النزعة السلطوية.. ما بين الاتجاهات الإسرائيلية والميول الأمريكية
العالم أجمع ينظر إلى اسرائيل باعتبارها نقطة في بحر أمريكا، ورغم أن العديد من الفئات داخل المجتمع الأمريكي لا يمكن الجزم بولائهم التام للرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية ولا بدعمهم للدولة اليهودية، إلا أنه بوجه عام تنص القاعدة الأمريكية على أنه حينما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن الاتجاه السائد يميل إلى التحيز. وتلك الاتجاهات المتحيزة قديمة العهد فهي تسبق مجئ ترامب، وصعود نجم نتنياهو في إسرائيل بعقود طويلة.
حينما عقدت الاتفاقية الوطنية للحزب الديمقراطي الأمريكي عام 1988 رفض الحضور فكرة الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية، وبخاصة شاك شومير رجل الكونجرس الذي وجد نفسه واقعاً تحت ضغط مؤيدي المرشح المنافس جيسي جاكسون. في ذلك الوقت ، كانت إسرائيل تحت قيادة حكومة ائتلافية تشكلت من اليمين و اليسار الوسطي ، بما في ذلك إسحق رابين وشيمون بيريز.
وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية في عهد ترامب، فسوف نلحظ أن نتنياهو لم يعد حليفاً عادياً، بل كانت الظروف مواتية له بصورة كبيرة، مما ساعد على تعزيز مكانة إسرائيل داخل أمريكا وذلك من خلال حرص نتنياهو على توطيد علاقاته مع المحافظين في كلا البلدين.
ويعتقد بعض الخبراء بأن إسرائيل قد نجحت في كسب قلوب وتعاطف الجمهوريين هذا في الوقت الذي خسرت فيه الكثير من الديمقراطيين. وقد أكد القرار الصادر عن مجلس النواب مؤخرا على استمرار دعم أمريكا لاسرائيل والتصديق على حل الدولتين، إلا أنه قوبل باستياء شديد من كلا الفريقين ولكل أسبابه الخاصة.
وهناك اتجاهات سائدة تؤكد على أن نتنياهو لا يعتبر الرجل المثالي في نظر الائتلاف الذي يتكون بصورة أساسية من الأقليات والشباب والذين يسيطرون بصورة واضحة على مقاعد الحزب الديمقراطي بصورة أكبر من أي وقت مضى.
كما لا يتوافق نتنياهو -حسبما يرى البعض- مع فكر الجالية اليهودية والمؤلفة في الغالب من الليبراليين. وهنا تتضح المفارقة الكبرى، ففي إسرائيل تجاوزت شعبية ترامب نسبة الـ 70% بينما تنخفض تلك النسبة تماما في أوساط اليهود الأمريكيين.
ولأن السلطوية والولاءات لايعرفان حدودا بين الدول، فمن الملاحظ أن بنيامين نتنياهو المولود في إسرائيل والذي تلقى تعليمه في أمريكا لا يخجل من الاعتراف بتأييده التام للحزب الجمهوري، حتى أن والده بنزيون، قالت عنه صحيفة نيويورك تايمز إنه كان من أبرز أنصار الحزب الجمهوري في إسرائيل في عهد الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت.
وقد حذا نتنياهو حذو أبيه تجاه كل من ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان والسيناتور الراحل جيسي هيلمز. كما استعان أيضا في عام 1996 بالسياسي الأمريكي المحافظ آرثر فينكلشتاين وذلك بهدف كسب دعمه له في معركته السياسية الأولى ضد شيمون بيريز. وقد اشتهر فينكلشتاين آنذاك بوصفه الرجل الأسطوري في الدوائر السياسية الجمهورية والمحافظة. حيث نجح في تأسيس اللجنة الوطنية للعمل السياسي المحافظ بالتعاون مع كل من روجر ستون وبول مانافورت واللذين يواجهان عقوبة السجن حالياً.
ومن أشهر التصريحات الواردة عن بنيامين نتنياهو والتي ربما أثرت بصورة كبيرة على مستقبل المنطقة العربية فيما بعد، شهادته أمام الكونجرس الأمريكي عام 2002 بأنه إذا تمت الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، ” فأنا أضمن لكم بأن ذلك سيكون له أصداء إيجابية في المنطقة”.
وفي انتخابات عام 2015 عكف نتنياهو على لفت أنظار الناخبين اليهود إلى أن عرب إسرائيل – والذين هم من المواطنين اليهود أيضا- سوف يصوتون بأعداد كثيرة. وقد كانت تلك الحملة الانتخابية بالنسبة لكثير من الأمريكيين بمن فيهم باراك أوباما بمثابة تذكيراً بأحداث الماضي السحيق.
وفي مقابلة له مع صحيفة هافنجتون بوست، قال أوباما: ” إن الديمقراطية الاسرائيلية اعتمدت في الأساس على المساواة بين الجميع” وفيما يبدو ان نتنياهو أراد مراجعة الرئيس الأمريكي فيما قال ولكن البيت الأبيض لم يتيح له الفرصة لذلك.
ونظرا لما يواجهه نتنياهو حاليا من اتهامات قد تفضي إلى خضوعه للمحاكمة، فقد أشارت بعض التقارير إلى أنه يتطلع حاليا للتخفي خلف قناع الحصانة البرلمانية محاولا الحصول على دعم كل من كوري ليفاندوفسكي وديفيد بوسي، وهم من أبرز خصوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. الأمر الذي يبرهن على أن الداعم الأكبر للحزب الجمهوري قد اتجه نحو اليمين المتطرف.
وقد حرص كل من ترامب ونتنياهو على ان يسلكا ذات الدرب، ففي الوقت الذي حرص فيه ترامب على التقرب إلى الإنجليين في أمريكا من أجل الفوز بحياة عزيزة، ارتبط نتنياهو أيضا بعلاقات قوية مع اليهود المتدينين في إسرائيل. وحقيقة الأمر أن كلا الموقفين يبدو زائفا تماما. فقد أشارت تقارير إلى تورط كليهما في فضائح جنسية، وبخاصة نتنياهو الذي قيل عن إقامته لعلاقات غير مشروعة مع إمرأة متزوجة. الأمر الذي يعد في نظر القوانين الدينية، جريمة تستحق الإعدام.
واستنادا إلى القول الشهير “لا ضرر ولا ضرار” فإن المتدينين اليهود لم يتوقفوا عند هذا الأمر، وكذلك فعل الإنجليين في أمريكا عندما أقروا بالتجاوز عن خطيئة ترامب. ويوحي تطابق الموقفين هنا بمدى التشابك الذي تشهده الأروقة والعلاقات السياسية، والتي لا تحوي الكثير من الضمانات أو التوقعات.
وما ركزت عليه صحيفة نيويورك تايمز بصورة خاصة هو تفضيل نتنياهو للمعاملة مع الأنظمة السلطوية الاستبداية الأخرى في العالم. فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ذات مرة:” أشعر بالراحة في العلاقات مع كل من ترامب وبوتين والسيسي في مصر ومودي في الهند” فهم في نظرة “رجال أقوياء”.
وفي ضوء ما سبق، أشار كتاب أمريكيين إلى حالة الشقاق الواضحة بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل، فقد اتجه ممثلوا الفريق الأول- حسبما يرون- نحو الحداثة متناسين تماما العوامل الإثنية والعرقية.
ومن الشخصيات البارزة أيضا التي كانت حديث الصحف الأمريكية، الملياردير شيلدون أديلسون وهو من أهم أنصار ترامب ونتنياهو. والمالك الأول لإحدى الصحف الإسرائيلية المؤيدة لنتنياهو، كما أنه الشاهد الأول المحتمل ضده أيضا في حال خضوعه للمحاكمة.
ويشعر غوردس المولود في الولايات المتحدة بالارتياح لأن العرق والدين يلعبان أدوارًا أكبر في الساحة العامة لإسرائيل ، ويتوق إلى التقارب بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل ، الأمر الذي قد لا يتحقق أبدا. وقد عجز غوردس عن تفسير أسباب الانقسامات الواضحة بين اليهود، واتجاه كثير منهم نحو الهجرة إلى أمريكا متطلعين نحو حياة أكثر مدنية.
في الواقع تلعب الانقسامات الواضحة دورا بارزا داخل كيان المجتمع الإسرائيلي. ففي أقل من عام، توجه الناخبون مرتين نحو صناديق الاقتراع لكنهم لم يتمكنوا من انتخاب حكومة. ومن المقرر إجراء انتخابات ثالثة في أوائل مارس.
وبين كل من أمريكا وإسرائيل ، يتم اختبار الديمقراطية وسيادة القانون من قبل اثنين من القادة الذين يعتبرون مبدأ ” أنا.. الدولة” قاعدة للعيش.
رابط المقال اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا