عملية “الأربعين” أو “غليليوت” تثبت توازن الردع! | كتب أكرم بزي
بعد انتظار دام 25 يوماً، جاءت عملية الرد على اغتيال القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر لتعيد وتثبت معادلات الردع التي عودتنا عليها المقاومة الإسلامية منذ انطلاقتها، وضمن قواعد الاشتباك (بيروت مقابل تل أبيب).
تحدث الكثير عن تأخير عملية، لدرجة أن البعض قال: يبدو بأن “الحزب” ابتلع العملية ولن يرد عليها، ولكن جاءت العملية اليوم لترد على المتشككين وعلى المغرضين وعلى “الكارهين”، بأن المقاومة الإسلامية في لبنان قادرة على اختيار الهدف المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب وبطريقة ذكية جداً.
فاختيار قاعدة ” غليليوت” له دلالاته الأمنية والاستخباراتية، التي أكد فيها حزب الله أنه قادر على الوصول الى المكان الذين يعتبر الأكثر أماناً لدى الكيان الصهيوني، وهو بحسب بعض المحللين العسكريين الصهاينة، بأن هذا المكان “محرم” أصلاً على عسكريين و ضباط من الجيش الصهيوني، وبالتالي لك أن تتخيل ما هي خطورة هذا الهدف.
تقع القاعدة الأم للوحدة 8200 في معسكرات غليليوت في رمات هشارون، وهي قاعدة مغلقة وتعد أكبر قاعدة تنصت، تتفرد بنظام خاص بها، من حيث القوانين التي تحكمها والهيكلية العسكرية الهرمية التي تعتمدها. يشار إلى الوحدة 8200 أحيانًا باسم وحدة “SIGINT، وهي العامود الفقري والشبكة العصبية لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي بأكمله والوحدة الاستخباراتية التقنية الأهم في العالم.
تمثل بالنسبة للجيش الوحدة المركزية للجمع الاستخباراتي وإحدى أكبر وحداته النخبوية. يتركز نطاق عملها في المجال السيبراني، وهي المسؤولة عن التجسس الإلكتروني، وقيادة الحرب الإلكترونية. وهي تقوم بتقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات من خلال عملها في الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش على الدول والشخصيات. والكشف والإنذار المبكر وتوفير المعلومات الاستخبارية اللازمة والاستعداد لاحتمال التصعيد والحرب، وتزويد صناع القرار بالمعلومات الأمنية الحساسة. وشن الحروب الطائفية والدينية بين العرب والمسلمين. وإدارة عمليات “المعارك ما بين الحروب”. وإدارة عمليات الذباب الإلكتروني والحسابات الوهمية، بالإضافة الى الكثير من العمليات الأمنية والاستخبارية والتضليل الخ…
ولعل أبلغ تعليق على هذه العملية أتى من الناطق العسكري لحركة حماس في أنفاق غزة أبو عبيدة الذي قال إن “عملية حزب الله تؤكد من جديد تغير الواقع الاستراتيجي للكيان (إسرائيل) منذ طوفان الأقصى (7 أكتوبر الماضي)، فلا أمان للعدو من العقاب ولا حدود لإمكانية دكه في أي مكان ومن أية جبهة”. وشدد على أن”كل الجبهات ستظل مشتعلة ومتصاعدة في وجه العدو طالما استمر العدوان على أهلنا وشعبنا”. وهذا ما أكد عليه سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
الشارع الإسرائيلي وبعد الساعة السابعة صباحاً من يوم امس، بدأت الاصوات ترتفع وتقول هذه العبارة “حزب الله هزمنا”، وأيضاً في “شمال الأراضي المحتلة” وبلسان المستوطنين الصهاينة قالوا: “خسرنا الشمال”، وهذا دليل على أن حالة الردع التي تحققت جائت نتائجها واضحة وجليّة لكل من يهتم بالشؤون الأمنية والعسكرية. وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أول من أعلن عن الأهداف التي أصيبت صباحاً.
وبعد العملية مباشرة قال المعلق العسكري الصهيوني ألون بن ديفيد: “على بنيامين نتنياهو أن يستقيل”، وأيضاً شامير هايمن في تعليقه قال: “إسرائيل فشلت”، وهذه دلالات على أن العملية آتت أكلها وحققت هدفها، وإلا لا داع للتعليق بهذا الكلام.
بالعودة إلى العملية وأهميتها، فالهدف كان على 110 كلم شمال العاصمة “تل أبيب”، وفي ظل استنفار شامل وكامل لكل منظومات الدفاع الجوي من مقلاع داوود والقبة الحديدية ونظام آرو “السهم”، واستنفار كامل وشامل أيضاُ للبارجات والمدمرات وحاملات الطائرات الاميركية، بالإضافة إلى الأقمار الصناعية، والطائرات المسيرة، والطائرات النفاثة من أف 16 و أف35، وطائرات الأواكس الأميركية والبريطانية التي لم تبارح سماء منطقتنا، استطاعت مسيرات المقاومة الإسلامية من الوصول إلى أهدافها بكل بساطة ودون تعقيد وإصابة الأهداف في القاعدتين والتي تبعد عن حدود مدينة تل أبيب فقط 1500 متر، يعني هي من ضواحي تل أبيب ومن القواعد المجاورة لها، وأيضًا أهداف أخرى كالمواقع والثكنات والقواعد العسكريّة الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة أو في الجولان السوري المحتل التي هي بحد ذاتها أهداف وينفذ فيها عمليات بشكل دائم وبشكل شبه يومي.
تقرر أن يكون استهداف المواقع كلها والقواعد في شمال فلسطين المحتلة والجولان السوري بصواريخ الكاتيوشا، على طول الجبهة وفي مختلف المواقع، وكان المقرّر أن يُطلق 300 صاروخ لإستهداف المواقع، وثانيًا، لإشغال القبّة الحديديّة والصواريخ الإعتراضية لعدّة دقائق لتعبر المسيّرات. والسلاح الآخر هو سلاح المسيّرات بأحجام وأنواع مختلفة، وسط وكبيرة وإلى آخره، وعلى أساس أن جزء من هذه المسيّرات سيتّجه إلى “عين شيمر” والجزء الأكبر سيتّجه إلى جوار مدينة تل أبيب إلى غليلوت. (وهذا ما يحاكي إلى حد ما، ما جرى في عملية الوعد الصادق الإيرانية في 13/14 نيسان الماضي).
وبحسب ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أمس: “الهدف العسكري النوعي الذى قلنا أنّنا سنعلن عنه في وقت لاحق هو قاعدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان وحدة 8200 في غليلوت بالقرب من مدينة تل أبيب كهدف أصلي والهدف المساند أو المساعد أو القريب هو قاعدة الدفاع الصاروخي والجوي في “عين شيمر”، نحن معطياتنا وبعض مصادر المعلومات لدينا تؤكد أنّ عددًا مُعتدًا به من المسيرات وصل إلى هذين الهدفين، ولكن العدو يتكتّم كما هي العادة، على كل حال الأيام والليالي هي التي ستكشف حقيقة ما جرى هناك”.
إذن تم تحقيق الهدف الذي عجزت عن صده أميركا بعظمتها و”إسرائيل” بكل أنظمتها الدفاعية، وهذا يعتبر فشل ذريع على مستوى الاداء العسكري والامني والاستخباراتي، فالمطلوب كان هو إيصال رسالة ردع للقيادة الصهيونية، والإمعان أكثر في مأزق القيادة الصهيونية وخاصة بنيامين نتنياهو.
وجاء إطلاق الصاروخ من قبل المقاومة الفلسطينية من جنوب قطاع غزة في عمق “تل أبيب” ليزيد الطين بلة، على بنيامين نتنياهو، خاصة، وأن العمليتين جائتا بالتزامن مع ما يجري في المفاوضات في القاهرة، ولكي تشكّل عملية ضغط على المفاوص “الإسرائيلي”.
الخلاصة: أن معادلة الردع ثُبتت، وأن الضربة آتت أًكلها ونجحت، والهدف منها كان “معنوي” أكثر منه “مادي”، لتثبيت ما يعرف بـ “قواعد الاشتباك” وردع “إسرائيل” عن استباحة العاصمة أو المدن ساعة تشاء دون رد، ولم يكن الهدف قتل المدنيين لإشفاء الغليل، بل التحدي بالوصول إلى “تل أبيب” بالرغم من الاستنفار الغربي في البحر والبر والجو للدفاع عن هذا “الكيان اللقيط”، والرسالة وصلت.