عدنان القصار وعلاقته بجمهورية الصين الشعبية

نبذة عن عدنان القصار
عدنان القصار (1930–2025) يعتبر واحد من ثلاث شخصيات لبنانية مميزة ومقدرة في الصين الى جانب الطبيب الراحل جورج حاتم والطبيب جميل حديب. هو رجل أعمال وسياسي لبناني بارز، يُعد من أعمدة القطاع الخاص اللبناني وأحد أبرز الوجوه الاقتصادية في العالم العربي. وُلد في بيروت لعائلة ذات باع دبلوماسي (حيث كان والده وفيق القصار سفيرًا للبنان)، وحصل على إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف عام 1951. شارك في تأسيس مجموعة فرنسبنك المصرفية وكان رئيسًا لمجلس إدارتها، إلى جانب تأسيسه وتملّكه لشركات في مجالات التجارة والنقل والسياحة والصناعة. انتُخب القصار رئيسًا لغرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان عام 1972 واستمر في رئاستها نحو ثلاثين عامًا، كما ترأس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية لفترة طويلة، ما عزز صلاته الإقليمية والدولية. وعلى الصعيد الدولي، كان القصار أول عربي يتولى رئاسة غرفة التجارة الدولية (ICC) في باريس بين عامي 1999 و2000. أما سياسياً، فقد شغل منصب وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة عمر كرامي عام 2004 ثم وزير دولة في حكومة سعد الحريري الأولى (2009-2011)، وبرز باسمه كمرشّح توافقي محتمل لرئاسة الحكومة اللبنانية في مراحل مختلفة. حاز القصار خلال مسيرته على أوسمة رفيعة من دول عربية وغربية تقديرًا لدوره في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التعاون الدولي.
تطور العلاقة مع الصين
شكل عدنان القصار حجر الزاوية في مدّ الجسور الاقتصادية بين لبنان والصين منذ مراحل مبكرة جدًا. ففي عام 1955، وعمره لم يتجاوز 25 عامًا، نجح في إبرام شراكة تجارية مع الصين الشعبية، لتكون من أوائل الروابط التجارية الرسمية بين الصين وبلد عربي. بل إن أول اتفاقية تجارية بين لبنان وجمهورية الصين الشعبية وُقّعت في ذلك العام (1955) بفضل جهوده الريادية، الأمر الذي احتُفل به بعد ستة عقود خلال حفل رسمي في بيروت عام 2015 بحضور قيادات صينية وعربية. انطلق القصار في زيارات مبكرة إلى الصين خلال الخمسينيات والستينيات، عندما كانت الصين مجتمعًا منغلقًا نادرًا ما يشاهد فيه الأجانب. ويروي القصار كيف أنه أثناء تجوله مع شقيقه في شوارع بكين وقوانغتشو آنذاك كان المارة يتجمهرون حولهم بدافع الفضول لرؤية غرباء، إذ كان ظهورهما حدثًا غير مألوف في الصين خلال تلك الحقبة.
استمرت علاقة القصار بالصين في التطور على مدار العقود التالية. فقد ظل محافظًا على صلات نشطة، وزار الصين أكثر من خمسين مرة على مدى حياته، شاهدًا على التحولات الاقتصادية الهائلة منذ تأسيس الجمهورية الشعبية عام 1949 وخاصةً بعد سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978 . في البدايات، واجه تحديات في إقناع التجار اللبنانيين باستيراد المنتجات الصينية بسبب الشكوك حول جودتها، لكنه ثابر في تعزيز الثقة بهذه المنتجات. وبفضل هذا الإصرار، تبدلت النظرة إلى الصين جذريًا مع مرور الوقت، إذ باتت المنتجات الصينية تحتل الأسواق اللبنانية والعربية، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للبنان والعديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة. وقد أكد القصار بفخر أن عبارة “صُنع في الصين” تحولت من مصدر للارتياب في الماضي إلى علامة لا غنى عنها في الحياة اليومية حاليًا. ومع تعاظم دور الصين في الاقتصاد العالمي، حرص القصار على مواكبة ذلك بتعزيز الروابط المالية أيضًا؛ فأسس في فرنسبنك عام 2013 وحدة مختصة بالعلاقات مع الصين (China Desk)، وهي الأولى من نوعها في مصرف عربي، بهدف خدمة المستثمرين والشركات الصينية وتسهيل تعاملاتهم في الأسواق التي ينشط فيها المصرف. وقد اعتُبرت هذه الخطوة صفحة جديدة تستند إلى العلاقات التاريخية الوطيدة بين مجموعة القصار والصين، حيث واصل القصار وإخوته ترسيخ حضور الشريك الصيني في لبنان والمنطقة.
الدور في تعزيز العلاقات العربية الصينية
لم يقتصر تأثير عدنان القصار على المستوى الثنائي بين لبنان والصين، بل امتد ليشمل دفع عجلة التعاون بين الصين والعالم العربي ككل. فمن موقعه كرئيس للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية وكعضو فاعل في الهيئات الاقتصادية اللبنانية والعربية، عمل على بناء جسور شراكة متينة بين العالم العربي وجمهورية الصين الشعبية. ركّز القصار جهوده على تعزيز التفاهم الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، وكان له دور محوري في إطلاق مبادرات ومنتديات مشتركة. فعلى سبيل المثال، استضافت بيروت في مايو 2015 مؤتمر رجال الأعمال العرب والصين، والذي شارك فيه أكثر من 600 من كبار رجال الأعمال والمسؤولين من الجانبين، بمن فيهم نائب رئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ومسؤولون حكوميون صينيون رفيعو المستوى إلى جانب وزراء ودبلوماسيين عرب. جاء هذا المؤتمر تتويجًا لستين عامًا من العلاقات التجارية اللبنانية الصينية، وعكس حرص القصار على جمع القيادات الاقتصادية العربية والصينية تحت سقف واحد لتعميق أواصر التعاون. كما ساهم القصار في تأسيس مجالس أعمال مشتركة وفتح قنوات للتبادل التجاري والاستثماري بين الصين والدول العربية، إيمانًا منه بأن الشراكة مع القوة الاقتصادية الصاعدة عالميًا ستكون رافعة لتنمية العالم العربي. وقد نجح فعلاً في الارتقاء بالعلاقات العربية الصينية إلى مستويات متقدمة ومتينة، واضعًا أسساً سيستفيد منها الجانبان لسنوات قادمة.
نظرة الصينيين إليه
حظي عدنان القصار بتقدير كبير من الجانب الصيني، رسميًا وشعبيًا، بفضل كونه من أوائل من مدوا يد الصداقة الاقتصادية إلى الصين. وصُنف كـ“صديق قديم للشعب الصيني” وهي عبارة يطلقها الصينيون على من يبادلهمالصداقة منذ عقود طويلة. ففي أعين الصينيين، لم يكن القصار مجرد رجل أعمال لبناني، بل كان شاهدًا على نهضة الصين وشريكًا موثوقًا في رحلتها التنموية. وقد أبرزت وسائل الإعلام الصينية مسيرته الاستثنائية مرارًا؛ فوكالة شينخوا أجرت معه حوارات اعتبرته فيها خبيرًا مخضرمًا على صلة وثيقة بالصين منذ الخمسينيات، أي قبل حتى أن تقيم الصين علاقات دبلوماسية مع لبنان. ونقلت عنه بحماسة إشادته بسياسات الانفتاح الصينية ورؤيته للتحولات الإيجابية التي شهدها المجتمع والاقتصاد الصيني على مدى ستة عقود. وفي حديث لصحيفة تشاينا ديلي، عبّر القصار عن سعادته بصفته “صديقًا قديمًا للشعب الصيني الرائع” يشهد على تطور الصين منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم. ولم يكن غريبًا أن تعتبره الشخصيات الصينية مرجعًا في الشؤون العربية الصينية؛ فكثيرًا ما وُصف في الصحافة الصينية بأنه صاحب رؤية بعيدة المدى أدرك مبكرًا أهمية الصين كشريك اقتصادي. كما شارك القصار كضيف شرف في العديد من الفعاليات الصينية العربية، وحضر تكريمه مسؤولون صينيون رفيعو المستوى تقديرًا لإسهاماته، ما يعكس المكانة المرموقة التي حظي بها في نظر الجانب الصيني.
إرثه وتأثيره المستمر
رحل عدنان القصار عن عالمنا في 2 مايو 2025، لكن إرثه في ميدان تعزيز العلاقات الصينية العربية يظل حيًا وفاعلاً. لقد ترك نهجًا سيستمر من بعده؛ إذ ان من بعده سينهل من رؤيته في بناء الشراكات الدولية. وكما قيل في تأبينه، فإن مسيرته الغنية بالإنجازات ليست مرحلة عابرة بل هي نهج متواصل ستتبناه الأجيال القادمة بفضل ما اتسمت به من تفانٍ وكرم وتواضع. فعلى المستوى المؤسسي، نجد صروحًا تحمل اسمه وتُذكّر بدوره الرائد: مبنى الاتحاد العام لغرف التجارة العربية في بيروت الذي موّل إنشاءه أثناء رئاسته للاتحاد يحمل اسم “مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي” تكريمًا لعطائه، وكذلك أطلقت الجامعة اللبنانية الأميركية اسم “كلية عدنان القصار لإدارة الأعمال” على كليتها التجارية إثر مساهمة تاريخية قدّمها عام 2015 دعمًا للتعليم وإعداد قادة المستقبل . أما على صعيد المبادرات التي استلهمت رؤيته، فلا يزال فرنسبنك عبر وحدة الصين التي أسسها يستقبل البعثات التجارية الصينية ويعقد الشراكات مع المصارف والمؤسسات الصينية لتسهيل التبادل التجاري والاستثماري، استمرارًا لدور القصار في مد الجسور بين الأسواق الصينية والعربية. كما أن المنتديات الاقتصادية الصينية العربية التي كان القصار من روادها مستمرة بانعقادها الدوري، مما يبقي شعلة التعاون التي أشعلها مضيئة. ولا شك أن العلاقات اللبنانية والعربية مع الصين اليوم، والتي تتميز بعمق الشراكات التجارية والاستثمارية، هي جزء أساسي من إرث القصار. فقد أسهم برؤيته الاستشرافية في جعل الصين شريكًا أساسيًا للعرب، ووضع لبنات صلبة لعلاقة إستراتيجية تستفيد منها الأجيال الحالية والمستقبلية. وباختصار، سيبقى اسم عدنان القصار رمزًا لكل جهد صادق بُذل لتعزيز الحوار الاقتصادي بين الشرق والشرق، وستظل إنجازاته مصدر إلهام لاستمرار نمو العلاقات الصينية العربية على أسس من الاحترام والمنفعة المتبادلة. إن رحيل القصار خسارة للبنان والعالم العربي، لكن أثره سيبقى حاضرًا في كل مشروع تعاون يحمل رؤيته ويقتفي خطاه.