خمسون لبنان والصين (الجزء السابع) : كيف نعمل على زيادة الروابط بين لبنان والصين | بقلم العميد الياس فرحات
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
عام 1971 في عهد رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية ورئيس الوزراء الراحل صائب سلام اعترف لبنان بجمهورية الصين الشعبية وبدأ التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وانتهت العلاقات مع ما سمي بالصين الوطنية في تايوان.
لبنان بلد صغير قياسا بالصين الدولة الاكبر في العالم بعدد السكان والرابعة من حيث المساحة.بدأ تعامل اللبنانيين مع الصين خجولا، اذ اقتصر على رجال الاعمال وسجلت اول زيارة رسمية للصين زيارة لوزير الخارجية خليل ابوحمد في عام 1973 . على الصعيد العسكري زار رئيس اركان الجيش اللبناني الصين عام 1979 وبعده جرى تقليد صيني بدعوة كل من يتسلم منصب رئيس اركان لزيارة الصين وهذا ما اسس لعلاقات عسكرية صينية لبنانية . وفي عام 1993 زار رئيس الجمهورية الياس الهراوي الصين وكانت مناسبة لتطوير العلاقات الصينية اللبنانية. عام 2002 زار وزير الدفاع خليل الهراوي الصين على رأس وفد عسكري كنت من بين اعضائه.
تضمنت الزيارة توقيع اتفاقية بين وزيري الدفاع الصيني واللبناني قدمت الصين بموجبها معدات لنزع الالغام بقيمة مليون دولار.منذ ذلك الوقت تطور التعاون العسكري الصيني اللبناني وتابع عدد من الضباط اللبنانيين دورات دراسية على مستويات مختلفة في معاهد جيش التحرير الشعبي الصيني .نشير ان وحدة من الجيش الصيني شاركت في قوة المراقبة الدولية في جنوب لبنان،وسقط منها شهداء في قصف اسرائيلي لمراكز المراقبة الدولية في حرب تموز 2006 .
على الصعيد التجاري يمكن القول ان البضائع الصينية غزت الاسواق اللبنانية وباتت في متناول اللبنانيين من كل المستويات المادية كما ان رجال اعمال لبنانيين اقاموا مكاتب تجارية في الصين وتوسعت علاقاتهم مع رجال الاعمال والصناعيين الصينيين .ولمس التجار اللبنانيون تسهيلات كبيرة في عمليات البيع والشراء والنقل وتحويل الاموال في نظام حديث تمكن من جذب رجال الاعمال للتعامل التجاري مع الصين.لم تحدث مشاكل للتجار اللبنانيين في تعاملهم مع الصينيين وكانت جميع المعاملات تتم من دون ازعاج ووفقا لعقود واضحة التزم بها الصينيون.
في داخل الصين شهد اللبنانيون تطورا مذهلا في الخدمات الفندقية والمصرفية والنقل وبخاصة بعدما انفردت الصين ببناء القطار السريع بين المدن الكبرى.
على الصعيد الثقافي بدأ عدد من الطلاب اللبنانيين يتابعون دراسات في الجامعات الصينية وفي مختلف المدن الكبرى.كما شهدت بعض الجامعات الصينية تعاونا اكاديميا مع الجامعة اللبنانية .وفي عام 2019 وضع حجر الاساس لبناء معهد موسيقي عالي في ضبيه شمال بيروت هبة من الحكومة الصينية بلغت تكلفتها 31.9 مليون دولار من شأن ذلك ان يعزز الروابط الثقافية بين البلدين والشعبين ايضا .
تعقد في الصين مؤتمرات عديدة وتوجه الدعوة الى شخصيات لبنانية للمشاركة في مواضيع فكرية واكاديمية واستراتيجية وسياسية ينتج عنها مزيد من الفهم المتبادل لثقافة الاخر وتفكيره.من ضمن هذه المؤتمرات مؤتمر سنوي لمعهد كونفوشيوس الدولي الذي عينت فيه عام 2019 عضوا لمدة خمس سنوات.
كما اعلنت الصين مؤخرا ان الاديبين اللبناني سوري المولد ادونيس والسوري فراس السواح هما اهم شخصيتين ادبيتين عربيين في العالم .ترجمت اعمال ادونيس الى اللغة الصينية ولقيت رواجا بين المثقفين الصينيين وطبع منها نحو مليون نسخة، والسواح مفكر وباحث سوري في تاريخ الاديان.يشير ذلك الى مدى اهتمام الصين بالثقافة العربية.
كما اقامت الصين معهدا لتعليم اللغة الصينية هو معهد كونفوشيوس في الجامعة اليسوعية وتلقى العديد من الشباب اللبنانيين دروسا فيه .
على الصعيد الاقتصادي ليس سرا ان شركات صينية قدمت عروضات مغرية للقيام باشغال البنى التحتية من طرقات وجسور بالاضافة الى معامل الكهرباء ومصافي تكرير النفط ولتاريخه لم تبت الحكومة اللبنانية باي من هذه العروض رغم الحاجة الماسة لها .
نظرا للاسعار العالية التي تفرضها دول الغرب وربط بعض الدول المساعدات والاشغال المدفوعة الثمن بمواقف سياسية، بدأت بعض القوى السياسية الاساسية في لبنان بطرح موضوع التوجه شرقا كاستراتيجية لبنانية بهدف تامين البنى التحتية وبخاصة في قطاع الطاقة اي الكهرباء والمشتقات النفطية والطاقة المتجددة واستخراج النفط والغاز والنقل وبخاصة سكك الحديد والمترو وقطاع البيئة والتي في حال تأمينها من الصين تصبح في متناول اللبنانيين باسعار معقولة كما انها لا تكلف الدولة كثيرا قياسا مع اسعار دول اخرى ولا تفرض شروطا سياسية ولا ديونا بشروط صعبة.وما تزال رؤية التوجه شرقا تنتشر بين القوى السياسية اللبنانية بخاصة مع ازدياد صعوبة تأهيل قطاعات الطاقة والنقل من قبل شركات غربية .
على صعيد السياسة الخارجية ، من المعروف ان الصين تنتهج سياسة خارجية واضحة ولم يسجل عليها اي تدخل في الشؤون الداخلية للدول . تعتمد سياستها على الصداقة والتعاون من دون التطرق الى مكاسب سياسية. نلاحظ ذلك في دول عديدة في اسيا وافريقيا واميركا واوروبا والتي اقامت علاقات تجارية وثقافية وثيقة مع الصين ولم نسمع عن مقابل سياسي تقاضته الصين من هذه الدول . كما اننا لم نسمع عن اتهامات صحيحة ام غير صحيحة ، بالتدخل في شؤون الدول الداخلية. يمكن تلخيص علاقات الصين الخارجية بمعادلة رابح-رابح حيث يستفيد جميع الاطراف من المشاريع التجارية الكبرى.
تتعرض الصين لحملة تشويه بسبب تقدمها المضطرد في الاقتصاد وتوسعها في التعاون الدولي وفق مبادرة الحزام والطريق التي اطلقها الرئيس شي جينبينغ ، وبسبب تقديمها نموذجا في التعاون الدولي يختلف عن النموذج الغربي الاستعماري. لم تحتل الصين اي بلد في تاريخها وهي تعرضت لاحتلال بريطاني وياباني في القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين. ليس للصين اطماع توسعية ولا تتضمن سياستها الخارجية ادعاءات بسيادة حقيقية او مقنعة على اراضي دول اخرى، وجل ما تطلبه تحقيق وحدة الارض الصينية في البر الرئيسي وهونغ كونغ وتايوان وماكاو والحفاظ عليها وعدم تهديدها.
تتعرض الصين لحملة تشويه صورتها في التعامل مع سكان اقليم شينغ شانغ من الايغور . بعدما شهد هذا الاقليم عمليات ارهابية من قبل منظمات ترتبط بالخارج، تمكنت الحكومة الصينية من اعادة الاستقرار وفق خطة اقتصادية اجتماعية وسياسية امنية تضمنت الحفاظ على الامن اذ لم تحدث اي هجمة ارهابية منذ بداية هذه التدابير عام 2017 . كما ان الحكومة وفرت فرص العمل للشباب الصيني في تلك المقاطعة . وشددت على توفير الحريات لسكان الاقليم وبخاصة الحرية الدينية والعبادات وحققت بذلك الاستقرار الاجتماعي والسياسي وباتت المنطقة تستقبل سياحا من جميع انحاء العالم كما ان العديد من الصحافيين الاجانب جالوا في المنطقة وكتبوا وصوروا بشكل واضح صورة الحياة الطبيعية المستقرة التي تخالف ادعاءات بعض وسائل الاعلام الغربية.
اذا اطلعنا على المشاريع الكبرى والبنى التحتية التي نفذتها شركات صينية في الباكستان نتأكد من قدرة الشركات على تنفيذ مشاريع حيوية في لبنان واذا تعرفنا على جودة الانتاج و سرعة التنفيذ، نجد ان الصين هي الدولة المؤهلة لاخراج لبنان من ازمته الاقتصادية من دون املاءات سياسية ولا ترتيب ديون ترهق الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من مشاكل عديدة.
من الناحية الجغرافية الاقتصادية يستفيد لبنان من مبادرة الحزام والطريق التي اطلقها الرئيس شي جينبينغ ، هذه المبادرة التي تصل بين الشعوب في اوروبا واسيا وافريقيا والتي يقع لبنان في منتصف الطريق وبامكانه ان يكون محطة تلاقي اقتصادي وثقافي .
مطلع عام 2019 ضربت جائحة كورونا الصين لوحدها قبل ان تنتشر في جميع انحاء العالم .بدأت الصين باعمال العزل التي شملت لاول مرة مقاطعة اوبيه التي يبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة في خطوة اذهلت العالم.تمكنت الصين خلال فترة قصيرة من احتواء الجانحة وشكلت التدابير الصحية والادارية التي اتخذتها مثلا اعتمدته دول العالم في مكافحة كورونا.
تعتبر السياحة من اهم الروابط بين الشعوب والمجتمعات . والشعب الصيني من اكثر شعوب العالم سياحة اذ نراهم في الدول الاوروبية ومصر وتركيا . ولهذا على لبنان ان يسعى لجذب السياح الصينيين الى ربوعه وانا انصح اللبنانيين بزيارة الصين والاطلاع على معالمها التاريخية والثقافي والاستمتاع بمواردها الطبيعية في المنتجعات المنتشرة في انحاء عديدة في البلاد.
لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا