الحرب الأمريكية الإيرانية لن تقتصر على طهران.
برغم كونها ظاهريا حربا متوقعة بين جبهتين متنازعتين، إلا أن المستقبل يبدو حقيقة أكثر ظلمة، فساحة الحرب الأمريكية الإيرانية المتوقعة قد تمتد خارج نطاق أراضي طهران، لتشمل كل من سوريا ولبنان والعراق والسعودية وإسرائيل واليمن ومنطقة الخليج العربي وخليج عمان، أي أن منطقة الشرق الأوسط برمتها باتت على شفا حفرة من النار.
ولم يعد الأمر مقتصرا على الغارات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى حزب الله فحسب وتوعد إيران بالرد على تل أبيب، بل إن تصاعد وتيرة الخلاف بين كل من طهران وواشنطن خلال الآونة الأخيرة أيضا قد أدى إلى المزيد من التوترات بالمنطقة، مما قد ينذر بحرب وشيكة.
ويمكن وصف المنطقة الممتدة ما بين سواحل قبرص وخليج عمان بالجمر المشتعل، حيث يشهد خط المواجهة بين كل من واشنطن وحلفائها من جهة وطهران ووكلائها من جهة أخرى والممتد بطول 3000 ميل، الكثير من الأحداث، وذلك حيث تدور رحي الحرب الخفية بين كل من المعسكر الإيراني والأمريكي، وذلك بدءا من إسقاط طهران لطائرة التجسس الأمريكية في خليج هرمز، وحتى استهداف مطار أبها السعودي مؤخرا من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وبالتالي فإنه يمكن تقديم تصور عام عن الأوضاع الراهنة بمنطقة الشرق الأوسط، في ضوء النزاع القائم حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
وقد تصاعدت حدة الخلاف بين كل من واشنطن وطهران بعد التحذيرات التي أطلقها مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بشأن التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية، وما زاد الأمر تعقيدا هو انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني، حيث هددت إيران بممارسة المزيد من أنشطة تخصيب اليورانيوم في حالة عدم تدخل الدول الأوروبية من أجل حمل واشنطن على العدول عن موقفها، وهو ما حدث لاحقا بالفعل، فقد استمرت إيران في استئناف برنامجها النووي رافضة كافة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ولايقف الأمر عند البرنامج النووي الإيراني، بل إن تعمد طهران ممارسة العديد من الأدوار بالمنطقة وبخاصة في كل من سوريا والعراق، إلى جانب الدعم الذي تقدمه لكل من حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن يزيد من مخاوف الدول الغربية بشأن تهديد مصالحها وأهدافها الاستراتيجية بالمنطقة، فبالحديث مثلا عن حزب الله، فإن أرض طهران تعد له بمثابة ترسانة لتوجيه الصواريخ والتي هددت الجماعة من قبل باستخدامها لتدمير إسرائيل، ومن جهتها فقد نفذت تل أبيب عملية موسعة لاستهداف الأنفاق التابعة لجماعة حزب الله على حدودها الشمالية نهاية العام الماضي، الأمر الذي يعد بمثابة رسالة ضمنية موجهة إلى لبنان مفاداها بأن اسرائيل على دراية تامة بما يخطط له حزب الله.
ونقلت بعض التقارير تصريح رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني مجتبى ذو النور، والذي أكد على أن اسرائيل سوف تكون في مرمى الحرب الأمريكية الإيرانية المتوقعة، مؤكدا على أنه في تلك الحالة سوف يتم تدمير اسرائيل بشكل كامل.
وعليه فإنه يمكن القول بأن الضربة المرتقبة قد تتمثل في صورة حرب وشيكة بين حزب الله واسرائيل، مما قد يؤدي إلى تشكيل جبهة دفاعية إيرانية جديدة في كل من سوريا وغزة، فمن المعروف أن إيران تقدم الدعم الكامل لحركة حماس التي تتولى تسيير الأمور في قطاع غزة، إلى جانب جماعة الجهاد الإسلامي التي عمدت إلى استهداف تل أبيب بالصواريخ على مدار العام الماضي، حيث نجحت اسرائيل في استخدام منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها (القبة الحديدية) في التصدي لنحو 1000 من الصواريخ الموجهة إليها منذ شهر مارس 2018 الأمر الذي قد ينذر بعمليات اسرائيلية واسعة في قطاع غزة مثل ما حدث في 2009 و2014
ومن ناحية أخرى فقد نجحت إيران في إقامة بنية تحتية قوية في سوريا من خلال القواعد الخاصة بالحرس الثوري الإيراني والذي قدم الدعم الكامل لنظام الأسد لمواجهة المعارضين منذ عام 2011، هذا إلى جانب بعض الميليشيات المسلحة في العراق والتي انتقلت إلى سوريا من أجل خدمة الأهداف الإيرانية، وبالتالي فإن تعاظم الدور والوجود الإيراني في المنطقة قد أدى إلى زيادة حدة الصراع بين كل من طهران وتل أبيب، وسعي الحكومة الإسرائيلية نحو الحد من النفوذ الإيراني في الكثير من بؤر الصراع الوقاعة بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
ويعتقد البعض أن الكثير من الأحداث والمناوشات العسكرية بين كل من تل أبيب وطهران قد أثبتت أن الدور الذي تمارسه إيران في سوريا لا يقتصر على دعم نظام بشار الأسد فحسب، ولكن قد أكد نيتها لفرض سطوتها على المنطقة بدءا من الأراضي السورية ووصولا إلى العمق اللبناني.
