوض، وله أهداف صهيونيّة مبطّنة. فها وقد اختارت السلطة الفلسطينيّة خيار الإطمئنان للوعود الأميركيّة المزعومة بحل الدولتَيْن، ورأينا ما كانت عاقبة الأمور.
السلام والإحتلال نقيضان لا يمكن أن يجتمعا، ولا يمكن أن نتنازل عن أي أرض لبنانيّة أو عربيّة محتلّة، لا مزارع شبعا ولا تلال كفرشوبا ولا الجزء اللبنانيّ لبلدة الغجر ولا الجولان السوريّ المحتل ولا غزة ولا الضفة، وبكل تأكيد لن نتنازل عن القدس وكل المقدّسات.
بناءً على ما تقدم، يجب الوقوف دائماً في مواجهة إسرائيل إلى جانب سماحة سيد المقاومة السيّد حسن نصر الله “حفظه الله وأطال بعمره”، رافضين للوجود الإسرائيليّ في ما تبقى من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة وكذلك الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، لأنّ إسرائيل كيان غاصب خطر ومهدّد للسلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط. كما أنّ استمرارها بسياسة التوسّع بالاستيطان والإحتلال وتهويد المقدّسات وأسر المقاومين وجثثهم، سوف تكون له عواقب وخيمة. كما أنّه لا يجب الرضوخ لإملاءات المتطرّفين الإسرائيليّين وراعيهم الأميركيّ، وخصوصاً عدم السماح باستمرارهم بانتهاك القانون الدوليّ وتحدّي الإرادة الدوليّة وقرارات المحاكم الأمميّة.
كما أؤكد على ضرورة إلزام إسرائيل بتنفيذ قرار الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة الصادر في 18 أيلول 2009 لإخضاع منشآتها للرقابة وتجريدها من سلاحها النوويّ، وضمّها لمعاهدة عدم الإنتشار النوويّ، حتى لا يظل متطرّفهم إيتمار بن غفير يهدّد بالإبادة النوويّة، مذكرةً بحقنا في حيازة التكنولوجيا النوويّة للاستخدامات السلميّة وضرورة وقف سياسة الكيل بمكيالَيْن وازدواجيّة المعايّير.