الاغتراب لدى المثقف العراقي .. | كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قبل أنْ أُناقشَ ما المقصود في العنوان
لنرى ما معنى الاغتراب إصطلاحا وأنواعه
فالاغتراب في اللغة “الاغتراب غرب عليه تركه بعيداً،الغربة النزوح عن الوطن”
و”يغرب بعيداً أي يتنحى”
ونجد أن هذا المعنى اللغوي للمفردة تطور بعد ذلك بحسب الاستعمال وفهم للمعنى فنرى معنىً جديداً إجتماعياً نفسياً فالاغتراب هو “الانفصال عن الاخرين وهو معنى اجتماعي بلا جدال لا يتم دون مشاعر نفسية كالخوف والقلق أو الحنين أو تصاحبه أو تنتج عنه ” فيما عرفه النوري على “أنه الانخلاعُ والإنفصالُ عن الذات أو التذمر والعداء أو العزلة ،وانعدام المغزى في واقع الحياة أو الاحباط” وهنا توسع في المعنى ليأخذ بعداً نفسياً أيضا بعد إن اشترك في المعنى الاجتماعي مع رجب .
وأصبحت المفردة تدل على معنى إجتماعي نفسي كما وصفه كروزبل “حالة نفسية إجتماعية تسيطر على الفرد فتجعله غريباً وبعيداً عن واقعه الاجتماعي” وفي الفلسفة “نمط من التجربة يعيش فيها الانسان نفسه كغريب أو هي حالة نفسية إجتماعية تجعله بعيداً عن واقعه الاجتماعي ” و المثقف العراقي في مجتمعه لاتختلف هواجسه وارهاصاته عن المثقفين الاخرين في المجتمعات الاخرى .
فهو قد يعيش هواجس الاغتراب عن مجتمعه ، ولكني لا أراها حالة صحية بل أراها حالةً مرضية .
وحينما أطلق صفة المثقف أو المفكر فإني لا أُحدد إتجاهه السياسي أو الديني، فالمثقف الذي يؤمن بأن الاسلام طريق الحياة،أو المثقف الذي لا يرى ذلك .
فكلاهما يحملُ ثقافةً ورؤيةً يريد لها النجاح أو يرغب في أن تتجسد أمامه في مجتمعه.
وعندما يواجه صدوداً أو تجد محاولاته فيما يطرحه ذهبت سدىً،فإنه سيشعر بالاحباط وقد يتجه إلى الإغتراب عن مجتمعه .
ويرى بعض الفلاسفة أن الاغتراب نتيجة الظلم الاجتماعي السائد وتردي القيم وغيرها من المفاهيم التي يرى فيها الفرد نفسه مظلوماً فيتجه الى الاغتراب .
ولهذا فإن الاغتراب حالة يتعرض لها المثقف والمفكر والانسان البسيط ،ولكني أُسلط الضوء على المثقف أو المفكر لأنه قدوة للمجتمع ومرآة تفكيره وبهم يبدأ التغيير .
وإني أرى المثقف الذي يعيش الاغتراب عن مجتمعه هو المسؤول عن الحالة التي يصل إليها ،ففشل التجربة الاولى لايعني إنتهاء الأمل ،أو إنتهاء المهمة وفشل الرسالة التي يحملها المثقف .
ولتكن “التجربة أبداً” شعاراً وثقافةً وسلوكاً وهي عبارة طالما رددها المرحوم السيد فضل الله لتكن خير محفز لكل مثقف واع .
وأتساءل ماهي فائدة الفكر أو الثقافة التي نحملها إن لم تنتج لنا واقعاً جديدا!؟
وما فائدةُ الفكر الذي يجعلني مغترباً عن مجتمعي ، فالفكر الذي لاينتج لاخير فيه .
فالمثقف أو المفكر يمارس الخطيئة حينما يعزل نفسه عن الناس أو يغترب عنهم ،ويرى نفسه في حالة انفصام ،وفجوة عن مجتمعه بسبب مافي المجتمع من جهل بحسب رؤيته ،وتفشي الفساد،ولا منفذ لفكره وسلوكه فهو مغترب سلوكاً و فكرا ً ومن ثم يعتزل ويتقوقع ويعيش أجواء اللاإنتماء .
إنَّ واجب المثقف المفكر أن يغير واقعه الاجتماعي ، فما فائدة ما يحمله أو ما حمله إنْ لم يستطع تغيير من حوله ليرتقي بهم؟.
إنَّ الاغتراب حالةٌ سلبيةٌ غيرُ منتجةٍ ،وقد تتحول إلى مرضٍ إنْ استحوذت الهواجس وما يعيشه المثقف من قلق على تفكيره ونمط حياته.
إنَّ المثقف في مجتمعنا قد يجد البيئة خصبةً للتغيير إذا ما اتقن فنَ التواصل مع الاخرين ،وبيئتنا الاجتماعية العراقية قابلة للتفاعل .
ولذلك قد لايكون هناك متسع للاغتراب بل التفاعل والانفعال ، العطاء والكسب، والتجربة ثقافة ،والفكر لايعني الجمود ولا يعني التقولب بنمط حياة معينة رتيبة بل التواصل مع الاخرين .
ولايمكن للنزعة الفردية في مجتمعاتنا أن تتحول إلى ظاهرة ولا إلى ثقافة وسلوك، وقد تكون هناك مبررات لما يمر به مجتمعنا من ظروف بعضها يُراد لها أن تستقر ،وبعضها زائلٌ لا محالةً لأنها لا تتناسب والبعد التاريخي ، والارث الثقافي والحضاري لمجتمعنا .
ومن يشعر بالاغتراب عليه أن يراجع نفسه ويجرب مرة أُخرى مع بيئته ولتحيا التجربة مرة أُخرى .