بغداد بعد بيروت: نقاش شيعيّ حول الدولة والمستقبل | بقلم قاسم قصير
بموازاة الحرب الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة وتداعياتها على الجبهة الجنوبية اللبنانية وبقيّة دول المنطقة تُعقد لقاءات نقاش شيعيّ ومؤتمرات فكرية في بيروت وبغداد لبحث مستقبل الدور الشيعي في العالم العربي والموقف من التطوّرات الجارية، وخصوصاً كيفية المساهمة في إعادة بناء الدولة وتجاوز الأزمات المختلفة. فما أبرز ما يدور في هذه اللقاءات والمؤتمرات؟ ومن هي الجهات التي ترعى عقدها؟ وأيّ دور لها في المستقبل؟
بداية على المستوى العراقي تقوم مؤسّسة “إنكي” للبحوث والدراسات بإدارة أهمّ حوار حول مستقبل ودور أتباع أهل البيت، وقد عقدت مؤتمرين مهمّين في السنة الماضية وهذا العام بحضور شخصيات شيعية متنوّعة.
مؤسسة إنكي، التي يشرف عليها الأمين العامّ لتيّار الحكمة السيّد عمّار الحكيم، هي مؤسّسة عراقية ثقافية، وللاسم الذي اتّخذته عنواناً لها بعدٌ رمزي يومِئُ إلى ما تختزنه حضارة بلاد الرافدين من معانٍ ودلالات علمية ومعرفية وجمالية. المعروف أنّ حضارة سومر التي سكنت أرض العراق هي رمز الحضارة الإنسانية وفجرها ومهد حرفها الأوّل. كما يشير الاسم “إنكي” إلى إله الحكمة لدى السومريين، مثلما يشير إلى العلم والمعرفة. وبهذا تكون قد جمعت بين دلالتين: الحرف الذي يمثّل مادّة القلم الأولى، والحكمة بما هي عنوان المعرفة وبوصلة الإنسان.
وخلال المؤتمرات التي عقدتها المؤسسة في بغداد وشاركت فيها شخصيات دينية وثقافية من لبنان ودول عربية ومن دول أجنبية، ومنهم نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، جرى البحث في كلّ التطوّرات الجارية في المنطقة والموقف منها وأهمّ التحدّيات التي تواجه أتباع أهل البيت حالياً. ومن الموضوعات التي جرى التطرّق إليها: دور المرجعية الدينية، العلاقات الدولية، الدور الوطني والهويّة الوطنية، الجوانب التربوية والثقافية والتحدّيات المختلفة اليوم.
ركّز النقاش الشيعيّ العراقي على ضرورة تعزيز الاندماج الوطني والتفاعل مع قضايا الأمّة، وخصوصاً القضية الفلسطينية، وكذلك تعزيز العلاقات مع العالم العربي ودعم كلّ تقارب وتكامل بين الدول العربية والإسلامية.
يحرص السيّد عمّار الحكيم على متابعة أعمال المؤتمرات شخصياً والاستفادة من توصياتها وما يُطرح فيها من أفكار وتحويلها لخطوات عمليّة.
نقاش شيعيّ في بيروت
في بيروت تقوم شخصيات شيعية مستقلّة بعقد سلسلة لقاءات تقويميّة للوضع الشيعي في لبنان والعالم العربي، وخصوصاً ما بعد التقارب السعودي – الإيراني ومعركة طوفان الأقصى والتطوّرات على الجبهة الجنوبية، وتحاول هذه الشخصيات تقديم مقاربات جديدة للدور الشيعي بعيداً عن المواقف المسبقة وحصر الموقف بين معارض أو مؤيّد للثنائي حركة أمل والحزب، والبحث عن أفق جديد في كيفية مقاربة التطوّرات انطلاقاً من دعم الشعب الفلسطيني في معركته الحالية ضدّ العدوان الإسرائيلي وعدم صحّة الوقوف على الحياد وضرورة دعم المقاومة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لكنّ البحث في الوقت نفسه عن الأفق المستقبلي لدور الشيعة وكيفية المساهمة في إعادة بناء الدولة وانتظام المؤسّسات العامّة ومواجهة الفساد وبناء دولة المواطنة على أسس صحيحة.
النقاش الشيعيّ مستمرّ، سواء داخل البيئة نفسها أو بين هذه البيئة وشخصيات وطنية من مختلف الاتجاهات. ومن الشخصيات والجهات التي تتولّى اليوم إدارة النقاشات رئيس المركز العربي للحوار الشيخ عباس الجوهري والمؤسّسان لحركة تحرّر الدكتور علي خليفة والدكتور هادي مراد ورئيس المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان الشيخ محمد حسين الحاج وشخصيات أخرى إعلامية وثقافية.
هناك مؤسّسات ثقافية أخرى ناشطة في بيروت والضاحية الجنوبية لمواكبة مختلف التطوّرات، ولا سيما ما بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعياتها الإقليمية والدولية.
نحن إذن أمام نقاش شيعيّ ثقافي وفكري مهمّ، ولا يقتصر على البيئة الشيعية بل يتعدّاها إلى مختلف النخب اللبنانية والعربية والإسلامية على أمل أن ينتج أفكاراً ورؤى جديدة قادرة على مواجهة التحدّيات المختلفة اليوم.