ليست من طبيعتي ان أذكر الردود التي تصلني على المواضيع التي أطرحها، لأني اعتبرها دعاية ساذجة وإن كان فيها نقاشًا بشأن المقال، أو بعض النقاط التي أثارت الاصدقاء مما دفعهم للحوار في هذا المجال، وسأسمح لنفسي هذه المرة بمناقشة بعض الملاحظات التي وردتني التي تحمل بعضها نقدًا أو ملاحظة و وجدت في ملخص الافكار أنها تصلح لتكون جزءً من سلسلة هذه المقالات، وتدخل ضمن الأفكار التي أُريد تناولها في هذه السلسلة.
ذكرت في مقال سابق دعوتين ممن ترأسوا الحكومات السابقة أو لنقل شعاريين، حيث أنني لم أذكر شعار آخر (هو فرض القانون) الذي تبناه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كما ذكروا لي، ويقول المؤيدون إنَّ هذا الشعار قد تم تطبيقه بعد (صولة الفرسان)* وولّد نوعا من السلم الاجتماعي باعتبار أن فرض القانون يولد سلمًا اجتماعيًا.
وإجابتي ان (فرض القانون) ولد نوعًا من الاستقرار الامني،ولكنه كان (هشًا) بحيث ان المجاميع المسلحة وان جردت أو تخلت عن سلاحها إلا أنها بقت في حالة الغليان (الثوري) -ان جاز التعبير – والاطراف المنتصرة مارست نشوة النصر دون أنْ تُفكِرَ في دمج المغلوبين لردم الهوة، ولهذا كان السلم الاجتماعي فوقي لم يتغلغل الى عقلية وروح المجتمع .
ولا شك أنها كانت خطوة باتجاه السلم الاجتماعي إلا أنَّ هذه الخطوة لم تكتمل لأن مقوماتها لم تكن متكاملة ولم تكن ترتكز إلى قرار واحد أو رؤية ثابتة، ولهذا سرعان ما تلاشى الأمن الاجتماعي بعد فقدان قوة فرض القانون.
بالرغم من إنَّ هذه التجربة كان يمكن لها أن تكون ركيزة من ركائز السلم الاجتماعي فيما لو تم استثمار حالة الاستقرار الأمني الى نمو سياسي اقتصادي اجتماعي بإرساء العدالة لكن هذا الأمر كان متباينا ومتأرجحا إن جاز التعبير، وقد ذكرت في الجزء الاول أن السلم الاجتماعي “وله أن يتأصل في المجتمع بتوفر أدواته ومستلزماته وكلما سادت العدالة كان السلم أقرب الى الواقع وكان الأمن أكثر رسوخًا فيه، وتكون الجرائم الجنائية وغيرها أمرًا شاذًا، أمرًا يبعث على الاشمئزاز والنفرة من أبناء المجتمع، وعندما تألف المجتمعات الجرائم فهذا يدل على أنه مجتمع غير سوي، وبحاجة الى ثورة إصلاحية تعيد له رشده !”.
فتطبيق القانون هو أحد الوسائل وإن لم يكن هناك عدل في تطبيق القانون، فهو قانون جائر وظالم،وما جرى بعد التحرير من داعش في المناطق التي كانت تحت سيطرته أن الهوة مازالت نفسها، أي ان البيئة التي سمحت بمجيء داعش مازالت نفسها تعيش بنفس الظروف مما ينذر بخطر مجيء داعش 2أو 3أو 4، ولابد من توفير مقدار من العدالة ويكون المواطن ركنا مهما من أركان القانون من خلال جعله جزءً من الامن لا أن يكون مستهدفا من رجال الامن.
وهذا ماجرى في الاحتجاجات في تشرين ونتائجها ومابعدها وربما كانت العشوائية التي تخللت القائمين والمضادين لها ما زاد في الفجوة ولم تكن طريقا لارساء عقد سياسي جديد أو لنسمه عقد اجتماعي جديد بل كرس المكرس.
إنَّ أدوات السلم الاجتماعي العدالة، الامن الاستقرار الرفاه الاقتصادي او لنقل الحركة الاقتصادية الطبيعية الحراك الاجتماعي التطوعي كلها مجتمعة توفر نوعا من الاستقرار السياسي وتبعد شبح اللاسلم ولا استطيع أن أقول الحرب.
نحن بحاجة الى رؤية في قضايا المجتمع تؤسس للسلم الاجتماعي ومنها الاستقرار النفسي للمواطن التي تدفع ليكون عنصرا فاعلا لا منفعلا فيما يواجهه من تحديات.
مشكلتنا أننا لا نفكر بالاصلاح بقدر ما نفكر بالثورة ، الخلافات الجزئية تتحول لدينا الى قطيعة وتناحر، مازال العنف الثوري يدور في أعماقنا ولهذا نبحث عن تفريغه بأي وسيلة كانت حتى على مستوى النقاش الفردي .
فمازالت ثقافتنا تعيش الانفعالية و التحدي وسيفي في غمدي واضعًا يدي على مقبضه سأشهره فيما يعترض طريقي، ومازالت لدينا صفات الشجاعة تطلق على قاطع الطريق !!.
وكلها أجد فيها عدم استقرار نفسي تدفع الى عدم الإستقرار الاجتماعي، وعوامل لحالة اللاسلم في المجتمع .
ولهذا نرى أن الشعوب المستقرة تتمتع بسلم اجتماعي وفي التحديات تواجهها باسلوب الوحدة اي ان قرارات مواجهة التحديات الكبرى لن تكون فردية ولا مجال للنزعة الفردية فيها.
وللحديث بقية
*صولة الفرسان عملية فرض القانون في سنة 2008 بدأت في محافظة البصرة وبقية المحافظات تباعًا شهد بعدها العراق استقرار نسبيا لم يستمر طويلا.