الاحدثالجيوبوليتيك الروسي

على باب عيد الأم : “الدكتاتور” مدين لحذاء ماريا | بقلم أكرم بزي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الدكتاتور” وملك الرعب النووي”، و”المجنون”، و”القاتل: بحسب الرئيس الأميركي جو بايدن، صفات أطلقت على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من قبل “البروغاندا الغربية”، الرجل الذي شغل العالم منذ توليه السلطة في روسيا، بعد استقالة الرئيس بوريس يلتسين.

يمارس أكثر من عشر رياضات بدنية وفكرية (الشطرنج، والسباحة، وركوب الخيل، والجودو، وقيادة سيارات السباق، والطائرات وغيرها…)، ويتقن 7 لغات، البولندية والأوكرانية والألمانية والفرنسية والأنكليزية، ويفهم اللغة الأرمنية بالإضافة الى لغته الأم الروسية.

نادرة هي القصص عن حياة فلاديمير بوتين، الطفل والشاب، ورجل المخابرات، ورئيس الدولة، إذ تعمد بوتين إلى إخفاء الكثير عن حياته الشخصية، خاصة بعدما طلق زوجته لودميلا (Lyudmila Aleksandrovna Ocheretnaya)، في العام 2013، والتي أنجب منها ابنتين: الكبرى طبيبة أطفال اسمها Maria Vorontsova عمرها 34 سنة، والثانية تدير معهدا علميا تابعا لجامعة موسكو، اسمها Katerina Tikhonova وأصغر سنا من شقيقتها بعام و4 أشهر.

في إحدى المقابلات التلفزيونية، كنت أشاهد الرئيس الروسي وهو يتحدث عن النفس البشرية، والنزعات الفردية للأِشخاص، وقال، :”إن كل إنسان يرى الأمور من منظاره الشخصي ويحكم عليها، بل عليه أولاً أن ينظر في المرآة، كي يرى نفسه أولاً، ثم يكتشف السوء الذي فيه ويحكم بعدها على الآخرين”. لفتني في هذه المقابلة الطريقة التي يتحدث فيها وكأنه أستاذ فلسفة.

وفي خطابه الشهير “التاريخي”، قبل ليلة واحدة من الهجوم على أوكرانيا، خُيل لي أن المتحدث “شخص متمرد” آت من زمن ستالين، زمن “الحزب البولشفي”، فالإحاطة والموسوعية التي كان يتحدث بها دون الاستعانة بورقة او بآلة تلقين، تشير إلى أن الرجل لديه ثقافة واسعة وخبرة وحنكة مؤدلجة فيها الخليط من المسيحية والماركسية وعلوم الاجتماع وتشبعه بفكر المفكر الروسي المعاصر ألكسندر دوغين، ولا شك أنه يفهم خصومه بشكل صحيح ويعلم نقاط ضعفهم، وعندما وصف الغرب بأنهم “إمبراطورية الكذب”، قالها عن دراية وخبرة وتجربة، وعلى الأقل تجاربه الشخصية مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية.

نشأ فلاديمير بوتين في مجمع سكني بمنطقة سكنية تتسم بالعنف في مدينة لينينغراد (أصبحت فيما بعد سانت بطرسبرغ)، وكان يتشاجر كثيرا مع الصبية المحليين الأضخم حجما والأشد منه قوة.

ووفقا لموقع الكرملين على الإنترنت، كان بوتين يرغب في العمل لدى الاستخبارات السوفيتية “حتى قبل أن ينهي دراسته المدرسية”. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، قال بوتين: “قبل خمسين عاما، علمتني شوارع لينينغراد قاعدة مفادها أنه إذا لم يكن من المعركة بد، فعليك أن تسدد الضربة الأولى”.

ولمن كان لديه تاريخ كـ بوتين، يدرك أن الرجل عاش حياة قاسية، وفي مقال أشبه بالسيرة الذاتية تحدث عن والده فلاديمير بوتين الأب ووالدته ماريا إيفانوفا بوتينا، وروى بالتفاصيل كيف أن حذاءها الذي اشتراه والده لها كان السبب في إنقاذ حياتها لتنجبه بعد 8 سنوات من تلك الحادثة. (1).

