العلاقات اللبنانية – السعودية من تأزم إلى المجهول | كتب محمود الحمصي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يعيش لبنان حالة فريدة من نوعها في تاريخيه، فبعد انهيار عملته الوطنية وتأزم الوضع المعيشي داخله، ها هو يعيش أسوء أزمة سياسية بينه وبين المملكة العربية السعودية التي كانت السند الحقيقي لانتهاء حروبه العبثية الداخلية، وقدمت مرارًا وتكرارًا الدعم المالي والسياسي لنهوض هذا البلد.
هذه الأزمة لم يتسبب بها أشخاص بقدر ما تسبب بها سياسيات لبنان الخارجية إتجاه قضايا مفصلية في المنطقة لم تكن على النهج ذاته الذي إتبعته المملكة العربية السعودية. أدى هذا التأزم الى مقاطعة سياسية اقتصادية بالإضافة إلى مقاطعة إعلامية ومن ثم المطالبة بمقاطعة شعبية إتجاه الجمهوية اللبنانية فيما تعبّر وسائل الإعلام السعودية عن هذه المقاطعة عن طريق عدم تغطيتها الأحداث التي يعيشها لبنان من كوارث إقتصادية.
وفيما تعتبر المملكة ان لبنان هو من ضمن المحور التي تصارعه بشتى الوسائل، تنعقد المفاوضات الإيرانية – السعودية على قدم وساق لمعالجة القضايا المعقدة العالقة بينهما والتي تشمل فتح كلا السفارات، ملف لبنان وسوريا والعراق واليمن، على أمل ان تشكل هذه المفاوضات بوابة لحل أزمة لبنان السياسية مع المملكة العربية السعودية بعد فشل الوساطة الفرنسية.
الإنهيار الإقتصادي في لبنان
يعيش لبنان أسوء أزمة اقتصادية منذ تاريخ نشأته بعد فقدان العملة الوطنية قيمتها وعدم قدرة المصرف المركزي على سد احتياجات السوق بالإضافة الى تدني مستوى الخدمات الحكومية بشكل غير مسبوق نتيجة لسوء الإدارة والفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة. تعمل الحكومة اللبنانية المشكلة حديثا إلى إيجاد السبل كافة لوقف الإنهيار الإقتصادي في لبنان ووقف انهيار العلاقات التاريخية التي تجمع لبنان بأشقاءه العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي شكلت على مرار التاريخ الاساس لنهضة لبنان ومعالجته من أزماته التاريخية.
العلاقات اللبنانية-السعودية
ما يجمع الجمهورية اللبنانية والمملكة العربية السعودية أكثر بكثير مما يفرقهم اليوم فقد عملت المملكة العربية السعودية بكامل إمكانياتها لنهوض لبنان ومعالجته من أزماته الاجتماعية. لطالما سعت المملكة العربية السعودية على مرار التاريخ إلى مساعدة لبنان من مؤتمر الرياض إلى اتفاق الطائف وصولًا إلى الدعم السياسي والاقتصادي وإعادة اعمار لبنان بعد الحرب الأهلية اللبنانية ومساعدة لبنان بعد حرب تموز مع العدو الإسرائيلي وأخيرًا دعم لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت.
لقد شجعت المملكة على الاستثمار داخل لبنان ودعمت القطاع السياحي إضافة الى تشجيع استقطاب الايدي العامله اللبنانية. لم يكن دعم لبنان مشروطًا بأي أهداف سياسية بل كان مرتبط بأخلاقيات المملكة إتجاه الدول وأهدافها في مساعدة الشعوب العربية وحكوماتها وتمثيلها في المحافل الدولية.
حلت الأزمة السورية ضيفًا ثقيلًا على علاقات لبنان مع السعودية فقد انتهجت لبنان والسعودية موقفًا متباينا من القضية السورية اضافة الى إبتعاد لبنان وفقًا المملكة عن الإجماع العربي. وتطور الخلاف وتوقف معه كامل الدعم السياسي والاقتصادي للبنان وبحسب المصادر السعودية فإن سياسيات لبنان الخارجية هي إحدى أهم أسباب هذا الخلاف وليس لدى المملكة أي خلاف مع أفراد بحد ذاتهم بقدر ما لديها رفض لسياسات لبنان وعدم موافقتها على الحكومة اللبنانية بصيغتها الحالية والتي تعتبرها غير قادرة على القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية.
