الاحدثالشرق الاوسط

سوريا الحرة ولكن ماذا عن الجهاديين؟ | بقلم د. محمود الحمصي

مهما طال الزمن، لابد للأنظمة أن تتغير ، هذا ما حل بالانظمة الشمولية الرجعية في الدول العربية، والقيام بعد السقوط يجعل الشيئ اقوى، كيف اذا كان هذا الشيئ مجتمع عريق عمره الاف السنين، وحضارة من الاقدم على وجه الارض. كل شيئ يتغير مع الزمن وهذه نظرية الحياة والوجود، ولابد للجميع ان يؤمن بالتغيير. في سوريا اشرقت شمس الحرية على حياة جديدة ومجتمع ناشط في شتى المجالات، وقد غابت الايام الصعاب لتبدأ حياة جديدة يجب على الجميع ان يؤمن بها، ومع اشراق شمس الحرية، يبقى دخان منبعث على ارض سوريا، اين الاف الاجانب والانتحاريين والاصوليين الذين اتوا من شتى ارجاء الارض للقتال في سوريا، فقد اتوا للتغيير على طريقتهم، ومن احضرهم، كانت غايته تفجير هذه الدمى في الخصم، فيأخذ المقاتل ما طلبه من حياة سعيدة في قاموسه الذي تربى عليها ، اما دولته، فقد ارتاحت منه وذهب بلا عودة، ويكون بذلك حقق سد الثغرات الواجبة لمجيئه. اين سيذهبوا وقد اتوا للموت في سوريا وما زالوا على قيد الحياة؟ هؤلاء خطر على كافة الدول العربية على رأسهم لبنان والاردن والعراق وباقي الدول، باستثناء من يحركم او بالاحرى من يحرك قاداتهم، فهم على مدار الزمن، كانوا اداة تستخدمهم قوى الإستعمار لفرض الامر الواقع. والجدير بالذكر، ان هؤلاء المرتزقة ومنذ تأسيس الارهاب العالمي لقلب الاتحادات والأنظمة قد خلقوا لتكوين ما يسمى الفوضى الخلاقة وهي استراتيجية تتبع عن طريق التدمير ومن ثم اعادة البناء او ما يسمى بالتغيير الجذري وليس الاصلاح في الوضع القائم، ومع التغيير الحاصل في الشرق الاوسط، قد يطرق الارهاب العالمي باب الاردن والعراق ولبنان بعد الانتهاء من سوريا، وبعدها ربما اليمن حتى يتم التخلص من اخر فرد يقول كلا لقوى الاستعمار.

 

سوريا الحرة
لا يوجد اجمل من الانتماء للوطن، والدفاع عنه وعن الارض. بعد عقد ونيف من الزمن، انتهى الصراع رسمياً ان لم يحدث مفاجأة بين قوى المعارضة والنظام السوري. قتل وهجر وجرح الملايين من الناس، من بقي جريحا اصطدم بانهيار القطاع الطبي، ومن بقي في سوريا، عاش فترة انهيار اقتصادي غير مألوفة براتب زهيد لا يتعدى بضع دولارات، وقد مرت ايام صعبة على من ترك بلده ولجأ الى بلاد لا يعرفها. وبعد كل هذه الصعوبات، ها هم السوريون يعودون إلى وطنهم الذين حرموا منه طوال الأعوام الفائتة. لا يجب البكاء على شيئ سقط، فالانظمة التي لا تتغير ولا تطور نفسها مع مرور الزمن، لن يسعها الاستمرار ولن تثمر نتيجه تمسكها بنظامها سوى السقوط، حتى ارقى الأنظمة في العالم، لا يجب ان تبقى على حالها، بل يجب ان تتطور وتتغير، وتواكب المتغيرات العالمية. وهذا ما لم يحدث في سوريا، فقد عاشت سوريا اياما صعبة، وانتهى زمن الحكم الواحد والنظام الابدي، فرياح التغيير لا تتوقف ويجب الايمان بها، ولا يجب مقاومتها، بل يجب اصلاح الفجوات وتحسين مستوى الخدمات للناس، وهذه هي وظيفة الحكومات، وقد تفقد وظيفتها في حال إستمرت قمع شعبها، فالحوار كان ولابد ان يكون المسعى للتصالح وتذليل العقبات لبناء مستقبل واعد.

