تزامن خطاب السيد حسن نصر الله مع الفيديو الذي تم نشره، ويظهر حيفا بالكامل، مما يعني أنها ضربة استخبارية كبرى ضد الكيان المحتل الذي كان يدعي أنه صاحب أكبر وأقوى منظومة استخبارية في العالم، ولكنها تلاشت بعد “طوفان الأقصى”، ويزيد الطين بلة ما نشره إعلام “حزب الله” عن حيفا، ولا يُعلم تاريخ التصوير الجوي له هل قبل الطوفان أم بعده !.
وخطاب السيد نصر الله الجديد يُعد من أقوى الخطابات التي ألقاها بعد السابع من أكتوبر، فقد مارس “حزب الله” سياسة ضبط النفس مع الإبقاء على قواعد الاشتباك كما هي لا بل ازداد في توجيه ضربات إلى مواقع عسكرية مهمة في شمال فلسطين كانت كل ضربة منها كفيلة بإشعال حرب كبرى على لبنان قبل “طوفان الأقصى”، ومَنْ يلحظ هذا الخطاب من خلال الرؤية التعبيرية للسيد نصر الله أنه أكثر ثباتًا وتصميمًا وهدوئًا في طرح رسائله الموجهة للعدو، وهم يعلمون أن “حزب الله” يفعل ما يقول، ولا ننسى أقوال بعض صحف العدو في حرب تموز انهم يستمعون للحقيقة من زعيم “حزب الله” !!.
وما يُسجل للحزب أنه لم يُستفز بالرغم من ضربات الاحتلال القاسية لأعضائه العاملين في جبهة القتال وممن له علاقة وطيدة مع المقاومة الفلسطينية، و لا نخفي سرًا إنها ضربات نوعية قاسية للحزب، لكنه لا يتأثر بفقد الأعضاء، ولا باستشهاد القادة ..
وكعادة الحزب منذ انطلاقه نراه يُقدم شهداءه، ويعلن أسماءهم وينشر صورهم ولا يتكتم على خسائره بل نراه يصل الى حد التفاخر بها، وهي ما تقلق الدوائر الاستكبارية بأن هذا الحزب بالرغم من تحوله الى مؤسسات عاملة في الدولة اللبنانية وفي الأوساط الشعبية إلا أنه لم يتخلَ عن ثقافة التضحية والاستشهاد وعناصره تتلذذ بالموت كما جرى في حرب تموز 2006، وما قبلها .
لنقرأ خطاب السيد نصر الله بموضوعية لا بعقلية العدو الذي يعرف ما ينتظره، ولا بعقلية المؤيد المحب الذي يرى حبيبه حسن في كل جوانبه بل نقرأ أو نحاول أن نقرأه بعقلية موضوعية بالرغم من أن الموضوعية هنا غير راجحة لاننا أمام عدو للإنسانية ولا مجال فيها للحياد .
خطاب السيد التصعيدي كانت في نقاط مهمة وقد اختصر فيها الرد على تهديدات قادة الكيان العسكريين والسياسين على حد سواء، و يجيد إعلام “حزب الله” المعركة النفسية مع العدو، وعملياته النفسية داخل لبنان وخارجه تؤتي ثمارها، وتغيض أعداءه ومناؤئييه داخل لبنان وفي الوطن العربي كما تقلق العدو وتجعله يُغير من خططه، ويقوم بردود فعل متسرعة في الحدود الشمالية لفلسطين أو يحاول أن يُحاكي العمليات النفسية، بعمليات شبيهة لها موجهةً الى اللبنانيين بالدرجة الأولى وللعرب بالدرجة الثانية خوفًا من عودة التأييد أو الشعبية التي كانت للحزب قبل أحداث سورية .
ورسائل زعيم “حزب الله” يقرأها العدو بأنها تكشف عن بعض ما يملك، وإن ما يذكره هو جزء مما يملكه، وبذلك يزداد قلق وخوف قادة الكيان الذي سيواجه ضغطا شعبيًا واقتصاديا أكبر بسبب اخلاء المستوطنات الشمالية ولا يجد حلًا لهم، بعد أن خسر نتنياهو خيار الحرب التي يتنافس فيها مع بقية اركانه ليثبت أنه يمثل العقيدة الصهيونية القديمة في قتل العدو والاجهاز عليه .
وقبل أن نأتي على النقاط التي ذكرها في خطابه نسجل بأنها المرة الاولى التي يهدد فيها دولة ثالثة وهي قبرص التي جاء رد مسؤوليها ضعيفا جدًا بالقياس لتهديد دولة من (منظمة بعيدة عنها نسبيًا) وهي ما يمثل دفعا معنويًا كبيرًا لأنصار “حزب الله”، وقد نجحت هذه العملية النفسية بامتياز، اتجاه قبرص واتجاه المخططين الذين يحاولون محاصرة “حزب الله” وفتح أكثر من جبهة توجه الضربات له في الحرب الشاملة معه ولعل ما قاله نصر الله في ان الحرب القادمة لن تكون مثل الحروب الماضية، وبالتالي ستتغير كل قواعد الاشتباك، و ما كشف عنه حصوله على اسلحة متطورة بما يربك حسابات العدو، ولعله كان واضحا بأنه ليس مثل إيران التي وإن وصلت صواريخها ومسيراتها الى داخل الأراضي الفلسطينية فهي بعيدة جغرافيًا وتحدها أمور الدولة واعتباراتها، أما “حزب الله” فيبقى منظمة تعيش روح المقاومة ومازالت ومن حقها استخدام كل الوسائل للدفاع عن نفسها ..
ولعل العدو يعيش اليومين في حالة تناقض فمن جهة يدعي انه قادر على سحق عدوه، ومن جهة سيتخذ من خطاب “حزب الله” حجة لمزيد من المساعدات العسكرية واللوجستية وحتى القدرات البشرية وهي فرصة جديدة للكيان بأنه لا يواجه حماس فقط وانما يواجه أعداءً اخرين في المنطقة وهم “حزب الله” في لبنان وانصار الله في اليمن وفصائل المقاومة العراقية ومن خلفهم جميعًا إيران ..
ما قاله حسن نصر الله يعطي دفعة معنوية لانصار الحزب في لبنان وفي العالم العربي، ويقلق الدوائر الاستكبارية التي ترى في “حزب الله” الخطر الاكبر ويجب القضاء عليه لا تحييده فقط وهو ما سيسعى اليه نتنياهو في الأيام المقبلة، ولكن ذلك قد لا يصمد أمام الضغط الذي يواجهه من أركان حكومته ومنافسيه، ومن عوائل الاسرى وبقية الفعاليات في الكيان التي طالبت بحل هذه الحكومة قبل “طوفان الأقصى”.
وسنرى ردود الفعل من أركان الكيان الصهيوني على خطاب زعيم “حزب الله” و قد نعيد قراءة المشهد العسكري السياسي من جديد .
فالمعركة لها صفحات والان نحن في صفحة خطاب نصر الله، وسننتظر الصفحة القادمة ..