خمسون لبنان والصين (الجزء العشرون) : تعاون إعلامي مثمر يعكس آفاق مستقبل العلاقات اللبنانية الصينية | كتب د. مازن مجوز

في بلدين لطالما تميزا بعطاءاتهما للإنسانية والبشرية، يبرز التعاون الإعلامي المستمر بين لبنان والصين ترجمة وطموح واعد، يحرص على ترجمته صناع الرأي اللبنانيين والصينيين ويتجلى ذلك في العديد من المحطات وكان آخرها ما قرأناه وشاهدناه وسمعناه من أقلام وألسنة الكثير من الكتاب والباحثين والاعلاميين عبر وسائل الاعلام في كلا البلدين، في الذكرى الخمسين لاقامة العلاقات اللبنانية الصينية، التي شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، حيث تعد الصين حاليا من أهم الشركاء التجاريين للبنان.

لقد أثبت التعاون الإعلامي بين البلدين -والذي ظهر بإحدى تجلياته في هذه المناسبة- بأن الإعلام لا يزال يلعب دورا بارزا واساسيا في تجاوز الحدود الجغرافية والعقبات المكانية واللغوية التي لم تعد تحول أصلا دون التواصل الفاعل الهادف إلى تعزيز التبادل الحضاري والثقافي والتجاري والتربوي واللغوي والانساني بين الشعوب.

وإذا كان السفير الصيني في لبنان أكد في 6 نيسان الماضي على عمق العلاقة بين البلدين، معتبراً أنَ لبنانَ يشكل بالنسبة للصين حالةً استراتيجيةً على مستوى التعاون في المجالات كافة، وشريكاً في خطة الحزام والطريق، فإن ذلك يشكل دليلا على الإنفتاح الصيني وحرص القيادة الصينية على تبادل ونقل المعرفة والتقدم والتطور والثقافة والحضارة الى ربوع بلاد الأرز.

وبالطبع يشكل الإعلام إحدى أكثر وسائل التواصل سهولة ويسرا، مع ما شهدناه من إرادة وتصميم على التعاون لتحقيق الأهداف الإنسانية السامية المنشودة لدى شعب كل من البلدين، متجاوزا الفارق الكبير القائم على مستوى عدد السكان والمساحة الجغرافية والامكانات المختلفة لدى كل منهما .

فالقطاع الإعلامي اللبناني لطالما نال تقدير الموقف الصيني الرسمي، والإشادة بدوره المتقدم على المستوى المحلي والإقليمي، فيما لم يبخل الإعلام اللبناني في التعاون مع نظيره الصيني على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة. بالتزامن مع دعوات صينية الى تفعيل العلاقات المميزة بين الصين ولبنان في المجالات كافة لما فيه مصلحة البلدين.

بروح صينية منفتحة على ثقافات وحضارات العالم أجمع، نلحظ كيف تقدم بلاد التنين رؤية جديدة للتعاون الاعلامي من خلال مبادرة حزام واحد طريق واحد، الذي شبك العشرات من الدول في هذا المشروع الحيوي.

ومن هنا تبرز إتفاقيات التعاون الإعلامي ومذكرات التفاهم وأوجه الدعم المتعددة بين البلدين، بدليل التعاون والشراكة الذي لمسناه بين المؤسسات الاعلامية الرسمية والخاصة، وبين الإعلاميين، وفتح المجال امام المبادرات والمتطوعين لدعم الكوادر الشابة وإكسابها قدرات كبيرة وآفاق واسعة في عالم الإعلام ، من البث المتزامن للبرامج إلى تبادل البرامج، مرورا بالانتاج المشترك الدولي وتبادل المعلومات والمعارف، والتنسيق بين إدارات القنوات التلفزيونية، وليس إنتهاء بتبادل الوفود الإعلامية للمشاركة في أنشطة ومؤتمرات إعلامية دورية.

وإن دل ذلك على شيء فهو على نجاح القيادة الصينية في وضع أسس جديدة للعلاقات الاعلامية اللبنانية الصينية المبنية على اساس التعاون والتنسيق المشترك وتبادل المعارف والخبرات.

هذا التبادل والتعاون يعد واحدا من أوجه التعاون وأبرزها التنموي والتجاري والثقافي والأكاديمي غير المشروط، وينسجم مع دعوة الرئيس الصيني خلال زيارته الشرق الاوسط في أيار العام 2016 إلى التدارس الثقافي بين الحضارات المختلفة، فكان استقبال الصين للعديد من الوفود الإعلامية ليثمر هذا التعاون الاعلامي على أكمل وجه بين البلدين.

ومن ابرز اتفاقيات التعاون بين البلدين ” مذكرة التعاون الموقعة بين رئيس مجموعة شينغهاي الصينية للاعلام كيو كزين ووزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال وليد الداعوق والتي نصت على التعاون بين عدد من محطات التلفزة الصينية وتلفزيون لبنان في 8 نيسان 2013 ولا يُخفى على أحد ما للأفلام من أهمية في التعرف على ثقافة كلا البلدين، ونمط الحياة فيهما.

ومن باب تشجيع التواصل والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية اللبنانية والصينية ودعم الأنشطة الإعلامية المشتركة، وتعزيز التعاون في المجالات التقنية واللغوية والمهنية. أسست الجامعة اللبنانية في العام 2015 قسما لتعليم اللغة الصينية.

وعلى طريق تشجيع تبادل المواد والبرامج والأفلام الوثائقية الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة والإلكترونية بانتظام. شهدت بيروت في العام 2016 توقيع اتفاق تعاون بين التلفزيون العربي في الصين وتلفزيون لبنان، قدمت بموجبه الصين بعض التجهيزات، ومسلسلات، وأفلام منوعة، وأشرطة وثائقية.

وفي 30 آب 2018 وقعت مديرية البرامج والانتاج في “تلفزيون لبنان” اتفاقية تعاون بين “تلفزيون لبنان” والتلفزيون الصيني بعنوان “شهر الأفلام الصينية” في لبنان لعام 2018. وفي هذا العام أيضا إتخذت الجامعة اللبنانية قرارا بإنشاء ماستر الدراسات الصينية.

وبالطبع لطلاب الماستر في هذه الحالة دورا في التبادل المستمر على مستوى التقنيات والبرامج والخبرات وتعزيز الخدمات الرقمية في القطاع العام تحديدا كل من إختصاصه وخبراته.

وفي إطار هذه الإتفاقيات نلحظ كيف يقدم البلدين كل التسهيلات الممكنة للاعلاميين المعتمدين لدى الجانبين.

وبغض النظر عما إذا كانت العلاقات بين بيروت وبكين قد وصلت الى أعلى مستوى لها في التاريخ أم لم تصل فإن التعاون الإعلامي يبقى هو المفتاح لتطوير العلاقات الثنائية، ولفتح آفاق جديدة بين المؤسسات الإعلامية والصحفية في البلدين، بما يمكنها من تبادل الخبرات والتجارب، والبناء على المزايا في كلا البلدين الشقيقين، ويحقّق الفائدة المشتركة.

لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا