ألمانيا الخاسر الأكبر جراء الصراع الروسي الأميركي في أوكرانيا ؟؟ | كتب د. ناجي صفا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
كان واضحا منذ اكثر من عقد من الزمن انه كلما ارتفع منسوب التنسيق الروسي – الالماني، كلما إرتفع بالمقابل منسوب القلق الاميركي.
حاولت الولايات المتحدة بإصرار منع تطور العلاقات الروسية – الالمانية، فتطور هذه العلاقة يخيف الولايات المتحدة نظرا للتكامل بين الحاجات والموارد والتقنية والإزدهار الإقتصادي الذي يمكن ان ينتجه هذا التنسيق والتكامل ويدفع بالهيمنة الاميركية الى الوراء، عملت الولايات المتحدة المستحيل لمنع مشروع السيل الشمالي ( نورد ستريم ٢ ) الذي يغذي ألمانيا واوروبا بالغاز الطبيعي من الإكتمال، كانت انجيلا ميركل كلما ارتفع منسوب القلق الاميركي والإعتراض على المشروع تتجاوز هذا الإعتراض بشكل او بآخر.
وصل المشروع الى نهايته، ولم يكن ينقص لتدشين الضخ للغاز سوى توقيع الماني بذلك، رفعت الولايات المتحدة منسوب التوتر مع موسكو لإيجاد مبرر لإيقافه، وطورت الموقف الاوكراني باتجاه مزيد من العداء لروسيا، وفي تحد شديد لامنها القومي، كانت الخطة الاميركية تقضي باستدراج روسيا لدخول اوكرانيا وروجت بذلك لهدفين.
الاول : استنزاف روسيا بحرب طويلة الامد للحد من نموها وتطورها الجيوسياسي والعسكري والاقتصادي، وتقليب العالم ضدها بوصفها دولة عدوانية، وبهدف افلاسها تمهيدا لإحتوائها وتفكيكها.
الثاني : وضع اوروبا امام الامر الواقع، بأن روسيا تهاجم دولة اوروبية، وبذلك هي تشكل خطرا على الامن الاوروبي، وان طموح روسيا قد لا يتوقف عند اوكرانيا فحسب، وقد يمتد لدول اوربية اخرى.
بذلك تكون الولايات المتحدة قد نجحت بضرب عدة عصافير بحجر واحد، استنزاف روسيا وشيطنتها، كذلك اظهارها كدولة توسعية استعمارية على حساب الامن الاوروبي من جهة، ولجمع الدول الاوربية تحت شمسيتها نتيجة حالة الخوف التي خلقتها من روسيا وزرعتها في نفوس الأوروبيين بحيث يصبحوا كالصيصان تحت الدجاجة التي تضللهم وتحميهم وتراعي امنهم وغذائهم وموقعهم الجيوسياسي، غير آبهة بالاخطار الإقتصادية والآثار السلبية التي سيتعرضون لها نتيجة حاجتهم لروسيا في مسائل الغاز والنفط، وفي الغذاء والمواد الاولية من المعادن ومحركات الصواريخ العابرة للفضاء واليورانيوم الذي تحتاجه معاملهم النووية لإنتاج الكهرباء، الاهم في كل ذلك انها فرضت على المانيا وقف العمل بخط نورد ستريم ٢ الذي كان سيغذي المانيا وعبرها اوروبا بالغاز.
التنسيق الروسي – الالماني الإقتصادي الذي سيؤدي لاحقا الى تطور اكبر واوسع اقتصاديا وامنيا وتجاريا وصولا الى السياسة ينفي الحاجة للولايات المتحدة من جهة، ويعزز قدرات موسكو في تجاوز الأحادية القطبية من جهة اخرى، وفي عدم اتاحة الفرصة للغاز الاميركي لمنافسة الغاز الروسي وبلوغه اوروبا بسبب فارقي النوعية والسعر.
أصبحت اوروبا مع تطبيق الخطة الاميركية اسيرة للولايات المتحدة خلافا لمصالحها، فكافة المعطيات تؤكد حاجة اوروبا لعلاقات اقتصادية مع موسكو، وان هذه العلاقة هي لمصلحة اوروبا اكثر مما هي لمصلحة روسيا التي يمكن ان تسوق منتجاتها في اماكن اخرى، في حين تعجز اوروبا حتى الآن عن توفير مصادر اخرى، ما ادى الى ارتفاع الاسعار في اوروبا والى فقدان بعض السلع واحتجاجات شعبية جراء فقدان السلع والغلاء.
المثير في الموضوع هو ادراك اوروبا للاضرار التي ستلحق بها جراء مقاطعة موسكو، والعجز عن التحرر من سلطة الولايات المتحدة رغم الأضرار التي تلحق بها.
نتائج الميدان في اوكرانيا ستقرر الوجهة التي ستنتهجها اوروبا استنادا الى المعطيات التي سيرسو عليه الواقع الميداني، فإذا انتصرت روسيا في هذا الحرب فكل المعطيات الدولية ستتغير، وستعود اوروبا راكعة امام روسيا ترجوها اعادة الأعتبار لعلاقاتها الإقتصادية مع موسكو.