الإعلام السعودي مُمْتعِض
لا يخفى على المتابعين أن الإعلام السعودي يتجاهل أحداث لبنان الحالية، لطالما عودنا هذا الإعلام على تغطية مجريات الأحداث في لبنان بطريقة وجدانية ليشكل الركيزة في دعم لبنان على الصعد كافة. ولكن نتيجة لبعض الأخطاء من الساسة اللبنانيين لم يعُد الإعلام السعودي يتناول أحداث لبنان بالطريقة المرجوة، لا بل على العكس يتغاضى هذا الإعلام عن تغطيته لملف لبنان بطريقة ممنهجة، كما انتهج الاعلام السعودي سياسة تسليط الضوء على من يقوم من محللين وسياسين لبنانيين بماهجمة السعودية بالاضافة الى تحميل مسؤولية لبنان حكومة وشعبا مسؤولية تهريب الحبوب المخدرة إلى أراضي السعودية. الأمر الذي دفع مؤخرًا العديد من الناشطين السعوديين إلى المطالبة بالمقاطعة الشعبية للبنان بشكل كامل، وإعادة الموظفين اللبنانيين من على أراضي المملكة مما أدى الى تزايد التباين والخلاف الموجود بالفعل بين هاتين الدولتين.
المفاوضات السعودية-الإيرانية
في حين أن قضية لبنان هي جزء من قضايا المنطقة العالقة بين إيران والسعودية، تنعقد المفاوضات التي وصفت بالإيجابية بين هاتين الدولتين الإقليميتين اللتين تلعبان دورًا مهمًا في معالجة قضايا المنطقة، على رأس تلك المفاوضات إمكانية فتح السفارات بين الدولتين اللتي تم إغلاقها نتيجة إحراق السفارة السعودية في إيران، اثر قيام السلطات السعودية بإعدام الشيخ نمر النمر. بالرغم من صعوبة ايجاد تسوية لتلك الملفات الحائلة دون تحسين العلاقات الإيرانية السعودية اللتي في حال تطورت إيجابيًا، ستؤثر بشكل إيجابي على علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية، وقد تشكل بداية جديدة لعلاقات أفضل، وطي صفحات الخلاف، وإعادة لبنان إلى الحضن السعودي لتكون راعية على بنائه من جديد ومساعدته في معالجة أزماته.
سبل تحسين العلاقات اللبنانية-السعودية
إذا لم يستطِع لبنان إقامة علاقات صداقة مع المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي، فلا يجب أن يكون على عداء معها. على الحكومة اللبنانية ان لا تنتظر نتيجة أي اتفاق أو تسوية، وان لا تنتظر مباحثات أي وسيط لاصلاح علاقة لبنان مع السعودية، بل يجب عليها ايجاد السبل كافة الممكنة لإصلاح وتحسين وتطوير هذه العلاقة.
لن تستطيع الحكومة اللبنانية الحالية من دون دعم اشقائها العرب من تحقيق أي تقدم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فالشعب اللبناني ضاق ذرعًا من هذا الواقع المعيشي المؤلم، ولم يعُد يحتمل المزيد من الأزمات، القطع الصحي والتعليمي في انهيار مستمر، ارتفاع معدل البطالة بشكل كبير كل ذلك والعاملين اللبنانيين في دول الخليج ينتابهم الخوف من ترحيلهم وفقدانهم لوظائفهم، الأمر الذي سيؤدي خلال الأعوام المقبلة الى تدني متسوى رأس المال البشري في لبنان، والذي يصحب معه انخفاض متسوى التعليم، وارتفاع متسوى الوفيات مقابل تدني متسوى الولادات. إذا كانت هذه الحكومة صادقة وجادة في العمل، عليها أن تبدأ في بناء علاقة جيدة مع أشقائها العرب وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والعمل على تعزيزها وتطويرها، والذي فيه مصلحة للبنان وشعبه.