وتحت عنوان “الحياة شيء بسيط ولكنها قاسية”، روى كيف نجا والده بأعجوبة من الموت في مهمة تابعة للشرطة السرية، بالإضافة إلى إنقاذ والدته وفقدان شقيقه أثناء حصار لينينغرا، فعند اندلاع الحرب كان والده عاملاً ميكانيكياً في أحد مصانع سانت بطرسبرغ، (لينينغراد سابقاً).

وبالرغم من أن والده كان لديه اعفاء من الخدمة العسكرية إلا أنه تطوع للخدمة في الحزب الشيوعي، وتعيينه في مفوضية الشعب للشؤون الداخلية (أو الشرطة السرية).

كما روى بوتين قصة إنقاذ والدته التي تبدو وكأنها معجزة، فعندما عاد الأب إلى المنزل من المستشفى بعد كان يتعالج من إصابة تعرض لها في المعركة، رأى مسعفين ينقلون الجثث على نقالات، وتعرف على زوجته من بين القتلى (كانت موجودة بين جثث القتلى) بفضل حذائها الذي اشتراه لها.

واقتناعاً منه بأنها لا تزال على قيد الحياة، طلب من المسعفين التوقف، لكنهم أجابوا بأنها لن تستطيع النجاة، وتابع بوتين: “أخبرني والدي أنه وكز المسعفين بعكازيه وأجبرهم على نقلها إلى الشقة”. وأضاف أن والده قام برعايتها حتى استعادت عافيتها، لتنجبه بعد عدة سنوات. (عاشت والدة بوتين حتى عام 1999، بينما توفي والده عام 1998)، وقبل وفاة والده ببضعة أشهر كان يحرص الرئيس بوتين على زيارة والديه بشكل منتظم، وكان “والده يقول للممرضات انظروا إلى الرئيس القادم وكان يقصد ابنه فلاديمير بوتين”.

ويروي الرئيس الروسي بشغف عن والده أنه كان من عائلة مكونة من 6 أشقاء، توفي 5 منهم في الحرب، تمكن بوتين الأب من البقاء على قيد الحياة بعد أن أمضى عدة ساعات في مستنقع، مختبئاً تحت الماء، ويتنفس من خلال قصبة بينما كان يسمع الجنود الألمان وهم يسيرون بجواره.

بعد ذلك، تم إرسال والد بوتين إلى “نيفسكي بياتاشوك”، وهي بقعة صغيرة ولكنها مهمة للغاية على طول نهر نيفا بالقرب من لينينغراد، والتي احتلتها القوات السوفييتية على حساب عشرات الآلاف من الأرواح.

أصيب الأب في مناوشة، ولكن أحد رفاقه الذي تصادف أن يكون أحد جيرانه من لينينغراد أنقذ حياته. جرّه الرجل في البداية عبر النهر المتجمد الذي تلقى آثار الرصاص، ثم حمله على ظهره طوال الطريق إلى المستشفى.

ووصف بوتين بالتفصيل كيف قاتل والده بشجاعة في الحرب العالمية الثانية، وزعم أن جده سبيريدون بوتين (Spiridon Putin) كان يعمل طاهياً للينين وستالين، بينما توفي شقيقاه اللذان يكبرانه، فيكتور وألبرت.

يرتبط الرئيس فلاديمير بوتين بعلاقة عاطفية بلاعبة الجمباز ألينا كاباييفا منذ أكثر من عشر سنوات، ويقال إنها والدة طفليه التوأم، وتعد ألينا ماراتوفنا كاباييفا، 38 عاما، سياسية روسية ومديرة إعلامية ولاعبة جمباز إيقاعية متقاعدة، حاصلة على الميدالية الذهبية الأولمبية، وبعد تقاعدها من الجمباز، بدأت كاباييفا حياتها المهنية في السياسة، وكانت عضوة البرلمان الروسي بين عامي 2007 و2014، عن حزب روسيا الموحدة. وفي سبتمبر/ أيلول 2014، قبلت كاباييفا منصب رئيس مجموعة ناشيونال ميديا جروب، أكبر تكتل إعلامي روسي.

