تحديات اللائحة الرمادية : مسار من العقبات البنيوية والعملية | بقلم د. مازن مجوّز
يشكل الخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى لبنان ، ولكنه ليس مستحيلًا إذا توافرت الإرادة السياسية والالتزام بالإصلاحات المطلوبة.
وباتت فرص الخروج من هذه اللائحة اكثر احتمالا مع انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة العتيدة، لكنه يبقى معقدا إذ يتطلب مواجهة عدد من العقبات البنيوية والعملية التي تعترض طريق لبنان.
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي من خلال تعديل القوانين المحلية كي تتوافق مع معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى إنشاء أو تقوية الهيئات الرقابية والمصرفية لضمان تطبيق هذه القوانين بفعالية. كما يتطلب الأمر تحسين الشفافية المالية عبر فرض ضوابط أكثر صرامة على العمليات المصرفية وتعزيز نظم الإبلاغ المالي عن العمليات المشبوهة.
بالطبع هذا لا يكفي لاكتمال المشهد، إذ ثمة عقبات بنيوية وعملية تعترض طريق لبنان، وفي هذا السياق يشرح الخبير الاقتصادي وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري للـ”خبر إن “استمرار الفساد يعتبر العائق الأكبر أمام تحقيق الإصلاحات المطلوبة. هو ليس مجرد مشكلة إدارية بل هو جزء من شبكة معقدة تشمل قطاعات الدولة والقطاع الخاص، ما يجعل محاربته أمرا صعبا ويتطلب تغييرات جوهرية في الثقافة السياسية والحوكمة”.
ورغم التحديات، هناك عدة عوامل تدعو للتفاؤل. وهنا يؤكد الخوري أن “الانفراج السياسي يمكن أن يخلق إرادة حقيقية لتحقيق الإصلاحات الضرورية، خصوصا إذا تُرجمت إلى خطوات عملية. الدعم الدولي، سواء من الدول المانحة أو المؤسسات المالية العالمية، يمكن أن يساعد في تقديم الخبرات التقنية والمالية اللازمة”، معتبرا أن الإصلاحات الاقتصادية المتوقعة قد تسهم في تعزيز الثقة الدولية بلبنان إذا تم تنفيذها بشكل واضح وشامل. إضافة إلى ذلك، يبدو أن القطاع المصرفي اللبناني على استعداد لتحسين التزاماته بالمعايير الدولية لاستعادة علاقاته مع الأسواق العالمية. ومع ذلك، فإن العقبات الرئيسية مثل ضعف الثقة الدولية واستمرار الفساد تتطلب جهودًا مستدامة ومركزة لتحقيق هذا الهدف”.
“يعاني لبنان من أزمة ثقة عميقة على المستوى الدولي بسبب تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية على مدى سنوات طويلة. فالمجتمع الدولي والهيئات المالية لا يزالان ينظران إلى لبنان كدولة غير ملتزمة بتعهداتها الإصلاحية، خصوصا بعد فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ وعودها المتعلقة بالإصلاح المالي والإداري، وكغيرها من التحديات فإن استعادة هذه الثقة تحتاج إلى وقت وجهود متواصلة”، يقول الخوري.
هناك تحدٍ آخر يتمثل في ضعف البنية التحتية القانونية والمؤسساتية في البلاد، فالمؤسسات القضائية والتنظيمية غالبا ما تفتقر إلى الموارد اللازمة والكفاءة اللازمة لتطبيق القوانين بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال التدخلات السياسية المستمرة في عمل القضاء والمؤسسات الرقابية تحد من استقلاليتها وقدرتها على اتخاذ قرارات جريئة، لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما الوضع الاقتصادي المنهار فيُضيف بعدًا آخر لهذه التحديات، حيث أن القطاعات المالية والمصرفية اللبنانية تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة. وأبرزها القيود المفروضة على السحوبات والتحويلات المالية، حيث جعل فقدان الثقة بين المواطنين والمصارف، من الصعب تطبيق معايير الشفافية والمساءلة المطلوبة. كما أن الوضع الاقتصادي يضغط على الحكومة لتجنب إجراءات إصلاحية قد تكون غير شعبية، ما يعطل الجهود الرامية إلى الخروج من اللائحة الرمادية.