هل صحيح أن في الاقليم الشرق أوسطي ثلاثة مشاريع تحملها دول ثلاث فحسب؟ كلام يحتاج الى تدقيق اولًا وإلى تحذير ثانيًا.
أما التحذير فهو من محاولة شطب اي حساب لأمتنا العربية من أجل أن تتقاسمها القوى الفاعلة حاليا في المنطقة، ولإشاعة مناخ من الاحباط والتيئيس لدى ابناء أمتنا لدفعهم أمّا الى الاستسلام للعدو أو للارتماء في أحضان إحدى هذه القوى رغم ضرورة التمييز بين دولة غاصبة ومحتلّة لأرضنا، وبين الدول الأخرى التي مهما كان لنا من ملاحظات على بعض سياساتها إلا أنها تبقى دول تمثل عمقا حضاريا واستراتيجيا لأمتنا العربية.
اما التدقيق فهو أن هذا الكلام ليس دقيقًا، فبلادنا ليست الحكّام فقط بل هي الشعوب التي باتت مقاومتها وحركتها تشكّلان جزءًا لا يستهان به من معادلة المنطقة والعالم.
فهل يستطيع أحد أن ينكر دور العراقيين في مقاومة الاحتلال الأميركي وتكبيده أفدح الخسائر البشرية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية مما أدى إلى بداية تراجع النفوذ الأميركي اقليميًا وعالميًا بعد احتلال العراق عام 2003
وهل يستطيع أحد أن ينكر أن الهزائم التي لحقت بالكيان الغاصب على يدّ المقاومة في لبنان وفلسطين لاسيّما في حرب تموز/يوليو 2006 في لبنان، وهبّة الكرامة وسيف القدس في فلسطين عام2021، قد أدت إلى ضمور القدرات الصهيونية وإلى جانبها الإدارة الأميركية والتي كان من أبرز نتائج هذا الضمورا ترنّح صفقة القرن وسقوط مهندسها ترامب.
وهل يستطيع أحد أن ينكر أن صمود سورية بوجه الحرب الكونية التي شنّت ضدها على مدى 11سنة قد ساهم في تغيير موازين القوى إقليميًا ودوليًا بحيث بات ممكنًا الحديث عن بدايات تشكل نظام عالمي جديد متعدّد القطبية ونظام إقليمي جديد لم يعد ممكنًا تجاهل دور المقاومة فيه.
وهل يمكن لأحد أن ينكر تأثيرات وتداعيات الصمود اليمني الاسطوري على مدى سبع سنوات على موازين القوى الإقليمية والدولية.
هل يمكن لأحد أن ينكر نجاح الجزائر في استعادة دورها الفلسطيني والعربي والافريقي والإسلامي والدولي رغم كل ما مرّت به من ظروف صعبة، هل يمكن لأحد أن ينكر دور الحركة الشعبية العربية من مغرب الوطن الكبير إلى مشرقه، لا سيّما لدى الشعبين المصري والاردني في إفشال مشروع التطبيع المفروض على الامة واقتصاره على حكومات مرتجفة عاجزة عن إجراء استفتاءات شعبية تؤكد الرأي الحقيقي لشعوبها من التطبيع.
يكفي أن نعرف أن 40 مدينة مغربية قد أحيت يوم الارض(30 اذار/مارس) بمظاهرات شعبية ضخمة حتى نعرف مدى تمسّك شعب المغرب بالحق الفلسطيني.
ويكفي أن نتابع وقفات اهل البحرين ونخبهم، واهل الكويت ونوابهم والنخب في عمان وقطر والإمارات والجزيرة ، والتعرف على موقفهم الرافض للتطبيع وكل مخرجاته رغم كافة محاولات التعتيم عليها
كما يكفي أن نلاحظ ارتباك حكومة السودان في مسيرتها التطبيعية بسبب موقف الشعب والجيش في هذا البلد العريق في وطنيته وعروبته واسلامه.
ناهيك عن المواقف المشرفة للشعب التونسي والليبي والصومالي والمريتاني الذي طرد سفارة الكيان من ارضه طبعًا لا أحد ينكر أن الواقع العربي الراهن، لاسيّما على المستوى الرسمي يعاني كثيرًا من أمراض الفساد والاستبداد والتبعية، وان الحركة الشعبية نفسها تعاني من التناحر في صفوفها، والمجتمع العربي يعاني من انقسامات عرقية وطائفية ومذهبية وجهوية متعددة، لكن هذا لا يعني أن القوى المعادية لأمتنا العربية ليست قلقة إلى أبعد الحدود من القوى الكامنة في أمتنا وتخوض كافة أشكال الحروب والفتن لتبديدها.
في الإقليم قوة رابعة لا يجوز الاستهانة بها، هي قوة العرب ومشروعهم النهضوي المقاوم، وهي قوة ظاهرة في أقطار وكامنة في اقطار اخرى، وتجاهلها لا يغيّر من حقيقة الأمر شيئًا.