وفي عام 2016، ظهرت كاباييفا علانية وهي ترتدي خاتمًا في إصبعها، والذي بدا وكأنها تحاول إخفاءه عن الكاميرات، فيما تشير مزاعم أن لاعبة الجمباز السابقة كونت عائلة سرية مع بوتين. وفي عام 2017، أثيرت شائعات حول حمل كاباييفا عندما حضرت مسابقة للجمباز الفتيات في موسكو مرتدية فستانًا أحمر فضفاضا. ثم أشارت صحيفة روسية إلى خطبة بوتين وكاباييفا – لكن القصة تم نفيها وأغلقت سلطات الكرملين الصحيفة.


واستمرت القصص التي تفيد بأنهما أنجبا عدة أطفال بعد التقاط صور لهما معًا، مما أجبر كاباييفا على نفي الإنجاب. وقال مصدر في موسكو لصحيفة ذا صن: “بوتين رجل شديد الخصوصية – لقد كان يخفي ابنتيه الراشدتين ببطاقات هوية مزورة منذ سنوات. وحتى الآن، على الرغم من أنه يتحدث عنهما من حين لآخر، إلا أنه لا يذكر اسمهما على الإطلاق.

كثيرة هي القصص عن فلاديمير بوتين، الذي يعتبر من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ المعاصر، فمراكز الدراسات الأميركية والغربية دأبت منذ صعود نجمه الإحاطة بتفاصيل شخصيته إلا أنها بقيت قاصرة عن فهم طبيعة هذا الرجل، الذي يحضن ويروض فيها “النمر” بنفس الحرارة التي يحضن ويروض فيها “الكلب”، هذه الشخصية الفولاذية التي تجيد استغلال اللحظة المناسبة والمكان المناسب لتحقيق أهدافه السياسية والشخصية في آن معاً، وإرسال الرسائل الرمزية والمشفرة لزعماء العالم في حالات استقبالهم ووداعهم، أو من خلال المقابلات التلفزيونية، فمن كان يعرف كيف دُمر حكم آل رومانوف (القياصرة)، وعايش الحقبة الشيوعية والستالينية، وانهيار “إمبراطورية” الإتحاد السوفياتي، وزمن نهوض روسيا الحالي … رجل استطاع، أن ينهض بروسيا الجديدة ويقول للأميركي والغرب بأجمعه كفى… وأوقف العالم على شفير حرب نووية لوضع شروطه.


من كان يتوقع أن “حذاء ماريا” قد يكون سبباً لحرب عالمية ثالثة، أو على الأقل تدمير أوكرانيا (ثاني أكبر دولة أوروبية)، ومجابهة الحلف الأطلسي برمته.! أنه من الرجال النوادر الذين تركوا بصمة بالتاريخ الإنساني أنه “انثروب التاريخ من (anthropoglot)”.


المصادر: الدايلي ميرور، فورين أفيرز، موقع الكرملين الرسمي، ذا صن،
ومجلة روسكي بايونير الروسية ( Russky Pioner).

الكاتب أكرم ناظم بزي

الكاتب والباحث السياسي أكرم ناظم بزي، صحافي وباحث لبناني، يكتب في الأدب والسياسة والعلاقات الدولية، لديه العديد من الأبحاث والمقالات، وفي الصحافة اللبنانية والعربية، لا سيما في دولة الكويت وهو عضو نقابة الصحافة اللبنانية، وجمعية الصحافيين الكويتية 2002، (شارك قي اعداد موسوعة العلوم السياسية لجامعة الكويت)، وعضو نقابة مخرجي الصحافة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى