نكايات ملتبسة لإلهاء المواطنين في الوقت الضائع | بقلم أحمد بهجة
لا يختلف اثنان أنّ الوضع في لبنان وصل إلى مرحلة دقيقة وصعبة جداً على كلّ المستويات، ولم يعد بمقدور الغالبية الكبرى من اللبنانيين تحمّل الأعباء الثقيلة التي يلقيها على كاهلهم تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد الأكلاف لتوفير مقوّمات الحياة اليومية، والتي بات من الصعب تأمينها بالشكل اللازم لمعظم العائلات من مأكل وملبس ومأوى ودواء واستشفاء وكهرباء وغير ذلك مما لا يمكن الاستغناء عنه.
وها هي الأكلاف تزيد أكثر وأكثر مع رفع الرسوم الجمركية على عدد غير قليل من السلع، الأمر الذي سيرفع الأسعار بطبيعة الحال. ورغم أنّ المواد الغذائية معفاة من الرسوم الجمركية فإنّ أسعارها لن تبقى على حالها، ربما لن تزيد بنفس نسبة أسعار السلع الخاضعة للرسم الجمركي لكن هناك مواد مرتبطة بالسلع الغذائية ستزيد كلفتها مثل فواتير المحروقات ومولدات الكهرباء وأجور الموظفين وغير ذلك من العوامل التي تدخل في أساس تسعير كلّ السلع بما فيها المواد الغذائية.
إذا أخذنا هذه الناحية بعين الاعتبار، نجد أنّ الأجهزة المعنية بمراقبة الأسعار ونوعية البضائع، سواء في وزارة الاقتصاد أو في البلديات، وأيضاً الأجهزة القضائية، تقع على عاتقهم مسؤوليات إضافية، خاصة أنّ الحديث عن رفع سعر الدولار الجمركي عمره أكثر من سنة، وبالتالي عمَد بعض كبار التجار إلى استيراد كميات كبيرة من البضائع القابلة للتخزين ودفعوا رسومها الجمركية حين كان يُحسب سعر الدولار على أساس 1500 ليرة، وهنا لا بدّ من رقابة مشدّدة جداً للتأكد من أنّ هذه البضائع سوف تصل للناس بأسعارها سابقاً قبل رفع الرسوم الجمركية.
هذه الأمنية، أمنية تطبيق القوانين على الجميع، يعتبرها معظم اللبنانيين غير قابلة للتحقق نظراً للتجارب الكثيرة السابقة، حيث جرت العادة منذ زمن وهي مستمرّة إلى هذه الأيام أن يتمّ الإعلان عن اكتشاف مواد فاسدة أو أنّ هناك أوزاناً غير صحيحة، أو أسعاراً غير منطقية، لكن لم يرَ اللبنانيون أيّ أحد في السجن أو أمام المحكمة من كلّ هؤلاء المرتكبين الذين تعلن الأجهزة المعنية عن اكتشاف الخلل لديهم! بل نرى أنّ الواسطة والتدخلات السياسية تفعل فعلها على أعلى المستويات لحماية المخالفين وإلغاء أيّ غرامة أو عقوبة ربما صدرت بحقهم، علماً أنّ المتضرّر من تلك المخالفات هم الناس الذين تمّ خداعهم ببضاعة فاسدة أو متلاعب بوزنها أو جودتها أو سعرها… والمفروض بالمسؤول السياسي أن يسهر على مصالح الناس، عموم الناس، بدل أن يتوسّط لهذا وذاك من المخالفين إلا إذا كان هؤلاء المسؤولون شركاءَ لأولئك المخالفين، وبالتالي المطلوب محاكمتهم هم أيضاً أولاً لأنهم شركاء في جريمة خداع الناس ببضائع فاسدة وثانياً لأنهم ارتكبوا جريمة عدم القيام بما تفرضه عليهم واجباتهم في حماية الناس، فإذا بهم يهدّدون حياة المواطنين من أجل حفنة من الدولارات قد يكسبونها من تغطية المزوّرين والمخالفين.
هذا الأمر ينطبق على كلّ القطاعات وليس فقط على المواد الغذائية، حيث يعاني اللبنانيون بين فترة وأخرى من انقطاع عدد من السلع الأساسية كـ القمح والدواء والمحروقات وغيرها، ومهما كانت الحجج والمبررات فإنّ السبب الأساسي لحصول مثل هذه الأمور هو غياب القانون وعدم تطبيقه بالشدة اللازمة على كلّ من يحتكر هذه المواد أو يتلاعب بأسعارها.
وعلى أهمية ما تقدّم وضرورة أن تبقى السلع الأساسية متوفرة في الأسواق بأسعار مقبولة وجودة ممتازة، فإنّ الموضوع الأبرز الذي يسبّب القلق والمشاكل والأزمات لدى معظم اللبنانيين هو السطو على ودائعهم ومدّخراتهم وجنى أعمارهم!
وهنا الأسئلة الكبرى: هل كان ليحصل ما حصل في القطاع المصرفي لو جرى تطبيق القوانين كما يجب؟ ألا يتمّ إلى اليوم تطبيق القوانين بحذافيرها على كلّ مواطن يُقصّر في دفع المستحقات المتوجبة عليه للمصرف الذي أعطاه قرضاً لشراء شقة أو سيارة أو ما شابَه؟ ولماذا لا يُطبّق الأمر نفسه على المصرف الذي لا يعطي المواطنين حقوقهم؟
وما يُقال عن المصارف الخاصة ينطبق أيضاً على مصرف لبنان وحاكمه وكبار مسؤوليه، وربما هنا المسؤولية أكبر لأنّ الأمر يتعلق بأموال عامة تخصّ مجموع المواطنين، ولكن ها نحن نرى ونسمع عن محاكمات واستدعاءات وملاحقات في أكثر من دولة أوروبية لـ “الحاكم” وعدد من أفراد عائلته والحاشية والمقرّبين منه، بينما لا نرى أيّ شيء من ذلك عندنا في لبنان، مع العلم أنّ لبنان هو مسرح الجريمة، وأنّ الضحايا هم اللبنانيون، المقيمون والمغتربون، ومعهم بعض المودعين العرب والأجانب، والأوْلى بالقضاء اللبناني أن يكون السبّاق إلى المحاكمة والمحاسبة!
وإذا كان متعذّراً تطبيق القوانين في لبنان، بسبب الحمايات السياسية والطائفية المعروفة لهذا المسؤول أو ذاك المصرفي، فـ على الأقلّ يجب تنحية المتهمين عن مواقعهم وكفّ أيديهم عن القيام بوظائفهم ريثما تتوضح نتائج التحقيقات والدعاوى الخارجية بحقهم.
لم يُقدّم أيّ من المسؤولين حتى اليوم إجابات واضحة عن كلّ ما يُطرح من أسئلة، رغم مرور 3 سنوات على اختفاء ودائع الناس، بينما استطاع مسؤولون حاليون وسابقون ومعهم رجال دين وإعلاميون وأصحاب مصارف تحويل أموالهم إلى الخارج دون حسيب أو رقيب!
وليس أمام اللبنانيين اليوم إلا مشاهدة فصل جديد من فصول المناكفات والنكايات السياسية التي يعمد الأفرقاء السياسيون لإلهاء المواطنين بها، كـ الدعوة الملتبسة لانعقاد مجلس الوزراء في الوقت الضائع من عمر هذا البلد وناسه!