ازمة لبنانالاحدث
يجب أَن نعمل كي نستَحقَّ لبنان | بقلم هنري زغيب
وصَلَتْني الأحد، كلمةٌ مصوَّرة من 3 دقائق و20 ثانية للرئيس الفْرنسي إِيمانويل ماكرون، وجَّهها خصيصًا للُّبنانيات واللُبنانيين، لن أَستعيد مضمونها لأَنني أَفترضها تردَّدَت كالرعد على منصَّات التواصُل الإِلكتروني. سوى أَن عبارةً واحدةً منها استوقَفَتْني جاء فيها: “مستقبَل لبنان يَصنعُهُ، في لبنان، الشعبُ اللبناني”.
هذه العبارة يَرِنُّ صداها في قلبي هكذا: أَن نعمل معًا، هنا قبل أَيِّ هناك،كي نستحقَّ لبنان. واللبنانيون ليسوا بعيدين عن العمل معًا حين تَدهَمُهم فاجعة أَو كارثة كما جرى هذا الأسبوع، عند سقوط زلزال سبَّبَهُ عدوٌّ تُسمَّى ارتكاباته “حرب إِبادة” فيما الأَصح أَنها “حرب اقتلاع”…
اقتلاع شعب من أَرضه الأُم ومن تاريخه منذ أَول التاريخ… زلزال لن تَفيه غضبًا وسخطًا ولعنةً جميعُ الكلمات في جميع اللغات، لأَن جميعَ الكلمات في جميع اللغات لن تُعوِّض وجعَ اقتلاع النور من عينين، أَو بَتْرَ أَطراف من جسد، أَو تشويه أَعضاء في جسم، أَو أَيَّ ما أَصاب آلافًا من شعبنا اللبناني، بعدما هذا العدوُّ التاريخي الوحش يقضم من جنوبنا الغالي وبقاعنا أَراضيَ وبيوتًا ومواطنين في قلب غرفهم وباحاتهم.
سقط الزلزال فنهضَ اللبنانيون الشرفاء هارعين إِلى المستشفيات: مواطنين يتبرَّعون بجرعات غالية من دمهم، أَطباءَ يمتشقون مباضعهم، ممرضاتٍ في جهوزية على مدار الساعة، عناصر مندفعةً من رجال الأَمن والصليب الأَحمر والدفاع المدني ومؤَسسات إِنسانية إِغاثية إِنقاذية، مساعداتٍ شتى لكلِّ مَن يحتاجها في بيوت أَو مستشفيات، إِلى سائر ما ينهض في همة لبنانيين يعملون لنُصرة شعبنا فيستحقون لبنان.
يجب أَن نعمل كي نستحقَّ لبنان.
نستحقُّ لبنان حين تَسقط الحدود النفسية بين الطوائف والمذاهب والأَديان فيتوحد حبُّنا لبنانَ كلَّ لبنان.
نستحقُّ لبنان حين لا نعود نرى في تظاهرةٍ أَو احتفالٍ أَعلامًا حزبية من دون العلم اللبناني لأَن ذوي التظاهرة أَو الاحتفال لا يؤْمنون بلبنان مع أَنهم وُلدوا فيه ويتنشقون هواءه ويغتذون من خيراته لكنهم عاقُّون جاحدون فضلَه ونعمتَه.
نستحقُّ لبنان حين نَشهَر غضبنا على وزراء يقاطعون جلسة حكومة للبحث في التطورات الحالية فيما حكومة العدوّ، مُصَغَّرة أَو كاملةً أَو بعضَ كابينِة، في اجتماعات مفتوحة ومتلاحقة كي تبحث وتقرِّر وتُضمر وحشيَّتها، وعندنا مَن يتغيَّب عن جلسة الحكومة لأَن أَسياده طلبوا منه ذلك لغاية سياسية.
نستحقُّ لبنان حين جُزءٌ من شعبنا يخلع انتماءاته الخارجية ويَشهَر انتماءَه للُبنان وما إِلَّا للُبنان.
نستحقُّ لبنان حين نعرف كيف نفرِّق بين لبنان الوطن الخالد ودولةٍ مُعوَّقة لأَن سلطتَه معاقة. ويخيَّل للبعض أَنني أَنحاز دومًا إِلى وعي لبنان الوطن دون الدولة… مش صحيح… العطَب هو في السُلطة التي تدير الدولة لا في الدولة التي هي أَجهزة معنوية تتطلَّب مخْلصين صالحين يُديرونها كي تُصبحَ دولة صالحة. الدولةُ أُمُّنا جميعًا وحمايتُنا جميعًا وحاجتُنا جميعًا. لكننا ضيَّعناها في سلوكِ سُلطةٍ تنهشها منذ عقود، وسنبقى نُطالب بعودة الدولة إِلينا إِنما لا مع هذا الطقم الذي يَسُوسُها بسياسةٍ شخصانية استغلالية.
بلى… علينا أَن نعملَ كي نستحقَّ لبنان. وأَوَّل ما علينا عَمَلُه أَن نَطرُدَ الفاسدين غدًا من صندوقة الاقتراع فلا نقترع إِلَّا لجدُدٍ صالحين، وما أَكثرهم في بلادنا: هنا جاهزين أَو في الـمَهاجر منتظرين صفاءَ الجو السياسي حتى يعودوا ويَعمَلُوا خُدَّامًا للبنان.
وعندها لن يكون مكانٌ بيننا إِلَّا فقط لِمَن هُم فعلًا صالحون ليَعمَلوا كي يَستحقُّوا شرفَ أَن يكونوا حُكَّام لبنان.