تموضع الجهاد العالمي في الشام
بعد انتصار المعارضة السورية وسقوط النظام السوري، وسيطرة قوات درع العمليات على مفاصل الدولة، ما يجعل مستقبل من اتى من انتحاريين وجهاديين من شتى انحاء الارض والذي ما زال يبحث عن أسباب متبقية للموت مثير للتساؤل. في الحقيقة، يستمد الجهاد العالمي غالباً قوته من اي فوضى داخل اي مكان، فهو بحاجة الى خلل في اركان المجتمع كي يتمدد، وبحاجة ايضا الى بيئة حاضنة ولو قليلة، بحجة دفاعه عنها، اضافة الى ذلك، فهو بحاجة الى تسليح وتدريب وهي ايضا مؤمنة عادة نظرا لوجود محرك لهذه التنظمات.

ولكن كيف اصبحت سوريا مستنقع الجهاديين في العالم؟
بعد احداث سوريا عام ٢٠١١، وما شهدت من قتل ومعارك طائفية طاحنة، بدأت مناشدات من العديد من رجال الدين لنصرة السوريين وإسقاط النظام السوري، ولكي ينجذب الجهاديين، كان لابد من التركيز على القدسية الدينية للشام، واللعب على الطابع الروحي والايديولوجي للافراد، فاصبحت الشام عقر دار الإسلام، وبدأت الصيحات الطائفية في العديد من الدول الإقليمية والعالمية، “اين احفاد خالد للقتال في ارض الشام، ارض المحشر والمنشر”. وقد تم دعم انتشار الارهاب في سوريا للتخلص من النظام السوري من جهة، والتخلص من هؤلاء الجهاديين في ان معا، فقد لعبت اجهزة الاستخبارات العالمية في نشر وتنظيم رحيل الجهاديين من بلدانهم وارسالهم للموت والتخلص منهم، ومنعهم من العودة مجددا، وبذلك تكون تلك البلدان قد تخلصت منهم، أيضاً احدى المناشدات نقلها بعض رجال الدين “طوبى للشام لان ملائكة الرحمن باسطة اجنحتها عليها، فاذا فسد اهل الشام فلا خير فيكم” وايضا اظهار فتاوى بوجوب القتال في الشام وان قتال النظام السوري لهو اعظم من قتال اسرائيل، فما كان من الجهاديين الا واتوا من كافة الدول للموت في سوريا. وبعد وضع المعارضة في الشمال السوري ومن ثم سيطرتهم على الحكم في سوريا، اصبح الاف الجهاديين والانتحاريين الاحياء يشكلون عبئا على الحكم الجديد، فهم من شتى انحاء الدول، ومعظمهم لا يتكلمون اللغة العربية، وقد تبعثروا في كافة سوريا وسيطروا على مناطق عديدة، واخذوا اهل القرى رهائن وفرضوا الحكم الإسلامي على المناطق التي مكثوا فيها وقد تقاتل هذه الفصائل الجهادية بعضها في القريب العاجل لتحقيق ما تم القدوم لاجله وهو الجهاد والموت.

مستقبل سوريا الجديدة والجهاد
يدرس احمد الشرع المعروف بالجولاني وهو قائد ما يسمى درع العدوان والعمليات العسكرية التي سيطرت على دمشق منح الجنسية لهؤلاء الأجانب واندماجهم في الجيش السوري المزمع تشكيله لاحقا، ويسمح هذا القرار للمقاتلين الاجانب الحصول على الجنسية السورية مع التعهد بالتخلي عن الجنسية الام، والالتزام بالقوانين السورية، ولكن كيف يمكن لمقاتل اتى فقط للحصول على درجة رفيعة في الاخرة وفقا لعقيدته، وكيف يمكن ان يلتزم في القوانين التي لا يعترف فيها اساسا، وكيف يمكن له ان يتقبل مجتمع بأسره وتنوعه واختلافه المذهبية، وكيف يمكن له مشاهدة فيلم داخل سينيما، او تقبل امرأة مكشوفة الوجه، او مشاهدة اطفال يمرحون مع مقدم الهدايا (بابا نويل)، او شجرة الميلاد مزينة بمظاهر السعاده التي تعتبر بدعه سيئة فلن يستطيع تحمل مشاهدة كل هذه المخالفات الشرعية والبدع وفقا لعقيدته، وقد يشعر بالضعف ان لم يغيرها بيده، فأما أن يذهب ادراج الرياح، او ان يستخدم السيف لفرض عقيدته التي لا تسمح بكل هذه البدع. والذي يزيد الطين بلة، هو اننا لا نتكلم على المستوى الفردي، فكيف اذا كان هناك الاف المقاتلين الذين لن يستطيعوا العودة الى وطنهم بسبب رفض بلدهم، فهم تخلصوا منهم، ولن يتحملوا مزيداً من السجناء لديهم.

في المقابل، قد يترك الجهادييون الاجانب دمشق للتوجه الى بلد اخر، كالاردن ولبنان او العراق او حتى اليمن بالرغم من بعد مسافة الاخيرة، بالطبع، حسب رغبة مشغليهم لتغيير الشرق الأوسط او لفرض اجندة اسلامية متشددة تستفيد منها بعض الدول الإقليمية. قد يبدو اسهل لهؤلاء الاجانب والتكفيريين الإنتقال إلى الدول المجاورة والعبث بامن تلك البلدان ولبنان الذي يحد سوريا من جبل الشيخ الى اخر نقطة حدودية في عكار يبدو معرضا لهذا السيناريو، فالجميع متفق ان هؤلاء يوجد من يحركهم، ومن شعر من المقاتلين بنشوة الانتصار عند سقوط سوريا لن يكبح جناح نفسه من التمدد، والجميع يعلم ان هناك اطماع تركية ببعض المناطق اللبنانية التي تعتبر احدى ولايات الدولة العثمانية سابقا، اضافة الى ذلك، هناك تأييد شعبي الى حد ما لا يمكن انكاره لهؤلاء التنظيمات في لبنان، فقد تكون لبنان الوجهة التالية للتنظمات المسلحة لفرض واقع جديد يلغي تقسيمات المنطقة قبل الحرب العالمية الأولى، في الجهة المقابلة، تحاول اسرائيل خلق حالة عدم استقرار في لبنان لعدة اسباب امنية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى ايلام والهاء المقاومة اللبنانية عنها عن طريق خلق فوضى عند الحدود اللبنانية السورية وتراقب اسرائيل حينها كلا الطرفين بعد رسم بعض الخطوط الحمراء.

العراق ايضا، هي احدى الدول التي قد يتوجه اليها المقاتلين وانضمامهم الى قبائل عراقية في الموصل ذات نفس التوجه، كما ان العراق قد شهد سابقا صراعات طائفية وقد تعود الاعمال الطائفية في العراق لتحقيق عدة غايات، اولا زعزعة الاستقرار في العراق وقلب موازين القوى السياسية والعسكرية التي تتحكم في العراق، منها مقاتلة الحشد الشعبي والفصائل الشيعية التي كان لها دور في اسناد غزة خلال الاشهر الماضية فالعراق يعد نقطة استراتيجية هامة، واحدى اهداف بعض القوى الدولية لتقليم اظافر ايران داخلها.

اضف الى ذلك، ان زعزعة الأمن في بعض المناطق العراقية ذات الاغلبية الكردية ومنها كركوك والسليمانية يعد مصلحة تركية استراتيجية للحد في النفوذ الكردي.

الاردن ايضا، هي محطة ثانية التي قد يتوجه الى بعض المقاتلين، فإن نمو الجماعات التكفيرية وامتدادها للاردن قد يشكل نقطة تحول مفصلي في الصراع العربي الإسرائيلي، فالاردن على مدار العقود السابقة، كان الموطن البديل المفترض للفلسطينيين، وكانت الضفة الغربية جزءًا من الاردن قبل ان تتنازل عنها لمصلحة السلطة الفلسطينية وكانت اسرائيل ولا زالت تعمل على ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد يشكل زعزعة الاستقرار في الاردن وامتداد الفصائل الجهادية للاردن فرصة سامحة لإسرائيل لاحتلال الاردن وفرض موطن بديل للفلسطينيين، وقد صرح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في هذا الشأن عندما اعلن عن نية الجيش الإسرائيلي احتلال الاردن في حال تعرض النظام الأردني الحالي لاي زعزعة او خلل وقد تكون الوجهة التكفيرية التالية هي المملكة الاردنية الهاشمية في احدى حلقات تغيير الشرق الأوسط.

مما لا شك، ان تركيا وإسرائيل بالتعاون مع بعض القوى الدولية، كانتا الدولتين المستفيدتين من التمدد الجهادي، فقد استطاعت كلا الدولتين عن طريق تحريك الجهاديين تغيير ميزان القوى والشرق الأوسط في أن معا. والاهم من ذلك، فقد ساهموا في تمدد تركيا وإسرائيل وتحقيق اهدافهم وضعف محور المقاومة، ويبقى السؤال الأهم: الى متى سيبقى استخدام الأصوليين لتحقيق مصالح الاستعماريين؟

محمود أحمد الحمصي

الدكتور محمود الحمصي، باحث ومحلل سياسي، مولود في بيروت حاصل على دكتوراه الفلسفه في الادارة العامة ومحاضر في جامعة بيروت العربية، شارك في العديد من المقالات العلمية والبحثية المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى