لماذا لا تعمل العقوبات على روسيا بالشكل المطلوب
الترجمة من اختيار د. عوض سليمية
نشرت صحيفة The Hill الامريكية بتاريخ 2 مايو/ أيار، تقريرًا مفصلًا حول الاضرار التي لحقت باقتصاد الدول الغربية بعد فرضها للعقوبات الكاسحة على روسيا بسبب العملية العسكرية في اقليم الدونباس، الى جانب تورط الرئيس بايدن في ساحة حرب جديدة كاملة مع الرئيس بوتين على الارض الاوكرانية.
لقد عملت العقوبات تاريخيا بشكل أفضل ضد الدول الصغيرة والضعيفة بالمقارنة مع الدول الكبيرة أو القوية. وفي كلا الحالتين فهي نادرا ما أنتجت تغييرا في الوقت المناسب. بعبارة اخرى، قد تستغرق العقوبات الغربية الحالية على روسيا سنوات لإلحاق ضرر جسيم بالاقتصاد الروسي وفق ما يخطط له الغرب.
المفارقة هي أنه على الرغم من استخدام جميع الأدوات الاقتصادية القسرية الممكنة ضد روسيا وجعل من الصعب التفاوض على إنهاء الحرب، فإن البيت الأبيض في عهد بايدن مقتنع أن العقوبات وحدها ستنجح، وهو ما يفسر سبب تحوله بشكل متزايد إلى إمدادات الأسلحة، بما في ذلك مطالبة الكونغرس بمبلغ مذهل قدره 33 مليار دولار من الأموال العسكرية والاقتصادية الإضافية لتأجيج الصراع وإحباط أهداف الحرب الروسية.
تقول الصحيفة، تم تشبيه العقوبات الغربية غير المسبوقة بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا بأسلحة الدمار الشامل الاقتصادية التي ستدمر الاقتصاد الروسي في نهاية المطاف. لكن في الواقع، اصبحت العقوبات سيفًا ذو حدين – فهي تلحق الأذى بروسيا ولكنها تفرض أيضًا تكاليف باهظة على مرتكبيها.
تضيف الصحيفة، لقد وقع الغرب في فخ العقوبات: فمن ناحية، تساعد العقوبات والصراع المتفاقم على رفع أسعار السلع والطاقة العالمية، وهذا يؤدي بدوره إلى إيرادات أعلى لصالح موسكو على الرغم من الانخفاض الكبير في صادراتها. ومن ناحية اخرى، تساهم العقوبات في ارتفاع الأسعار الدولية، من خلال تأجيج التضخم ، وهذا يولد مشاكل سياسية في الداخل لأولئك الذين يدعمون العقوبات.
انظر إلى مفارقة أخرى: على الرغم من عزل روسيا عن الشرايين المالية العالمية، الا أن الروبل الروسي تعافى بشكل كبير من خلال تدخل الدولة الروسية. ولكن، بالمقابل ادت العقوبات على روسيا الى الاضرار البالغ على عملات دول اخرى كاليابان ثمنًا، والتي على ما يبدو تدفع ثمنًا باهظًا لاتباعها سياسة الولايات المتحدة، فقد انخفض الين الياباني (ثالث أكثر العملات تداولًا في العالم) إلى أدنى مستوى له على مدار الـ 20 عامًا مقابل الدولار الأمريكي، حيث احتل مرتبة أسوأ أداء من بين 41 عملة تم تتبعها هذا العام- أسوأ بكثير من اداء الروبل.
وتؤكد الصحيفة، بأن التضخم الجامح واضطرابات سلاسل التوريد تهدد أرباح الشركات الغربية، في حين أن ارتفاع أسعار الفائدة الهادف لكبح جماح التضخم ينقل الوضع من السيئ للأسوأ على المستهلكين. مع اقتراب حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة، أصبح شهر أبريل/ نيسان هو أسوأ شهر بالنسبة لمؤشر وول ستريت منذ اندلاع وباء كورونا في مارس 2020. فقد انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 8.8 في المائة في أبريل.
وتتابع الصحيفة تحليلها، في الشهرين الأولين من الحرب في أوكرانيا، من المفارقات أن أولئك الذين فرضوا العقوبات ساعدوا روسيا على مضاعفة إيراداتها تقريبًا إلى حوالي 62 مليار يورو من بيع الوقود الأحفوري لهم، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث مسجل في فنلندا – وهو مركز البحث عن الطاقة والهواء النظيف، كان أكبر 18 مستوردًا، باستثناء الصين، هم من يفرضون العقوبات، حيث شكل الاتحاد الأوروبي وحده 71% من مشتريات الوقود الروسي في هذه الفترة.
بينما لا تزال تركيا وكوريا الجنوبية واليابان تعتمد أيضًا على إمدادات الطاقة الروسية، وبلغ إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط والفحم من روسيا حوالي 44 مليار يورو في فترة الشهرين هذه، مقارنة بنحو 140 مليار يورو لعام 2021 بأكمله.
وتعترف الصحيفة، بأن روسيا تقوم – حتى مع تضرر اقتصادها من العقوبات الغربية، بواجبها في الحفاظ على ارتفاع أسعار الطاقة والسلع العالمية، بما في ذلك قطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا. ويمكن لموسكو أن ترفع الأسعار أكثر من خلال العقوبات المضادة الأوسع نطاقًا بالرغم من تخفيف عائداتها من الصادرات الاخرى.
وتقر الصحيفة، بالحقيقة الواقعة وهي أن روسيا أغنى دولة في العالم عندما يتعلق الأمر بالموارد الطبيعية، بما في ذلك كونها من بين أكبر مصدري العالم للغاز الطبيعي واليورانيوم والنيكل والنفط والفحم والألمنيوم والنحاس والقمح والأسمدة والمعادن الثمينة مثل البلاديوم، الأغلى من الذهب ويستخدم بشكل كبير في المحولات المُحفزة.
واشارة الصحيفة الى أن الخاسرين الحقيقيين من الصراع بين روسيا والناتو، للأسف، هم البلدان الأكثر فقرًا، التي تتحمل وطأة التداعيات الاقتصادية. من البيرو إلى سريلانكا، على الرغم من عدم ارتكابها أي خطأ، وقد أثار ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة احتجاجات شوارع عنيفة، والتي تصاعدت في بعض الولايات إلى اضطرابات سياسية مستمرة. وتفاقمت مشاكل الديون في العديد من الدول الفقيرة.
وتنتقد الصحيفة حجم العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، من خلال استخدام النطاق الكامل لأسلحته الاقتصادية، وتضيف، سعى الغرب إلى إطلاق الصدمة والرعب على روسيا، كما لو أن العقوبات هي شكل من أشكال الحرب. ولكن مثل النزاع المسلح، كما يوضح “الغزو الروسي لأوكرانيا”، لا يمكن التنبؤ بنتائج العقوبات، فقد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة أو غير مرغوب بنتائجها.
فالضغط على قوة عظمى، خاصة تلك التي لديها أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم، مع مجموعة من العقوبات القاسية محفوف بالمخاطر، لا سيما مع تدفق الأسلحة الغربية المتطورة والأثقل على أوكرانيا، ومع قيام الولايات المتحدة أيضًا بتزويد ساحة المعركة ببيانات استخبارية.
كل يوم تقريبًا يحمل تذكيرًا جديدًا بأن هذا الصراع لا يتعلق فقط بالسيطرة على أوكرانيا أو وضعها المستقبلي. بدلًا من ذلك ، هذه حرب باردة جديدة كاملة بين واشنطن وموسكو، حيث كانت أوروبا مسرحًا للمواجهة المتزايدة. تم تصميم استراتيجية الاحتواء 2.0 التي وضعها الرئيس بايدن ضد موسكو لإيقاع روسيا في مستنقع عسكري في أوكرانيا، والتسبب في انهيار الاقتصاد الروسي والإطاحة بالرئيس فلاديمير بوتين.
مع تقدم الحرب، أصبح بايدن أكثر جرأة، بما في ذلك تعميق تورط أمريكا فيها. ومع ذلك، فإن دعوة بايدن الضمنية لتغيير النظام في موسكو والهدف المعلن لإدارته المتمثل في روسيا ‘ضعيفة’ تتعارض مع ما سبق وقاله الرئيس بعد أسبوعين من الحرب: ‘المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا هي الحرب العالمية الثالثة، وهو الشيء الذي يجب أن نسعى جاهدين لمنعه ‘.
وتحذر الصحيفة من ارتداد عكسي للسياسة الامريكية. تقول لسوء الحظ، كان هناك القليل من الجدل الأمريكي حول ما إذا كانت العقوبات يمكن أن تضعف روسيا أو، ما إذا كانت المساعدة العسكرية السخية لأوكرانيا يمكن أن تعيق الجيش الروسي حقًا في صراع طويل الأمد. ماذا لو، بدلًا من روسيا الضعيفة، أدت ردة الفعل القومية إلى ظهور روسيا إمبريالية جديدة أكثر حزمًا عسكريًا.
بعد زلاتها الأولية، تركز روسيا الآن عسكريًا على تعزيز سيطرتها في شرق وجنوب أوكرانيا الغني بالموارد. أقامت روسيا ممرًا بريًا إلى شبه جزيرة القرم، وسيطرت على المناطق التي تمتلك 90% من موارد الطاقة في أوكرانيا، بما في ذلك كل نفطها البحري وجزء كبير من البنية التحتية لموانئها الحيوية.
الموانئ الأوكرانية المطلة على بحر آزوف وأربعة أخماس الساحل الأوكراني على البحر الأسود هي الآن مع روسيا، التي فرضت في وقت سابق سيطرتها على مضيق كيرتش الذي يربط بين هذين البحرين.
هل يمكن لفيضان الأسلحة الذي يرسله الغرب إلى أوكرانيا أن يبطل هذه الحقائق العسكرية الجديدة؟ إذا استمرت روسيا تركيزها على الأهداف العسكرية الضيقة الهادفة الى إنشاء منطقة عازلة في الأجزاء من جنوب وشرق أوكرانيا، فيمكنها تجنب المستنقع، مع البقاء حرة في مواصلة استهداف البنية التحتية العسكرية بشكل منهجي في جميع أنحاء هذا البلد الواسع.
تقول الصحيفة، لنكن واضحين: لقد عملت العقوبات تاريخيا بشكل أفضل ضد الدول الصغيرة والضعيفة من الدول الكبيرة أو القوية. لكنها نادرًا ما أنتجت تغييرا في الوقت المناسب. وقد تستغرق العقوبات الغربية الحالية سنوات لإلحاق الضرر المطلوب بالاقتصاد الروسي.
المفارقة، هي أنه على الرغم من استخدام جميع الأدوات الاقتصادية القسرية الممكنة ضد روسيا وجعل من الصعب التفاوض على إنهاء الحرب، فإن البيت الأبيض في عهد بايدن لا يعتقد أن العقوبات وحدها ستنجح، وهو ما يفسر سبب تحوله بشكل متزايد إلى إمدادات الأسلحة، بما في ذلك مطالبة الكونغرس بمبلغ مذهل قدره 33 مليار دولار من الأموال العسكرية والاقتصادية الإضافية لتأجيج الصراع وإحباط أهداف الحرب الروسية.
وتختتم الصحيفة مقالتها، بأن العقوبات، من خلال الإشارة إلى ظهور حقبة جديدة من الأحادية التي تقودها الولايات المتحدة، من المرجح أن تضعف البنية المالية العالمية التي يسيطر عليها الغرب والتي من المفترض أن تدافع عنها، بل وتقوضها في نهاية المطاف. وقد خلقت العقوبات الكاسحة، من خلال إثارة مخاوف أوسع نطاقا بشأن تمويل التسليح وتداعياته على أي دولة تجرؤ على تجاوز الخط الأحمر الأمريكي، حافزا جديدا للدول غير الغربية لاستكشاف إنشاء ترتيبات موازية. ولن تقود الصين هذه العملية فحسب، بل من المتوقع أيضا أن تبرز كفائز حقيقي في الصراع بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.