ازمة لبنانالاحدث

لماذا غابت فرنسا عن تشييع لقمان سليم؟

#تحليل_اشكالية

حين أوقفت مؤسسات المساعدات الامريكية مساعداتها للمؤسسات التابعة للكاتب والناشط اللبناني المناهض لحزب الله لقمان سليم وخصوصا “مؤسسة أمم” عام 2016 ، شكل ذلك فرصة لتوجه سليم نحو الاتحاد الاوروبي، وتوسيع الشراكة معه، وحصل نتيجة لذلك على تمويل واسع لـ” أمم”.
ومن هنا، من المفترض أن تكون علاقة سليم بفرنسا جيدة جداً لا سيما لجهة دورها في مساعدته آنذاك، فمنطق الأمور يقول ذلك، كما ليس خفيا الدعم الذي لا تزال تتلقاه ” أمم” في عملها ونشاطاتها من الإتحاد الأوروبي، في ما لا يحتاج دور فرنسا القوي في الإتحاد الأوروبي إلى أدلة وبراهين . فما الأسباب الكامنة وراء الزيارة المتأخرة التي قامت بها السفيرة الفرنسية أن غريو بالأمس لتقديم التعازي ولتعرب عن تقديرها الشخصي والصادق، ولتؤكد لها عن دعمها لكي لا يسود الإفلات من العقاب.

زيارة أتت بعد إزدياد التساؤلات حول التعامل و” التصرف ” الخجول مع مسألة إغتياله ليأتي التوضيح على حساب السفارة الفرنسية في لبنان على تويتر :” أن فرنسا كانت حاضرة في مراسم تشييع لقمان سليم، فسفيرة فرنسا كانت ممثلة بوفد من السفارة مؤلف من أصدقاء لقمان للمشاركة في خشوع” وفي جوابها علة أكبر من الصمت.
فما هي الصورة الكاملة للسلوك الفرنسي:
في دراسة أجراها باحثون من معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا وجامعة فيكتوريا في ملبورن ونشرت في “مجلة ليدرشيب كواترلي” تم تحليل حكومات 133 دولة بين عامي 1858 و 2010 وكانت النتيجة أن المستبدين في الحكم كانوا إما مدمرين أو غير مهمين لإقتصاد بلدانهم لكن مع بعض الإستثناءات مثل لي كوان يو في سنغافورة وبول كاغامي في رواندا.
بالطبع القيادات السياسية في لبنان وإن لم يكن هناك إجماع على أنهم ” مستبدين ” لكنهم بالتأكيد كانوا ولا يزالوا مدمرين وغير مهمين لإقتصاد بلدهم والأدلة كثيرة وبذورها تلاحظها يميناً وشمالاً أينما ذهبت .
فوق هذا كله نجد السياسة الفرنسية حيال لبنان بقيادة الرئيس ماكرون متمسكة بالتعامل مع المنظومة السياسية الحاكمة وتدعوها إلى تشكيل حكومة جديدة ( وفقا لشروط المبادرة الفرنسية ) مع علمها المسبق أن هذه المنظومة أصبحت “خارج الخدمة” ومنتهية الصلاحية. قد تسأل لماذا إختارت فرنسا ذلك : “إنها علاقة المصالح يا صاح” التي لها منطقها السياسي الفرنسي في التعاطي معها .
حتى اليوم يبدو أن ماكرون يتجنب ” وجع الراس” مع حزب الله ، وهذا ما يخرج فرنسا من دائرة تصنيفها ضمن الأصوات المهاجمة لحزب الله في هذه القضية، خصوصا أن موقفها يوصف ب” المعتدل ” من الحزب، كما أن القيادة الفرنسية تعتبر أن الوقت غير مناسب لهكذا خطوة لأنها مخاطرة ليست في مكانها وتوقيتها ولا بظروفها كذلك ينطبق هذا على تعاطي حزب الله مع القيادة الفرنسية ولو بنسب أقل ومن منظاره المحلي- الاقليمي.
وتاليا فإن فرنسا لا ترغب بأن تحرق أصابعها لأنها ترفض أن تتشظى مبادرتها التي تعمل عليها حاليا في الملف الحكومي، وهي لا ترغب أن تأخذ دور طرف أو تصطف الى جانب هذا الاصطفاف بوجه الآخر، ومن هنا يأتي حرصها على التصرف بطريقة لا تنفر أي من الأفرقاء منها بمن فيهم حزب الله أو أن يستعمل عبارة “لو ” حيالها .
وفي الحقيقة لا يعتبر لقمان مقرباً من السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط عموماً وفي لبنان خصوصا، وتحديداً حيال حزب الله، بالمقارنة علاقاته الوثيقة وإنسجامه مع السياسة الأميركية من جهة ومع بقية دول الاتحاد الاوروبي من جهة أخرى، بدليل تصنيف هذه الدول الحزب منظمة إرهابية، فيما فرنسا لم تقدم على هذه الخطوة .
أما في ما يتعلق بنظرة فرنسا للبنانيين فهي وعلى الرغم من تأكيد ماكرون وقوفه الى جانبهم في معاناتهم الأليمة إلا أن المعيار الأول لسلوكها حيالهم هو المصلحة العليا لفرنسا في لبنان بإعتباره جزءا من منطقة شرق المتوسط، ولننظر مثلاً كيف أنها ترفع من لهجتها السياسية حيناً حيال قضية ما في لبنان تتعارض مع مصالحها وتخفضها عندما لا تتعارض معها، وإستنادا لذلك يأتي تمسكها بالتعاون مع المنظومة الحاكمة، وهذا دليل إضافي على أن منطق المصالح غالباً ما يطيح بالمنطق الداعي لتنحيها عن السلطة .
بالعودة إلى مصلحة باريس في منطقة شرق المتوسط، ليس غريب على فرنسا أن تختار الساحة اللبنانية لخوض غمار توجيه الرسائل والوقوف في وجه طموح القيادة التركية في التوسع في لبنان، فهي تدخل على الخط اللبناني لإستعادة هيمنتها ومجد الإمبراطورية الفرنسية في لبنان ، مستندة للروابط السياسية والثقافية والتاريخية والمجتمعية، لذلك فهي تنسج المصالح مع جميع الأفرقاء اللبنانيين، وفي الوقت نفسه مع المجتمع المدني، لتبقى مسألة نجاحها من فشله شأن آخر له إعتبارته الخاصة.
أما بالنسبة لإيران وحزب الله فإن فالدبلوماسية الفرنسية تبقى القناة الوحيدة لهما، للتفاوض مع الإتحاد الأوروبي، وأحد الأبواب ” المفتوحة ” في التفاوض مع الإدارة الاميركية بشأن الملف النووي الأيراني، وإذا ما إنقطع هذا “الحبل الدبلوماسي ” ساعتئذ يضيق الخناق أكثر وبشكل مؤذ على كل من إيران وحزب الله ، لأن خسارة اللاعب الفرنسي تعني خسارة أحد أهم الملاعب التي لا يزال اللعب فيه متاحاً أمامهما .

قد يعجبك ايضاً

سلسلة الأزرق الملتهب (2): فرنسا من عشق لون المتوسط إلى عشق رائحة غازه

الدكتور مازن مجوّز اعلامي وباحث

الدكتور مازن مجوز ، باحث وإعلامي . يشغل منصب مسؤول الإعلام والعلاقات الخارجية في الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال، ونائب رئيس مجموعة " الصحافة العربية " للتواصل الإعلامي، وأحد مؤسسي شركة Beyond the stars للخدمات الإعلامية اللبنانية ، يعمل حاليا في ال new media في أكثر من مؤسسة إعلامية ، وهو باحث متخصص في شؤون الاقتصاد البيئي والإدارة، ومدير مكتب مجلة "أسواق العرب" في بيروت ، لديه مئات التحقيقات والمقالات في مجالات : السياسة، الإقتصاد، البيئة ، والمجتمع المنشورة في صحف لبنانية وعربية ومواقع إخبارية إلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى