التهجم على الحفلات الغنائية في العراق: “من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”| كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
رأي في الحفلات الغنائية “بدلًا من أن تلعن الظلام إشعل شمعة “أو “أضئ شمعة .. خير لك من أن تلعن الظلام ألف عام”.
قرأت هذا المثل الصيني منذ عشرات السنين وقد كتبته بنصين ومؤداهما واحد على ما أعتقد، وتذكرته بعد الصخب والجدل الذي تلا حفلات الغناء في بغداد.
فقد تصاعدتْ نبراتُ أصحاب المنابر وانتفخت اوداجهم، و بعض قال كلامًا جارحًا و خادشًا وعنصريًا لا يليق بمنبر رسول الله (ص) ، وبعضهم راح يستدر العطف من المستمعين على المصيبة في تسطيح للمسألة ، وأصدرت بعض المؤسسات الدينية بيانات استنكار لما جرى ،وقد دفع بعضهم الحرص على قيم المجتمع لكي ينفعل أو يصدر بيانه بهذا الشكل .
ولكن دعونا نناقش المسألة بهدوء ودون انفعالات وكأن الدين الاسلامي وأخلاق الناس قد تعرضت للخطر والخدش بسبب إقامة مثل هذه الحفلات مع أني أرى أن ما استفز بعضهم هو (امطار )الفنان محمد رمضان بالساعات الثمينة التي تبلغ أسعارها عشرات أضعاف ثمن دخول الحفل نفسه .
وأعود لصلب الموضوع وأتساءل هل كانت هذه الحفلات الغنائية التي وصفها بعضهم بأوصاف عديدة هي الخطر الحقيقي على المجتمع العراقي ؟.
سأجيب بسرعة وبإختصار أولا فأقول لا إنها ليست الخطر الحقيقي وليست هي المشكلة الرئيسية .
وهذا ليس تشجيعا لاقامة أمثالها أو الدعوة لانتشارها ،بل لانها لا تمثل الا نقطة في بحر الأخطار الذي يواجه مجتمعنا .
ومن السذاجة أن نجعل من هذه الحفلات الهدف الرئيس لمعركة سطحية لاطائل منها سوى القذف والسب والشتم، فيكون من حضر هذه الحفلات وكأنه خارج عن الدين لا سامح الله ،ومن لم يحضر فهو الانسان الملتزم بتعاليم دينه الحنيف، والحقيقة لاهذا ولاذاك ،فليس كل من حضر كان خارج الملة ،ولا كل من لم يحضر باقيًا فيها ..ولا أحد لا من المشايخ والسادة وحتى المؤسسات الدينية له القدرة على إخراج أحد من الاسلام .
وأما لماذا لم تكن هذه الحفلات الغنائية هي الخطر الحقيقي لأنها ليست إلا نتيجة لواقع تمخضت عنه .
وتأتي مثل هذه النتائج بعد أن تم تفريغ العمل الاسلامي والدعوة اليه في القضايا الظاهرية فقط وتركنا الجوهر الحقيقي للدين الذي يدعو لكمال النفوس بعد اصلاحها ،ومن ثم المجتمعات بالتواصي بالحق والعدل .
وبعضهم حول حماس الشباب للدفاع عن دينه بامساك البندقية والتجوال فيها فتمسك بالجهاد الأصغر الذي غلب على الجهاد الاكبر ،فضاعت قيم الاصلاح وتغيير النفوس بعد أن تم تغليفها ببدلة عسكرية وشعارات للمقاومة المسلحة .
إن الخطر الحقيقي ليست هذه الحفلات ياسادة ،وإنما هو تفريغ الخطاب الاسلامي من محتواه أو حصره باتجاه واحد ،والدين يدعو لاحياء الناس وتساميها بالمثل .
إن الخطر الحقيقي يكمن في فقدان قيم العدالة والاصلاح في المجتمع ،وأنا على يقين أن الكثيرين ممن حضر هذه الحفلات يحمل قيمًا نبيلة ولا يعادي الاسلام ،بل إنه بحث عن متنفس فقده في مجتمع يسوده الظلم ،وتنحرف فيه المسميات ،ويجعل من الفاسد أميرا ورئيسا على القوم ..
إن كان أصحاب المنابر والمؤسسات التي دعت الى حماية المجتمع من حفلات(المجون) كما سموها حريصين على المجتمع العراقي فعليهم أن ينشروا الفضيلة بين أفراد المجتمع بممارستها وأن يوازي الفعل القول .
ويعود مَنْ لبس الزي العلمائي أن يكون قدوةً في الاخلاق وفي الممارسات السياسية والاجتماعية ،لا أن يكون قدوة في احترافية اللصوصية والمكر والدهاء ..
إن ماساعد على نشر هذه الحفلات لا ذلك الذي دعا إليها ليكسب بعض الآلاف من الدولارات ،وإنما من اضاع القيم الاسلامية وحول قيم العدالة والمساواة الى كلماتٍ يتاجر فيها في سوق الخطابة والتغريدات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ،لينفر الناس من الدين فيكون البديل هذه الحفلات وغيرها من الممارسات التي ستظهر كرد فعل متوقع ..
من أراد نقد الحفلات الغنائية ومن حضرها عليه أن يقدم البديل الصحيح .
ومن نقد (كرم ) الجمهور على هذا المغني أو ذاك عليه أن يوضح أن هناك كرمًا نافعا لمن هو أكثر حاجة من هذا المغني الذي تبلغ ثروته الملايين .وبدلا من أن تلعنوا أصحاب الحفلات وترفعوا الرايات أنيروا درب المجتمع بالفضيلة وبالحكمة والرأي الحسن ولن يكون السبابُ حلًا ولن ينفع التباكي على القيم التي اضاعها امراء الحرب والسياسية لنطالب بها جمهور فقد هويته بعد ان شوهها هؤلاء القوم وبدلا من أن تلعنوا الظلام إشعلوا شموع المحبة واحقاق الحق والعدالة والصلاح وبدلا من التباكي سارعوا الى مغفرة من الله بأن تتوبوا اليه وتكفروا عن خطيئاتكم و استروا عوراتكم قبل أن ترموا أصحاب الحفلات بالشتيمة واللعن .
“ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ”
وكلنا قرأ أن أصحاب عيسى (ع) تراجعوا ولكن القوم اليوم تلبسوا بالنفاق ويحملون بدل الحجر الف حجر .