“كل التهاني لشعبة المعلومات على إنجازاتها، وعلى أمل أن تحذو باقي الأجهزة حذوها” | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
ليست المرة الأولى التي تثبت فيها شعبة المعلومات جدارتها، وكفاءتها ومهنيتها وحرفيتها العالية في حماية الأمن القومي اللبناني.
شعبة المعلومات هذه بإمكانياتها المتواضعة” قياسا على إنجازاتها” تثبت يوما بعد يوم أنها رائدة في لبنان والمنطقة العربية في مجال الأمن الوقائي، حيث أثبتت فعلا أنها كانت ولا تزال على قدر الآمال التي عقدها عليها مؤسِّسُها ومُحدِّثها الشهيد الكبير وسام الحسن، صاحب الرؤية الأمنية الثاقبة والسبَّاقة في حاجة لبنان لمثل هذا الجهاز المُحترف، في ظل الظروف المُعقدة سياسيا وأمنيا، وانكشافه سابقا أمام أجهزة المخابرات الدولية وبخاصة أجهزة مخابرات العدو الإسرائيلي.
نعم لقد حقق هذا الجهاز الأمني إنجازات كبرى، قلة من الناس والمسؤولين يعرفون طبيعة تلك الإنجازات وأهميتها بالنسبة إلى لبنان كدولة وشعب ومقاومة.
أول نجاحاتها الهامة جاءت بفعل حنكة ومهارة الخبير الفني الأول في هذه الشعبة الشهيد البطل وسام عيد، الذي تفوَّق بذكائه ومَهاراته الفنيَّة على لجنة التَّحقيقِ الدوليَّة رغم كل الإمكانيَّات التي وُفِّرت لها، ولولا براعته لربما بقيت التَّحقيقاتُ في جريمة اغتيال دولة الرئيس رفيق الحريري مُجرَّد عبارات إنشائيةٍ خاليةٍ من الأدلةِ والقرائن. ولكانت المحكمة الخاصة التي أنشئت لهذه الغاية تاهت عن الحقيقة كليا، وربما لكان شكل حُكمِها صك براءة للقتلة وللجهات التي وقفُت خلفَ قرارِ الاغتيال.
إنجازات شعبة المعلومات تكاد لا تُحصى، إذ يوميا نشهد الانجاز تلو الإنجاز، وهذا دليل على أنها مؤسَّسةٌ محترفةٌ غنيةٌ بالكفاءات. وأعظمُ إنجازاتها يتمثَّل في تفَوقِها على العدو الإسرائيلي بكشفها عدد لا يُستهان به من الشَّبكات التجسَّسية وتوقيفها للعديد من العُملاء الخونة الذين عمدت أجهزة مُخابرات العدو إلى زرعهم وسط أجهزتنا العسكرية او خارجها ولم تسلم منها المُقاومة رَغم حِرصِها وتَشدُّدِها في التفرُّد بأمنها الذاتي.
نعم لقد نجحت شعبة المعومات وإلى جانبها باقي الأجهزة الأمنية والعسركية حيث أخفقت أجهزة إقليميةعريقة تعنى بالأمن الوقائي وبالاستعلام المخابراتي.
كما أثبتت فعلا لا قولا أنها على قدر الآمال المُعلَّقةِ عليها، ورغم كثرة واتساع نطاق مسؤولياتها، نجحت في كشف العديد من الحرائم بدءا من جرائم القتل مرورا بالسرقة والخطف والاتجار غير المشروع بالمخدرات وصولا إلى التعامل مع العدو.
الغريب في الأمر بل المُستغرب، كيف لا يزال البعض يُصرُّ على إنكار انجازات هذا الجهاز أو مُحاولته التقليلُ من شأنه، تارة بالتقليل من حجم الإنجازات بتصويرها وكأنها منجزات عادية يوميَّة روتينيَّة، أو تجاهلها كليا، وطورا بالإصرار على تَسميته “بفرع المعلومات” وإن كنا في هذا الإطار نلقي باللوم على السلطات الحاكمة التي تخلفت عن محاكاة المستجدات التنظيمية التي أملاها تطور الظاهرة الإجرامية. والبعض لا يكتفي بالانكار بل يتمادى في عدم التَّعاون معها، ورُبما يَحملُ عليها كشفها لألاعيبه وارتكاباته الرذيلة.
وفي معرض حديثنا عن الأمن الوقائي، والأمن القومي والعسكري، واكتشاف تكرار محاولة العدو الاسرائيلي اختراق الأجهزة العسكرية، أجدني مضطرا للتنبيه لخطورة ألتماهي في إلهاء قوى ووحدات الجيش اللبناني الوطني وجهاز مخابراته عن مَهامِهما الأساسيَّةِ المتمثلة في التَّصدي للعدو الاسرائيلي وكشف مُخططاته التخريبيَّة، سواء كانت عسكرية أو مخابراتية-أمنية ذات طابع إرهابي، وهنا لا بد من التذكير بما ينص عليه الدستور بعد تعديلات الطائف بضرورة حصر مهام المخابرات العسكرية في كل ما له علاقة بأمن الثكنات والوحدات العسكرية وضباط ورتباء وأفراد الجيش اللبناني، بالإضافة لجمع المعلومات ذات العلاقة بكل ما يمسُّ بأمن الدولة الخارجي، لكشف ومُكافحة أية مُحاولات اختراق خارجية عَسكريَّة أو مُخابراتية، بما في ذلك محاولات إقامة شبكات تجسُّسية لصالح دول أخرى، او زرعِ أجهزة تنصُّت او مراقبة او اعتراض للاتصالات داخل ترابنا الوطني.
أقول مناديا بضرورة إعادَةِ النَّظر بطبيعة المهام الملقاة على جهاز مخابرات الحيش اللبناني، ليس من باب التقليل من شأن انجازاتها الأمنيَّة داخليا، إنما من باب احترام الدستور وقواعد الاختصاص النوعي، وتفعيلا لدورها الأساسي في معرض التَّصدي لمحاولات العدو الاسرائيلي التجسُّسية والارهابية واعتداءاته العسكرية.
قد يستسيغ بعض السياسيين، لقصور في رؤيتهم الجيوسياسية، تكليف الجيش ومُخابراته بمهام أمنيَّة داخليَّة من باب التوازن الطائفي داخليا، ولكن يغيب عن بال هؤلاء ما ينطوي عليه هذا الأمر من مخاطر، باعتباره يتسبب بقصور استخباري وإخلال بالواجبات الأساسية، نتيجة إلهاء جيشنا الوطني ومخابراته العسكرية بمهام تخرج عن صلب مهامهما الأساسيَّةِ المناطة بهما دستوريا، والمتمثلة حَصرا في مُقارعَةِ الاعداء الخارجيين، وكشف مَساعيهم التخريبيَّة والساعية دائما للنيل من هيبة الدولة اللبنانية وتقويض قُدراتها القتاليَّة ومنعها من صون أمنها القومي وترابها الوطني.
وثمة مخاطرُ أخرى لا تقل خطورة عما أشرت إليه، تكمنُ في قِيام جِهات أخرى غير رَسمية باستِغلالِ قصور الجيش عن متابعة مجمل الشؤون الدفاعيَّة، وتعبئة الفراغ المتأتي عن الهائه بمهام داخليَّة خارج نطاق اختصاصه، والحلولِ محله ومحل مُخابراته، الأمر الذي تسبب بازدواجيَّة عسكريَّةٍ تَتعارضُ مع مفهوم سيادةِ الدولةِ على كاملِ إقليمِها بريا وبحريا وجويا، كما مع مبدأ حَصرِ السِّلاحِ داخلَ الدَّولة بأجهزتها العسكريَّةِ والأمنيَّة دون سِواها.
إن هذا الفراغ الذي تأتَّى عن إمعان الطَّبقة السياسيَّة في إغفال أبعاد إلهاء الجيس عن مهامه الأساسية وتجاهل مخاطره تسبَّب بازدواجية عسكرية على أرض الواقع، وقلب الادوار، ما بين الجيش والمقاومة، وغلب دور المقاومة على دور الجيش في معرض الدفاع عن الوطن وصَون مَصالحه.
هذه الازدواجية في تولي شؤون الدفاع عن الوطن، كان لها انعكاساتٌ سياسية خطيرة، لقلبها المقاييس بحيث أضحى دور المقاومة أساسيا وإظهار دور الحيس وكانه تكميلي على خلاف الأصل.
ومع مرور الوقت تفاقمت انعكاسات هذه المعادلة اللامنطقية، نتيجة خروج قرار المقاومة عن كنف سلطات الدولة الرسمية، وجنوحها خارجيا وإقحامها نفسها ولبنان في خضم صِراعات إقليميَّة.
وبعد أن كانت المكونات الوطنية مجمعة على دور المقاومة في مقارعة العدو الاسرائيلي داخل الاراضي اللبنانية، وتثمن تضحياتها الجسام، تلاشى هذا الإجماع بمجرد إساءة استعمال سلاح المقاومة داخليا وخارجيا. وأضحى مُعظم المكونات الوطنيَّة يرى في انحراف المقاومةِ عن نهجها الوطني المقاوم، وانجرافها في لعبة المحاور الاقليمية، عبء ثقيل على الوطن سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا، وعامل من عوامل تقويض السلم الأهلي.
كل ذلك يدعونا للتاكيد على ما سبق وأشرنا إليه، بضرورة الإقلاع عن إلهاء الجيش والمخابرات العسكرية بمهام أمنية داخلية خارج إطار المهام المناطة بهما في الدستور، والعمل على تعزيز دورهما وإمكانياتهما وتسخير جهدهما للتصدي للعدو الاسرائيلي.
وبالتوازي مع ذلك ينبغي العمل سريعا وقبل فوات الأوان على لبننة توجهات المقاومة مُجددا، والموازنة ما بين مُقتضياتِ مُقاومةِ العدو ومُتطلباتِ النُّهوض بالوَطن سِياسِيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا الخ…
وأختم بتكرار تهنئة شعبة المعلومات، والتوجه بالشكر والامتنان لكل المسؤولين عنها والعاملين فيها على جهودهم، وعلى أمل أن تحذو باقي الأجهزة حَذوها.