والجدير بالذكر أن الصراع المشتعل فوق الأراضي السورية قد يضع نظام الدفاع الجوي السوري في موقف حرج، وذلك بالنظر إلى ضرورة التزامه بالدفاع عن حليفه الإيراني وخدمة مصالحه وأهدافه في المنطقة، وإلا أعطت إيران لاسرائيل الضوء الأخضر للقيام بالمزيد من العمليات العسكرية على الأراضي السورية.
ولكن قد أثبتت الشواهد على أن نظام الدفاع الجوي في سوريا لا يسير وفق خطط منظمة، ففي سبتمبر عام 2018 قامت القوات الاسرائيلية باستهداف طائرة روسية قبالة سواحل مدينة اللاذقية، الأمر الذي دفع موسكو إلى الإعلان عن خطتها لتزويد القوات الجوية السورية بالنظام الدفاعي من طراز إس- 300، ولكن أوضحت مشاهد الأقمار الصناعية في الـ 30 من يونيو الماضي بأن النظام الدفاعي الجوي الذي تم نشره بالقرب من مدينة مصياف لازال غير فاعلا، حيث استمرت الإخفقات المتتالية للطيران السوري، كواقعة استهداف أحد الجبال في شمال قبرص بدلا من إصابة الأهداف الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري، إلا أن النجاح الوحيد الذي حققه النظام الجوي الدفاعي بسوريا، قد تمثل في استهداف مقاتلة اسرائيلية من طراز اف 16 مما أدى إلى تحطمها قرابة الحدود الشمالية لإسرائيل.
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن خط المواجهة مع إيران يشمل المناطق الواقعة في نطاق نهر الفرات بسوريا، حيث تتمركز القوات الأمريكية وحلفائها من قوات سوريا الديمقراطية والتي تمكنت من كسر شوكة تنظيم الدولة الإسلامية في مارس من العام الجاري، إلى جانب تمسك واشنطن بقاعدة التنف العسكرية الواقعة بالقرب من الحدود العراقية والأردنية، وذلك على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نية بلاده لسحب القوات الأمريكية من سوريا في ديسمبر الماضي، إلا أنه في الوقت نفسه قد وجه تحذيرا مباشرا إلى الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد من محاولة الاقتراب من تلك القاعدة العسكرية الهامة.
في فبراير من العام 2018 قامت الميليشيات التاعبة للنظام السوري باستهداف مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، حيث قامت القوات الأمريكية بالرد الفوري زاعمة بأنها قامت بقتل بعض العناصر المرتزقة الروسية ضمن الهجوم الذي شنته على الميليشيات السورية، وفي صيف عام 2018 أيضا تم توجيه ضربة جوية إلى قاعدة تابعة لحزب الله، حيث وجهت أصابع الاتهام حينها إلى واشنطن، وهناك أيضا من زعم بتورط اسرائيل في الهجوم، هذا بالنظر إلى تصنيف حزب الله من قبل واشنطن باعتباره جماعة إرهابية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني والذي أعلنت الولايات المتحدة عن تصنيفه كتنظيم إرهابي أيضا خلال العام الجاري.
وعلى صعيد المشهد في العراق، فقد أعلن ترامب سابقا عن نيته لاستخدام الأراضي العراقية من أجل مراقبة الأنشطة العسكرية الإيرانية بالمنطقة، الأمر الذي عارضه المسئولون بالعراق قائلين بأنهم يرفضون تحويل بغداد إلى منطقة صراع دولي.
وفي الوقت نفسه، وقعت بعض الأحداث التي أدت إلى إقحام العراق في المشهد الساخن بين إيران وواشنطن، فقد زعمت الولايات المتحدة بأن طائرة تجسس تم إطلاقها من العراق تجاه خطوط النفط السعودي في 14 من شهر مايو، وسقوط صاروخ بالقرب من مقر السفارة الأمريكية في بغداد، إلى جانب بعض الصواريخ التي استهدفت مواقع تابعة للقوات الأمريكية في كل من الموصل والبصرة.
وانتقالا من بغداد إلى خليج عمان، سنجد أن حوادث استهداف ناقلات النفط والتي وقعت ما بين 12 من مايو و13 من يونيو قد أدى إلى تعقد المشهد بالمنطقة وتوجيه المزيد من الاتهامات إلى إيران، وظهور فريق ممن يزعمون بوجود بعض الجهات المسئولة عن تلك الحوادث بهدف توريط إيران.
وبالنظر إلى اليمن باعتبارها من أبرز بؤر الصراع الدولى بالمنطقة حاليا، سنجد أن قوات الحوثي التي تقاوم الوجود السعودي في اليمن منذ 2015 قامت مؤخرا بشن عدد من الغارات على كل من مطار أبها وجازان الواقعين جنوب المملكة العربية السعودية، الأمر الذي نشر المزيد من المخاوف وأدى إلى تصعيد التوتر بمنطقة الخليج العربي.
وعلى الرغم من عدم اندلاع الحرب صراحة بين واشنطن وطهران، إلا أن النزاعات المستمرة بين حلفاء كل منهم بالمنطقة قد ينذر بحرب عالمية ثالثة، وبالتالي فإنه يمكن قراءة المشهد كاملا في ضوء الأهداف والمخططات الاستراتيجية التي يسعى كل طرف لتحقيقها من لبنان شمالا وحتى اليمن جنوبا.
ويعتقد البعض بأن استبعاد ترامب من المشهد خلال الانتخابات الأمريكية القادمة قد يدفع الولايات المتحدة نحو تعديل موقفها تجاه إيران وحملها على الرجوع إلى خطة العمل المشترك، هذا في الوقت الذي يجب أن تعمد فيه طهران نحو تغيير سياساتها و العمل على تهدئة التوتر المشتعل بالمنطقة.
رابط المقال الأصلي:
اضغط هنا