أبناء النظام السياسي في العراق يهدون أركانه! | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
معظم المتواجدين من أطراف الازمة السياسية الحالية هم أطراف كل أزمة قبيل تشكيل الحكومات السابقة وأثناء الانتخابات، في مشهد متكرر لأربع أو خمس حكومات تشكلت بعد الانتخابات.
وجُل المتواجدين في المشهد السياسي الحالي شاركوا بشكل أو بآخر في بناء النظام السياسي بعد 2003، منهم من شارك في كتابة الدستور، ومنهم أرسى أو ساعد في كتابة قوانين ومشاريع سياسية بعد التغيير، والحقيقة أن هذا العمر السياسي لأكثر من عقد أو قرابة العقدين من الزمن يعطي زخما ويعطي للمشاركين قوةً في حلحلة الامور إن استعصت أو وصلت الى الحد المسمى بالأزمة بحجم الخبرة السياسية المكتسبة لهم، ولا أُغالي إنْ قلتُ أنَّ الامر خلاف ذلك، وكأننا أمام سياسين لم يخبروا العمل السياسي بعد، و مازالت عظامهم طرية في خوض غمار الحرب (كما يعبرون )، ويرى المراقب السياسي أنه أمام أداءٍ لا يرقى الى مستوى الأحداث، أو هم في طور المراهقة ولم يصلوا الى النضج السياسي، وعملهم لا يرقى الى ما ينتمون إليه عقائديًا وفكريًا لمجابهة مثل هذه التحديات السياسية.
وقد طالت الأزمة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، وربما تتحول هذه الازمة الى كارثة تؤدي إلى إنهيار النظام السياسي الذي مازال بحاجة الى ترسيخ مبادئه في عقلية المواطن ليؤمن به،فإن صادف و انتقل من مرحلة المواطنة العادية الى مرحلة التشريع أو التنفيذ أو مارس القضاء لا يتنصل عما آمن به، ويدافع عنه.
وقد نرى تناقضًا من قبل السياسين في التعامل مع النظام السياسي الحالي، فعندما تتوافق المصالح يتم الاشادة به والدفاع عنه كمرجع أساسي،وعندما تتضارب المصالح نجد أشد حالات الانتقاد لتصل الى المطالبة بالتغيير.
وهذا الحال يجري عندما نرى أعضاء المشهد السياسي داخل الحكومة أو خارجها والذاكرة الجماهيرية شاهدةً على تَغيُرِ المواقف والحديث حسب الظروف.
ولنعد الى ما افترضته كعنوان تحذيري لما يجري أو ما ستؤول إليه الامور فيما لو بقي السياسيون يخوضون في تفاصيل صغيرة تبعدهم عن رؤية المشهد العام والأُفق المستقبلي فيما يُخطط للعراق.
وقيل “إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين” ولكننا نرى لدغًا متواصلا لهم فلا أدري هل هي سذاجة أم نسيان وتناسي أم ابتعاد عن روح المسؤولية فيما يقومون أو قاموا به !.
لقد عشنا تجارب مريرة وكادت الدولة العراقية أن تُمحى من الخارطة السياسية في سنة 2014 وخرج العراق منها أو تجاوزها بعوامل أهمها فتوى الجهاد الكفائي، وحكومة استطاعت أن توظف العامل المعنوي للفتوى التاريخية والنوعية للمرجعية، وتوازن في التعاطي مع المكونات السياسية،مع حكمة في التعامل مع الواقع الاقليمي والدولي في تجربة لم تخلو من صعوبات ومنغصات ومطبات بعضها متراكم، وبعضها لاختلاف الاجندات الدولية مرة والاقليمية تارة مع تصميم الحكومة على التحرير.
ثم تم استيعاب الاستفتاء على انفصال كردستان ليبدأ فصل جديد من الانتعاش في المركز ما برح أن انقض عليه من لايروق لهم أن يتعافى العراق.
وجيء بحكومة عبدالمهدي التي كان اداؤها مغايرًا لما سبقها وفق ما أرادت المنظومة التي شكلت معادلة رئاسة الوزراء وكان هدفها واضحا هو تغيير المسار الذي اختطته الحكومة التي سبقتها لتمحو كل أثار النهضة بجرة قلم وبممارسات على الارض أدت الى التعجيل بالانقضاض على النظام السياسي بحجة فشل حكومة عبدالمهدي ( وقد ناقشت فشل المنظومة والاداء في مقالات سابقة).
وكان النظام السياسي على شفا حفرة لولا خطبة الجمعة الممثلة لرأي المرجعية التي طالبت البرلمان باتخاذ الموقف وممارسة مسؤوليته، ولم يتعنت رئيس الوزراء الاسبق أو يتشبث بكرسيه بالرغم من ضغط المنظومة التي جاءت به بالبقاء وعدم الالتفات الى نداء المرجعية الذي أرادت بندائها أنذاك انقاذ العملية السياسية او النظام السياسي من الانهيار، كما كان الهدف من فتوى الجهاد الكفائي.
وفي مثل هذه المواقف يكون (كبش الفداء) انقاذًا للهيكل العام،وكانت المطالبة بالتغيير واستجابة رئيس الوزراء السابق خطوة للحفاظ على النظام السياسي،وسحب البساط من تحت من أراد إنهاء النظام السياسي.
والمراقب للوضع العراقي يرى أن الارتجال في المواقف كان عونًا لاعداء العراق،أو إن الأحقاد بين بعض السياسين كانت عونًا لمن يملك مخططا بالضد من النظام السياسي في العراق.
العدو المفضل أو العدو الغبي :
أنا أُؤمن بفرضية العدو الغبي أو العدو المفضل، فقد لاتكون نية بعض السياسين هي التحالف مع أعداء النظام السياسي في العراق أو من يريدون عدم استقرار العراق وتعطيل تقدمه، ولكن أفعالهم السياسية وتحركاتهم اليومية تكون عونًا لهم،وبهذا يكونون مفضلين عندهم.
واليوم في هذه الأزمة أرى نفس الافعال التي حدثت قبيل 2014، وما حدث في 2018 وما بعده قد تؤدي إلى كارثة أُخرى قد لا نتعافى منها اطلاقًا.
فمشكلة الاخوة المتصدين في العمل السياسي سواءً من الجيل الاول أو الثاني كما يعبرون -ولا أدري من أين جاءت هذه التسمية- مشكلتهم أنهم يتعاملون مع المفردات اليومية ويغرقون في التفاصيل الشخصية مبتعدين عن النظرة الكلية للأمور،وهناك قصور وتقصير في فهم الابعاد الستراتيجية لما تخططه القوى الاخرى التي لاتجد من يحاكي هذه الخطط سلبًا أو ايجابًا، ويكتفي الاخوة بالتحليل (هذا إن شخصوا ما جرى وسيجري) وأغلبهم يميل الى التباكي على الوضع والنداء بوجود مؤامرة !.
ومازلت أُكرر إنَّ نجاح المؤامرات بسبب (العدو الغبي) وليس بسبب قوة الاخرين !!.
ولا أدري متى يستفيق الاخوة من أحلامهم وتخيلاتهم لينظروا الى افق المعادلات السياسية الداخلية أولا وفهم إرهاصات المجتمع وتحولاته الفكرية والسياسية، وهناك من يروج لقطع الصلة بين الجماهير والطبقة السياسية وتوسيع الفجوة وعدم الثقة بين الطرفين، وثانيا لا أرى فهم المعادلات السياسية اقليميا ودوليا أو دراسة التحولات السياسية وفق مصلحة العراق.
وعندما أقرأ هذه الاحتمالات ولا أجد من يفكر بعقل وقلب كبير أجد أنَّ الخسارة التي ستصيبنا ليست خسارة ذاتية لهم بل هي خسارة وطن.
وعندما أقرأ المشهد وفق هذا السيناريو ولا أجد من يملك الجرأة للصراخ بوجه إخوته فإني أجدُ أنَّ أبناء النظام السياسي يساعدون في انهياره.