المصارف أفدح السقطات السياسيّة في لبنان.. | كتبت غادا فؤاد السمان
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يقول تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ“
صدق الله العظيم
قبل ألف وأربعمائة عام ويزيد هذا ما جاء في دستورِ الإنسانية، ومشرّعِ الأحوال المدنيّة، موضَّحًا في كتاب الله العزيز والمسمّى بالقرآن الكريم، تلك الآية التي تتطرّق وبمنتهى الدقّة للتعامل المادي بين الناس، والذي تطوّر مع الزمن، وأخذ موقعه في الصيغة المجتمعيّة التي اندرجت تحت مسمى أكثر تخصصيّة عُرفت بالمصارف، وهي المكان الاكثر أمانًا وخصوصيّة بل وسريّة أيضًا، وفيها يودع الناس أموالهم إما للربح المريح من خلال الفوائد الناجمة عن فضل القيمة المضافة كعائدٍ لربح ميسّر وسهل، أو المقتطعة من أصل القيمة كمصروف مستثنى وزائد عن الأصل، وفي جميع الأحوال فإن المصرف يعتبر ملاذًا آمنًا في الشائع والمتداول، لأيّة قيمة مالية تضمن الطمأنينة لصاحبها كما تضمن راحة البال…
ويعتبر لبنان البلد المصرفيّ الاول في المنطقة العربية بامتياز، ولطالما تخطّتْ سمعته جميع النطاقات المحليّة، واستطاع استقطاب عشرات بل مئات المستثمرين من أنحاء العالم العربي، لتكون لهم مساهماتهم في رفع مستويات الإيداع إلى درجة لافتة جدًا..
ومن بين المستثمرين العرب الكبار الذين آمنوا بجدارة لبنان في القطاع المصرفي ووثقوا به كامل الثقة التي خوّلته إيداع 22 مليون دولار دون تردد في بنك “سوسيته جنرال” دون ان يراوده عن يقينه أدنى شك في نزاهة هذا القطاع، إلا أنّ الخلافات السياسية المتراكمة والمتفاقمة على جميع الأصعدة والتي جعلت مجمل القطاعات تنهار تِباعًا انهيارًا مدوّيًا ارتطمت جميعها بالمدماك المصرفي الذي تخلخلت أركانه عن بِكْرةِ أبيه، وتناثرت شظاياه المؤذية لتطال رؤوس الأموال المودعة ورؤوس أصحابها بضراوة، سعادة الدكتور طلال أبوغزاله صاحب مجموعة أبوغزاله العالمية لم يعتمد أسلوب الكثير من المودعين الذين اتخذوا من كيل السِباب، وقذف الشتائم جبهة مضادة لتأنيب القطاع المصرفي بعموميته، ولم ينتحب ويلطم ويندب حظّه العاثر بل احتفظ بوداعته، وهدوئه، ورصانته، واتزانه، وصمته، ولم ينبس بأي تصريح بحقِّ المصرف المذكور أعلاه والذي لم “يرتقِ” إلى مستوى حمل “الأمانة” الباهظة التي إئتمنه عليها صاحبها، وآثر أن يلجأ إلى الأصول من خلال القضاء بكل توازن لأنه لا يحب الثرثرة والشوشرة، وسلّم زمام الأمور للقضاء احترامًا منه وتقديرًا لصدقيّة القضاء اللبناني فأوكل ثلّة من المحامين، ليقدموا دفوعهم، ويستعيدوا حقوق الدكتور طلال أبوغزاله…
وهنا لابدّ من السؤال هل يدرك أهل السياسة الذين لم يحتاجوا حتى اليوم أن يبيعيوا سياراتهم وطائراتهم ويخوتهم في أي درك وضعوا لبنان، وهل يدرك “القضاء” اللبناني بأنه هو آخر المعاقل المرجو تحييدها عن السياسة، والمفروض أن يلعب دوره بحذاقة ونزاهة وبراعة منقطعة النظير، وذلك بأن يتخطّى روتينية المحاكم، وأمراضها البيروقراطية الفتّاكة، التي يجترها الزمن وتبهت فيها الاوراق وتتراكم الغبار وتذبل الحقائق ويسأم المشتكي وعبثًا يعثر على حل تحت قبّة العدالة التي تفتقر للعدالة…
بوسع الدكتور أبوغزاله ان يلجأ لو شاء إلى المحاكم الدولية بدعوى عاجلة يمكن ان تسبب حرجًا للحكومة اللبنانية، لكنه فضّل التروّي والصبر على إحراج البلد الذي يحبّ، والذي لطالما مدّ إليه يد العون والمسانده، وكان ينبغي على الحكومة اللبنانية فور نشر خبر ماحصل مع الدكتور أبوغزاله في بعض الصحف اللبنانية، أن تتنبه وتتخذ قرارًا فوريًا بحكم صلاحياتها وتلملم الفضيحة المصرفية وتعمل جاهدة على إنصاف الدكتور أبوغزاله، فهو لم يودع مبلغًا بسيطًا بل هو ميزانية حقيقية ساهمت في رفع منسوب الإيداعات في المصرف المركزي لسنوات، ومن المؤسف حقًا ان يخسر لبنان ثقة الدكتور أبوغزاله اولًا بصفته خبير دولي في الاقتصاد وعلاقاته تنسحب على شركات في القارات الخمسة والتي تثق برأية ثقة تامة، ثانيًا بصفته مستثمرًا في العديد العديد من القطاعات، وأمثالة من المودعين العرب الذين اعتمدوا على الصدقية في السياسة المصرفية في لبنان، إلا أن الخيبة كانت أفدح من أن يتقبّلها عقل أو يرضاها منطق، فهل تدرك الحكومة اللبنانية التي تتعاقب بين تشكيل وتشكيل فداحة الموقف، هل المطلوب ضرب القطاع المصرفي عرض الحائط، أم استدراك الأمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لاستعادة ما أمكن من الثقة لإرضاء الدكتور أبوغزاله والذي لا يمثّل نفسه كشخصية استثنائية وحسب بل يمثّل معظم أهم الشركات في العالم فهو الخبير المالي والمؤلف الاقتصادي لأهم النظريات في عالم الأعمال لكبريات الدول الصناعية، وهو صانع التميّز والثقة، فهل يجوز أن تفرّط الحكومة اللبنانية بأحد أهم الذين استأمنوها على أموالهم وتضرب سمعتها لدرجة يصعب بعدها استعادة ماء الوجه وإصلاح الحال ليصير من المُحال؟!!!
لم يفت الأوان بعد.. وبوسع الحكومة اللبنانية التدخّل للملمة الفضيحة المخزية بحقها وهي الاستيلاء على أموال أهم المودعين العرب لديها، فلصبر الدكتور طلال أبوغزاله حدود، ولاحتماله على ضبط النفس قدرة يمكن أن تشرف على النفاد، وفي حال خرجت القضية من المحاكم اللبنانية التي تماطل في حسم الحل منذ أكثر من عام ونصف حتى يومنا هذا إلى محكمة دولية يمكن وقتها أن تحصل مضاعفات ومتاهات لا تنقص لبنان مغبّتها، وتستجر بعض الأمور التي لا تُحمد عقباها، وأنا هنا أكتب ما أكتب، ويعتريني خجل شديد من الدكتور أبوغزاله في بلد أحبّه وأعطاه وحفظه في ضميره ووجدانه وحناياه، فهل ينفع أن أقدّم له كلمة اعتذار، نيابة عن كل الذين أخطؤوا بحقّ أنفسهم وبلدهم حين خذلوه!!…