أَولَوِيَّات حُكومة ميقاتي … المُسامِح كَريم! | كتب البروفسور بيار الخوري
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تحدّث الرئيس نجيب ميقاتي، بُعَيدَ الاتفاقِ على التشكيلةِ الحكوميّةِ اللبنانية التي طال انتظارُها، بإسهابٍ عن أَولوِيّات حكومته الأربع في المُهلةِ القصيرةِ المُعطاةِ لها، وحدّدها بالتالي: مُواجهةُ جائحةِ كورونا، إعادةُ إعمارِ مرفإِ بيروت، الإصلاحاتُ بشكلٍ عام، والانتخاباتُ النيابية.
نَذكُرُ تماماً خطاب الرئيس حسّان دياب في لحظة شبيهة حين قال: “هذه الحكومة هي حكومةٌ تُعبِّرُ عن تطلُّعاتِ المُعتَصِمين على مساحة الوطن، وستَعمَل لترجمةِ مطالبهم في استقلالية القضاء واسترجاع الأموال المنهوبة”.
ملفتٌ فعلاً أن حكومة ميقاتي ليست بحاجة إلى التحدّث عن تطلّعاتِ المعتصمين، ولا عن قَطعِ الأوتوسترادات، ولا افتراش الأرض أمام سياراتِ النوابِ المُتّجهين لإعطاء الثقة لحكومة دياب، ولا طبعاً عن استعادة الأموال المنهوبة.
بعد أن سافرَ مَن سافرَ من الثوار، وتَعِبَ مَن تَعِب، لم يبقَ من الثوار سوى مَن ينتظروا تصريحات بعض السفراء المَعصومين ليتّخذوا قراراً بالغضب الشعبي أو عدمه.
تلك لحظةٌ مِثاليةٌ للتخلّص من المَطلَبِ الرئيس الذي قامت عليه ثورة “كلُّن يعني كلُّن” في ١٧ تشرين الأول 2019: إستعادَةُ الأموالِ المَنهوبة.
حتى إشارة الرئيس دياب إلى أنَّ حكومتَه، التي كانت بالفعل حكومةَ اللون الواحد، هي حكومةُ كل لبنان، والتي كانت مُكَوَّنة من اختصاصيين ذوي كفاءات، وفيها تمثيلٌ مُتوازِنٌ إلى حدٍّ ما للمرأة، لم تكن ضرورية هذه المرة. دياب حاول التنصّل، وإن بقلّة براعة، من تمثيل الأحزاب، فيما لم يُشكّل الأمر أدنى حَرَجٍ لميقاتي الذي جاهَرَ خلال مفاوضات التأليف أن كلّ الزعماء سيكونون أكثر من راضين عن حصّتِهِم في الحكومة العتيدة.
رُغمَ كل المهانة التي تعرّضت لها حكومةُ الرئيس دياب وحجم التنصّلِ منها قبل وبعد استقالتها، فإنها كانت مَدخَلاً ضرورياً لحكومة ميقاتي. لقد كانت حكومةً قرّرت الانتحار بوعيٍ من أجلِ إنقاذِ الطبقة السياسية وتحمّلت موبقات النظام برمّته، حاولت ببراءة وطيب نيّة لافتة أن تُعيدَ توزيع الخسائر، فووجِهَت بالغضب من صانعيها قبل أعدائها. كأن جكومة ميقاتي كانت تنتظر خلف الستارة حتى تنتهي حكومة دياب من مُهمّتها الانتحارية. هذا ما كتبته يوم الاتفاق على حكومة دياب وهذا ما يحصل الآن.
إقرأ أيضًا: إنتحاريّون بربطاتِ عُنقٍ، وانتحارياتٍ بكعابٍ عالية
قرابة السنتين من حكومة دياب، إن بالأصالة أو بتصريف الأعمال، تمخّضت عن انهيارٍ واسعٍ للعملة ورفع الدعم عن كل شيء تقريباً وأوسع تفلّت لمافيا السوق، أوصلتنا إلى حكومة ميقاتي.
تماماً كما ورث نابليون بونابرت الأوّل حكومة “الديركتوار” (Directoire exécutif) وهو التغيير الذي أطلقَ كارل ماركس عليه تعبير “النهاية المُرعِبة خيرٌ من الرُعبِ بلا نهاية”. فهل يُمكن القول هنا أنّ النهايةَ المُذِلّة لمَطالبِ الثورة خيرٌ من استمرارِ الذُلِّ بلا نهاية الذي عِشناهُ مع اقتصادِ الطوابير.
لقد استعارَ الكثيرون تعبيرَ “مَن سيربح المليون” بمناسبة تعيين الإعلامي جورج قرداحي وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس ميقاتي، ولكني أجِدُ برنامجاً آخر لقرداحي أكثر تعبيراً عن واقعِ الحال هو برنامج “المُسامِح كَريم“. وداعاً لاستعادة الأموال المنهوبة.
ينشر بالتزامن مع مجلة أسواق العرب اللندنية