الموازنة الظالمة | بقلم د. رنا منصور
الموازنة الظالمة المنكبّة على ظهر الشعب المقهور الذي لم يعد يملك ما يجب لشراء الدواء وخصوصاً أدوية الأمراض المستعصية، والموازنة الظالمة والعشوائيّة وضرائبها العجائبيّة التي ستجعل الشعب اللبنانيّ يُعاني المزيد من الجوع والحرمان والتشرد والتي تضرب بعرض الحائط الواقع المعيشيّ البالغ تحت خط السوء لكل الشعب اللبنانيّ تجعله يعيش مرحلة وجوديّة خطيرة لا يعلم أحد إلى أين ستؤدّي هذه الحياة البائسة التي أصبح بها المواطن لا حول ولا قوة إلّا بالله التسليم بقدره الكئيب الذي سينتج عنه أمراض نفسيّة وجرائم لا يعلم بها إلّا الله، فالجوع والقهر يولّد كل شيء وخصوصاً القضايا المأساويّة التي لا تُعدّ ولا تحصى. فالموازنة اللإنسانيّة هي جريمة بحق الشعب الفقير الذي فقد في وطنه كل احتياجاته الاجتماعيّة.
إنّ إلقاء نظرة واقعيّة وسريعة على موازنة عام 2024 يُشير إلى أنّ السجن أفضل للمواطن في حال تأمّن له المأكل والمشرب والنوم. إنّ الموازنة التي طُرحت زادت أرقام الموازنة من 42 ألف مليار ليرة لبنانيّة عام 2022 إلى 301 مليار أو 302 مليار ليرة لبنانيّة عام 2024، أي بزيادة قدرها 635% (ستة إلى سبعة أضعاف) منها 94% نفقات استهلاكيّة و4% أو 5% نفقات على البنى التحتيّة. وسارعت الدولة إلى تغطية هذه النفقات بزيادة خياليّة في الضرائب والرسوم، فرفعتها إلى 300 ألف مليار ليرة لبنانيّة بعد أن كانت سابقاً 30 ألف مليار ليرة لبنانيّة أي بزيادة قدرها 765% كنسبة وسطيّة.
إنّ هذه الموازنة للعام 2024 تُعدّ من أسوء الموازنات خصوصاً أنّ الشعب اللبنانيّ يُعاني من أزمة اجتماعيّة تطاله وهو لم يشهدها منذ استقلال لبنان حتى اليوم. فالشعب يُريد موازنة تعالج هذا الإنهيار الحاصل في وطنه منذ العام 2019 ولو ضمن المعقول. نحن إيجابيّين دائماً ولا نحب المعارضة لمجرد المعارضة ونريد دائماً دعم الدولة خصوصاً في هذه الأيام العصية التي تمر بها المنطقة وعلى رأسها الدولة اللبنانيّة والأمة العربيّة. ولكن اذا أردنا أن يصمد الشعب، فعلينا أولاً وآخراً تأمين لقمة عيشه بالإضافة إلى الدواء والغذاء والمستشفيات، وإلّا كيف نطلب من شعب الصمود وهناك من يعاني الفقر المدقع ويعيش دون غذاء أو استشفاء أو دواء.
لذلك كان يجب على الدولة التفكير كثيراً قبل طرح هذه الموازنة العشوائيّة. إنّ الدولة اللبنانيّة تترك للمواطن أن يؤمّن نفسه وتطلب منه رفع رسوم خدمات غير موجودة على الإطلاق مثل الماء والكهرباء والتي تم رفع منسوب الزيادة فيها من 40 إلى 50 ضعف عن السابق، علماً بأنّ هذه الرسوم لا تدخل في موارد الموازنة بل في موارد المؤسّسات العامة.
إنّ مشروع الموازنة خصّص لموظفي القطاع العام حوالى 55% إلى 60% من إجمالي الموازنة، إلّا أنّ هذه الرواتب والأجور تساوي فقط 28% من القدرة الشرائيّة للرواتب كما كانت عام 2019 عندما كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانيّة حيث فقدت الرواتب ما بين 80 إلى 90% من قيمتها الشرائيّة، وهذا دليل على مزيد من التضخم وهو أخطر من الإنكماش والركود الاقتصاديّ. كما أنّ السلطة فقدت دعم التعليم من 8.7% عام 2019 إلى 3.41% في الموازنة الحاليّة، والأبرز تخفيض نسبة النفقات على الصحة العامة للمواطن الموجوع المقهور الى 10% فقط في الوقت الذي يجب أنّ تكون أكثريّة الدعم على الصحة والغذاء لأنّ هذه النفقات تمسّ لقمة عيش الفقير وحياته اليوميّة، وبالتأكيد لم يعد هناك من طبقة وسطى في البلد.
أيّها المواطنون، هذا فيض من قيد للموازنة، وإذا أردنا تشريحها فنحن بحاجة لصفحات وصفحات وكلّها تصب في تعاسة هذا الشعب الذي لم يعد يثق بأحد.