الكُفْر بالسُلطة الزائلة والإِيمانُ بالوطن الدائم | بقلم هـنـري زغـيـب
مع مطلع هذا الأُسبوع، جاءَتْني إِلى هاتفي سلسلةٌ من اثنَتَي عشْرةَ صورةً تُشَكِّل اثْنَي عشَرَ منظرًا سياحيًّا جميلًا جدًّا كان يمكن أَن تكونَ عاديَّةً في أَيِّ موقع إِلكتروني لاثني عشر بلدًا في العالم لولا أَنها ليسَت في أَيٍّ من تلك المدُن الاثنتَي عشْرة بل هي… في لبنان.
في تلك المجموعة الاثنَتَي عشْرية: منظرُ جبلٍ يغسلُ قدمَيْه في البحر كما في سويسرا، ومنظرُ شوارعَ أَنيقةٍ مهندَمَةٍ كما في إِيطاليا، ومنظرُ مدينةٍ ذاتِ أَبراج عالية مُتَلازَّة كما في دُبَيّ، ومنظرُ مساحاتٍ جبليةٍ خضراءَ كما في البيرو، ومنظرُ شوارعَ مُزْهَوهِرةٍ بزلاغيط زهورٍ زهريةٍ جميلةٍ كما في هولندا، ومنظرُ ثلوجٍ بعيدةٍ تتخلَّلُها ثقُوبٌ هي شاليهات شتويةٌ للرواد والمتزلجين كما في اليونان، ومنظرُ عماراتٍ جميلةٍ ذات شرفات مزهرة في شوارع هادئة كما في إسبانيا، ومنظرُ ثلوجٍ جبليةٍ كثيفةٍ من أَسفل السفْح إِلى قمم الجبال كما في كندا، ومنظرُ مساحاتٍ خضراءَ شاسعةٍ كما في فيتنام، ومنظرُ أَبنيةٍ مُزَقْزقةٍ بزوغة أَلوان كما في كولومبيا، ومنظرُ شساعاتٍ خضراءَ تتخللُها طرابيشُ ثلج كما في النيبال، ومنظرُ طبيعةٍ جميلةٍ هادئةٍ هانئةٍ سائدةٍ كما في سويسرا.
قلتُ إِنَّ تلك المشاهد الجميلة الباهرة في المدُن والبلدان، نراها بسُهولةٍ على المواقع السياحية لتلك المدُن والبلدان، وقد نُعجَبُ بها حتى لنتمنَّاها عندنا، ولكنها… لكنها فعلًا عندنا: في بيروت، في المدُن، في سهولنا، في مروجنا، في شوارعنا، في أَحيائنا، في قُرانا، في دساكرنا، في جبالنا صيفًا وشتاءً، في كلِّ شهقةٍ جميلةٍ من أَرضنا اللبنانية الغنية.. فلماذا إِذًا نحسد الآخرين وهي عندنا؟ ولماذا نتمنَّاها وهي أَمامنا؟ ولماذا لا نَحسُدُنا نحن على أَنها عندنا وليست عند كثيرين من الآخرين؟
لا أَعرف ما هو أَو مَن هو مصدر هذه المجموعة السياحية الجميلة. وأُحب أَن أَعرف إِن كان يسمَعُني أَو إِن كان مَن يعرف فيخبِرُني، حتى أُهَنِّئَ صاحب الفكرة على هذا المنتَج السياحي الذي ينتَشر على مواقع التواصل الإِلكتروني وهي أَثبتَت أَنها، بتَنَوُّعها وكثْرتها ووفرة منصَّاتها، أَفعلُ وأَقوى وأَسرعُ انتشارًا من الصحف والمجلات وحتى من أَغلب الشاشات التلفزيونية.
إِنها فكرة ذكية للترويج السياحي، في لبنان وفي العالم، للدلالة على أَنَّ في طبيعتنا اللبنانية جمالاتٍ رائعةً لو يَزورها اللبنانيون لأَشاحوا عن مشقَّات السفر إِلى بلدان عالم للتزلُّج والاصطياف والراحة والهدوء والهناءة، ولتوقَّفوا عن النَقِّ السخيف بأَنْ ليس في لبنان ما يستحقُّ تمضية العطلة أَو المواسم.
هذه المشاهدُ الطبيعية اللبنانية الجميلة عندنا، معظمُها من عطايا الطبيعة، وبعضُها بعناية نخبة من شعبنا بالشوارع والأَبنية والحفاظ على الطبيعة، حتى لتغدو السياحةُ الداخلية متعةً فائقةً في أَرجاء لبنان من أَقصى عكَّاره إِلى أَعلى حرمونه وفاريَّاه وزعروره وأَقصى صُوْره وصيداه ومواقع جبيلِهِ وبعلَبكِّه وعنجره ووادي قاديشاه وأَيِّ نعمةٍ ساحرةٍ في طبيعتنا، وما أَكثرَ نُعماها ونِعَمِها ونُعْمَياتها، تشكِّل وطنًا لنا وهبَتْناهُ الطبيعةُ كي نَنْعَمَ به ونعتَزَّ بوطنٍ لنا فريدِ الطبيعة، فريدِ المبدعين، فريدِ الكنوز في أَرضه تاريخًا وحضارةً وسياحةً وآثارًا، ولْيَخْرَسِ المتشائمون النقَّاقون، ولعناتُهم على ما منه يُعانون ماليًّا واقتصاديًّا ومعيشيًّا واجتماعيًّا، فَلْيَصُبُّوها غَضَبًا جَلَّادًا لا على الوطن الجميل الفريد بل على سُلطةٍ فيه مُنْتِنَةٍ لم تَحْكُمْ دولتَه بضميرٍ بل بمصالحَ شخصيةٍ شخصانيةٍ أَربابُها “بيت بو سياسة” الذين جعلُوا شعبَنا يكفُر لا بلبنانَ الوطنِ الجميلِ بل بِدَوْلَتِهِ الفاسدة التي يتولَّاها من زمانٍ أُهلُ سلطةٍ فاسدُون.
وبين الكُفْر بالسُلطة والكُفْر بالدولة، يبقى وحدَه سالِمًا أَبدًا وحبيبًا دائمًا: الإِيمانُ بلبنان الوطن.
نشر المقال أولا في “النهار”.